رغم تنصيص الدستور المغربي على كون النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، إلا أن المفاوضات الحكومية التي تعيش نوعا من "البلوكاج" بسبب توقف المشاورات بين الأحزاب السياسية أبانت أن المؤسسة التشريعية أصبحت رهينة بيد السلطة التنفيذية. وبينما مضى شهران على عمر الولاية التشريعية العاشرة، لم يتمكن مجلس النواب من الاشتغال رغم أنه مؤسسة مستقلة عن الحكومة؛ وذلك بسبب عدم قدرة رئيس السلطة التنفيذية المعين، عبد الإله بنكيران، على الحصول على الأغلبية الداعمة للحكومة في المؤسسة التشريعية. ويبدو أن المؤسسة البرلمانية التي جاء الدستور المغربي بالعديد من المقتضيات لجعلها أكثر استقلالية، لا تعدو أن تكون ملحقة للحكومة؛ وهو الواقع الذي أثبته التصويت على رئيس مجلس النواب في الولاية السابقة، إذ تتم تسمية الرئيس قبل الانتخابات المفروض فيها السرية، وذلك عن طريق التفاوض بين الأحزاب، باعتباره يعادل حقيبتين وزاريتين ضمن التشكيلة الحكومية. عبد المنعم لزعر، الباحث في علم السياسية والقانون الدستوري، سجل في تصريح لهسبريس أن ربط مسطرة انتخاب رئيس مجلس النواب بالمشاورات الخاصة ببناء الأغلبية وتشكيل الحكومة ليس عرفا دستوريا أو قانونيا، واصفا الأمر بأنه "انحراف سياسي يمس عمق فلسفة النظام التمثيلي بالمغرب، وجوهر مبدأ فصل السلط، خاصة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية". وحذر لزعر من التمدد الزمني لتشكيل الحكومة، "الذي يؤثر سواء بوجود مجلس نواب مهيكل أو في غياب الهيكلة"، موضحا أن "جزءا من مساحات اشتغال المؤسسة البرلمانية يقوم على أساس الحوار بين الحكومة والبرلمان، سواء تعلق الأمر بالتشريع أو الرقابة، لأن البرلمان لا يمكنه أن يشرع بدون حكومة، والحكومة لا يمكنها أن تشتغل بدون برلمان"، حسب تعبيره. وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الحزبي المغربي أنه "لا يجب أن تكون أي مؤسسة ملحقة لمؤسسة أخرى"، منبها إلى أن "مسطرة انتخاب رئيس مجلس النواب لا يجب أن ترتهن للمشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة، لأن لكل عملية سياسية أو دستورية مجالها الخاص والمستقل". وقال لزعر في هذا الاتجاه: "مسطرة تشكيل الحكومة تجد سندها في الفصل 47 من الدستور، والأعراف السياسية التي تراكمت في هذا المجال، ولا دخل لمجلس النواب في المسطرة إلا بعد لجوء الحكومة إليه للحصول على التنصيب"، مضيفا: "كذلك الأمر بالنسبة لانتخاب رئيس مجلس النواب وباقي الأجهزة التي تجد سندها وتفصيلاتها في مقتضيات النظام الداخلي. ولا دخل للحكومة في انتخاب مؤسسات وهياكل المجلس". "صحيح أن للفاعلين السياسيين رهاناتهم وحساباتهم وترتيباتهم السياسية، إذ يحاول كل فاعل تحقيق أكبر عائد سياسي، سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني"، يقول لزعر، الذي أبرز أن "هذه الحسابات لا يجب أن تكون على حساب الأمن المؤسساتي داخل مجلس النواب"، داعيا إلى "تحرير مسطرة انتخاب رئيس مجلس النواب من المنطق المتحكم في المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة".