أتقدم باسمي الشخصي، بتعازي القلبية العميقة الى أسرة الفقيد محسن فكري والى كافة ساكنة اقليمالحسيمة الأبي،والى أبناء وبنات الشعب المغربي قاطبة.كما أعبر بصوت عال عن حزني العميق وغضبي العارم بعد هذا المصاب الجلل الذي ذهب ضحيته مواطن مغربي بريء من بلدي.ولا يفوتني أن أعبر عن تنديدي الشديد بهذه الجريمة الوحشية الرهيبة التي كانت بالنسبة لي،نتيجة منطقية فضيعة لشطط طاحن في استخدام السلطة، ولأسلوب قديم جدا في احتقار القوانين وتبخيسها، وإهانة كرامة المواطنين من طرف الادارات والمؤسسات التي يفترض أنها في خدمتنا . وأنا في أوج هذا الغضب الذي أحس به الآن يغلي في عروقي وشراييني وجسدي،كما أحس به يلف أطراف روحي ويعصر ذاتي،خطرت لي هذه الأسئلة واستفزتني الى حد كبير : أولا- لاشك أنكم جميعا لاحظتم كثرة الحديث عن اصلاح الادارة في دواليب الدولة والإعلام والفضاءات العمومية منذ افتتاح البرلمان الجديد في الأيام الماضية، وقد لاحظت من جهتي أن كل هذا التفاعل،سواء من جهة المسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية، أو من جهة من أسميهم " خبراء التعليقات المدفوعة الأجر" وهم كثيرون هذه الأيام كان انتهازيا وتافها ومنافقا ومتخشبا في لغته وخطابه.غير أنني اكتشفت الآن بعد هذه الجريمة البشعة،أن الادارة ليست فقط فاسدة ومرتشية وكسولة وعدوة للتنمية والتقدم،بل أيضا مؤسسة مستبدة وآلة طاحنة للبشر من عموم الشعب المغربي.والأمر هنا بالنسبة لي ،يتعلق بظاهرة قديمة لا جديدة،لأن القيم المقيتة للسلطة بمفهومها المخزني ما زالت لم تمت . لقد تبين لي بعد تأملي لهذه الجريمة الوحشية التي ذهب ضحيتها فكري،أن كل ما قيل عن فساد الادارة بدون استثناء،كلام لا يرقى الى الحقيقة. والفساد الحقيقي هو ذلك الذي تهربت من مواجهته الحكومة المنتهية ولايتها تهرب الجبناء.وبالتالي فما تغيب الموظفين وتقاعسهم عن القيام بواجباتهم،وهو السياق الذي يراد به التمويه وتعويم الموضوع الحقيقي، سوى قطرة صغيرة في بحيرة ملوثة يخفي فيها الفساد الاداري "الأخطبوطي والمافيوزي" أجنحته،وهو الفساد الذي يخترق أعلى المستويات في الدولة . -هل نحن ناقصي عقل وفي حاجة الى وصاية فكرية وسياسية، حتى لا نتحدث بدون توقف في موضوع معين إلا بعد حديث الملك ؟وهل الحكومة ناقصة أهلية سياسية حتى لا تتدخل في قطاع معين بالكيفية المطلوبة، إلا بعد اصدار التعليمات من أعلى سلطة في البلد ؟ ألم ينته بعد عهد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الناس والمواطنين ؟. لعلنا كنا نحلم ونتوهم ؟ ثانيا- لماذا لا يذهب وزير الداخلية الى أداء واجب العزاء باستعجال،وبالتالي تفقد الأحوال الأمنية للمواطنين في الحسيمة إلا بعد تلقيه أمرا او تعليمات من الملك وهو خارج الوطن ؟ أجبني سيدي الوزير: نريد أن نعرف فقط من حضرتك.هل ذهبت ممثلا للملك أم للحكومة باعتبارك عضوا فيها ؟ أنا أعرف انك ذهبت باسم الملك،لكن ألا تستطيع كأعلى مسؤول تنفيذي عن الأمن أن تقرر الذهاب بمحض ارادتك انطلاقا من واجب المسؤولية السياسية ؟ أخاف أن يكون العذر أقبح من الزلة. ثالثا- وأنا أستمع الى رئيس الحكومة يعزي أسرة المواطن،دون ان يكلف نفسه عناء السفر الى عين المكان،ربما لانشغالاته المارطونية في توزيع "الوزيعة" الحكومية القادمة بمشاوراتها المملة،انتابني غضب شديد وهو يتحدث عن أب الضحية محسن فكري باعتباره: احد أبناء البيجيدي وقيادييها الأبرار في مدينة الحسيمة،لا كمواطن مغربي تم طحن فلذة كبده طحنا همجيا مذلا. السيد عبد الاله بنكيران المحترم، أريد أن اسألك سؤالا بسيطا بصفتي مواطنا مغربيا عاديا :هل أنت رئيس حكومة المغرب والشعب المغربي، وأنت تطبل بكل قوة أنه هو من انتخبك مفتخرا بذلك،أم رئيس حكومة اخوانك وأخواتك في حزب العدالة والتنمية ومناضلي المصباح فقط،،حتى تتحدث عن والد الضحية بهذه الصفة؟ لقد مللنا زلاتك اللسانية في الولاية السابقة،ولم يكن مقبولا اطلاقا منك كرئيس منتخب للسلطة التنفيذية ومكلف بتشكيل الحكومة الثانية،أن تقحم الانتماء الحزبي لأب الضحية.وهذا خطأ دستوري وسياسي أحيلك على مستشاريك القانونيين ليشرحوا لك هذا، حتى يتأكد لك صواب ما اقوله.؟ السيد رئيس الحكومة.حذار من هذا الارتجال المائع الذي لا ضفاف له،فالارتجال نعمة ونقمة ؟ ولا تنس أنك مسؤول سياسي عليه أن يزن كلامه وألفاظه ؟ رابعا-لم يرد خبر فاجعة الحسيمة(حدثت يوم الجمعة) لا من قريب ولا من بعيد في وسائل الاعلام الرسمية الا يوم الأحد،أما يوم السبت فقد كان يوم السهرة و"النشاط"، سواء في القناة الأولى أو الثانية. متى تكون التلفزة ملكا للشعب المغربي فعلا وقولا، ومتى تكون ناطقا حقيقيا صادقا وأمينا باسمه؟ تذكرت الآن أحمد السنوسي الرائع الذي أحبه،حين قال منذ مدة طويلة : ( "عندي ثلاجة كنبرد فيها أعصابي،وتلفزة كندير بها العقوبة لولادي...") خامسا- ألا تعتقدون معي ان رجال القوات العمومية يحتاجون لتكوين قوي في مواد حقوق الانسان والمواطن حتى نقطع جذريا مع أسباب هذه الحوادث الوحشية والجرائم المقيتة.دون أن ننسى تفعيل الاجراءات الزجرية والعقابية ضد المخالفين،وهو ما لم يحدث اطلاقا في ملفات انتهاكات سابقة لحقوق المواطنين البسطاء ؟ ألا ترون معي ان رجال الأمن بجميع أنواعهم، مطالبون بالخضوع لتكوين معمق في التشريعات المرتبطة بهذا الميدان ؟ غير أنني أخاف أن نخضع هؤلاء لهذا النوع من التكوين،وأعتقد أنهم خضعوا له الى حد ما،ويبقى الواقع على ما هو عليه ؟ على المغرب أن يربح رهان الأمن الاجتماعي كما ربح رهان الأمن في سياسة محاربة الارهاب مفتخرا بذلك باستحقاق.وهذه مسؤولية جسيمة لا مهرب منها.غير أن نجاح هذا الرهان يتطلب شرطا لا غنى عنه ،هو أن يتساوى أمن المواطنين في الدرجة والأهمية، مع أمن الدولة.وهذا مطلب مستعجل الآن........متى يتحقق ذلك يا سادة ؟.لقد مللنا الانتظار ... سادسا- ألا ترون معي أن دولة تستعد لتنظيم مؤتمر عالمي،ببهرجة وبفخفخة زائدة عن حدها في الأيام القليلة القادمة،لا يليق بها اطلاقا،ان لم أقل أنها لا تستحق أن تحظى بهذا الشرف الدولي،في وقت تنتهك فيها أبسط حقوق المواطن،ولا يحترم فيها القانون ؟ ان دولة تنظم مؤتمرا عالميا للمناخ،سيفد اليه كبار كل العالم،لا تهين كرامة مواطنيها بتلك الطريقة الهمجية التي سميت :" طحن مو" .ماذا ستقولون لضيوفكم الكرام،اذا سئلتم عن هذه الحادثة الوحشية يا سادة،وقد تناقلت كل وسائل الاعلام الدولية خبرها وصورها وفيديوهاتها ؟ سابعا-في تتبعي الدقيق لتجربة العدالة الانتقالية في المغرب من خلال تجربة هيئة الانصاف والمصالحة منذ ما يزيد عن عشر سنوات،لفتت انتباهي دائما جملة جميلة ومزدانة بكل ألوان الأمل،تم تداولها في كل الأوراق والمستندات والتوصيات الحقوقية التي خرجت من رحم هذه التجربة الفتية. تقول هذه الجملة، بعد استعراضها لنقاط القوة التي تميزت بها هذه الهيئة : " من أجل عدم تكرار ما جرى". والمقصود "بما جرى"، هو جملة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في ما سمي بسنوات الرصاص في المغرب. -الى متى سيظل ما جرى في الماضي من اهانات وإذلال ومس بالكرامة ة وتعذيب وتنكيل وعنف غير مشروع وشطط طاحن في استخدام السلطة، يتكرر في بلدي ؟ لا تلعبوا بالنار ؟