استطاعت استحقاقات 7 أكتوبر أن تعري الواقع السياسي المغربي وطبيعة الأحزاب السياسية المغربية التي بدت بوضوح منذ اقتراب الحملة الانتخابية مصطنعة ومثيرة للاستغراب وبعيدة عن حاجات المجتمع المغربي وروح العصر والقيم الديمقراطية الأصيلة. الأمر يتعلق بتنظيمات سياسية وُجدت منذ فجر تاريخها لمنع ظهور أي قوة سياسية مهيمنة ودعم قدرة الدولة التدخل للإمساك بجميع الخيوط وإعادة رسم الخريطة السياسية التي تتمخض عنها انتخابات فاقدة لأي مضمون، هدف منظمها رسم صورة فولكلورية فارغة المضمون للمغرب لدى المجتمع الدولي. لا نختلف عن كونها لعبة سياسية كان وراءها عزوف الناس والشباب خاصة عن الحياة السياسية وغياب أغلبية المغاربة في صناديق الاقتراع، وفقدان الثقة في الأحزاب السياسية بدون استثناء، بمقابل ظهور جيل جديد من الانتهازيين والأميين سياسيا داخل الأحزاب السياسية، وانتقاد القطبية الحزبية من أجل اقتحامها، وأحزاب صغيرة تنخرط في مسلسل سب وشتم خصومها السياسية (مفيوزي، لص، كاسول..) وعائلات حصلت على التزكيات لتدخل قبة البرلمان من بابه الواسع، وصدارة "العدالة والتنمية" بفضل عوامل عديدة منها حاجة "المخزن" لهذا الحزب التي لا يبدوا أنها انتهت رغم المسرحيات التي سبقت الحملة الانتخابية. والأن وقد عين الملك أمين عام "العدالة والتنمية" رئيسًا للحكومة، فلن يغير شيء ولو حصل على نسبة 100% في الانتخابات، في هذه الدولة التي لا يعرف بنكيران ماهيتها ولا من يرأس حكومتها، ويبقى بنكيران، وفق تعبيره، مجرد موظف مسخر لمساعدة الملك في إطار حكومة لا تملك سلطة أمام سلطة "اللي كيحكمو كاينين الفوق وكيفتحو الباب كل خمس سنين". النتائج الكئيبة هذه يتحمل مسؤوليتها النظام السياسي ككل، فقد ظلت انتخابات المغرب المعاصر تكشف العديد من الإختلالات التي ينبغي النظر فيها بعين التحليل والنقد وأخذ الإجراءات الميدانية اللازمة، بغرض تطوير الحياة السياسية المغربية في الاتجاه الصحيح، وفتح نقاش حول الانتقال نحو الديمقراطية المتحكم فيه والذي وضعته الجهات المستفيدة من الوضع القائم على مقاسها. المطلوب اليوم، بعد أن أظهرت الدراسات المتاحة أن سياسة عرقلة الانتقال بصناديق الاقتراع في استمرار لإعادة المغرب إلى الوراء وتبرير أربعة مليون مغربي يعيشون تحت معانات الفقر، ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب إلى 60.6، خصخصة الصحة التي تعاني من نقص التمويل وحالة المستشفيات العامة كارثية، وضعية التعليم المتدهورة، ارتفاع نسبة الأمية، انتهاك سيادة القانون بقمع الناس، تمرير قوانين تحت الطاولة ليس فتح نقاشات فلسفية في فنادق الرباط والدار البيضاء وفتح نقاشات فيسبوكية و (ركيع المقاهي) وغيرها من الخطابات الإنشائية التي ستضيع علينا فرصة ولوج عالم التغيير، ونمضي قدما نحو المستقبل، ولتجاوز هذه المحنة ومشاقة هذه المرحلة لابد من: مبادرة لإنشاء ائتلاف معارض يضم جمعيات مستقلة تقوده وجوه معروفة باستقلاليتها ونضالها في النقابات والهيئات الحقوقية المستقلة، تشتغل في الميدان على ملفات سياسية بعد صياغة ملف مطلبي وعرضه للنقاش المجتمعي، والتنسيق مع أحزاب المعارضة وشبيبتها والفئات المتضررة من الاتجاه الحالي: عشرة ألاف إطار، النقابات وخصوصا التعليمية، الجمعيات الحقوقية، جمعيات النساء المعنفات والحركة النسائية بالإضافة لتعبئة الشارع والنزول للاحتجاج وتشكيل لجنة وطنية مكونة من شباب نشطاء لتوقيع عريضة تعبر عن موقف المغاربة الغائبين عن عملية الاقتراع. إن مثل هذه الخطوات الشرعية قد تعيد معنى للحياة السياسية والمبادئ والقيم الديمقراطية الحقيقية، التي ينبغي أن تؤطر الحياة السياسية وتجعل الصراع يكتسي طابع الجد، ودون التفكير في مثل هذه المبادرات، فلن يهيمن على بلادنا غير "تحرمَياتْ المخزن" وعنف السياسيين اللفظي والتمظهرات المسرحية وشخصنة الصراع وإلهاء النَاس.