"إذا بَسَطْنا تاريخ الخمسة آلاف عام المنصرم، وجدنا تفاوتا بين بداياته ونهاياته بخصوص النظرة إلى المرأة كيانا وسلوكا وقيمة ومعنى." من كتاب "الضلع الأعوج" لإبراهيم محمود. اجتماعياً كانت المرأة مأوى الرجل، مُجتمعه، مَحفله المقدّس، ملاذه النفسي، منزِل وجوده وحافظةٌ له، وضامنةُ تناسله... و لُغوياً كانت المرأة أكثر استقرارا بعدما كانت اللغة إبداعا أنثويّاً، قَبْلَمَا أن يمارس فيها الرجل خلخلة، تَصَدُّع وشرخ بل مجزرة لغوية، أصبح على إثرها أُسُّها وأساسها ومالكها... غير أن المرأة في عالم لغته تُعَرَّف باعتبارها الكائن المضاف إليه، والمعطوف عليه إن لم تكن في أحايِين عِدّة فعل ماض ناقص، ضدّا على الرجل المستثنى من كل اشتقاق والجامد في كل الأسماء لأنه طبعا ممنوع من الصرف والتحويل والتغيير؛ إنه اللغة الصِرفة، مقابل المرأة النشاز والمُشوّه الغريب والمُغترِب والمتغرّب. وارتباطا بتفكيك أبجديات الخطاب من خلال مساءلة المسألة الاجتماعية و وَقْعَنَتِها، ومحاولة التأسيس لخطاب نقدي يرفض الشرعيات المطلقة، ولا يعترف بمطلب الحقيقة الواحدة الشاملة، ويُصر على الاختلاف والتعددية الفكرية، ويضع حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية وقضية المرأة على رأس اهتماماته الفكرية والاجتماعية، تبين أن الداعي إلى التغيير المستمر للمناهج والبرامج والمقررات الدراسية يرتدّ إلى المجتمع لا إلى المدرسة، إلى ضرورات اقتصادية واجتماعية وسياسية لا إلى ضرورة تحديد المنهاج والمحتوى. آية ذلك أن التغيير تعبير عما كان يجول في ذهن السلطة من صورة مفترضة للمجتمع. إنّ المسعى من الحفر في مكانة المرأة داخل المتن الدراسي هو محاولة إعادة الاعتبار للهامش والوصول إلى إنسانية المرأة التي لا تختلف عن رَدِيفِها الرجل عقلاً وفكراً ولغةَ، لرفع الحيف عن المرأة ووجودها الحياتي، كون الكتاب المدرسي يعد أحد العناصر الرئيسة في العملية التعليمية التي تعد بدورها مدخلا أساسيا في عمليات التنشئة الاجتماعية، وعلي الرغم من ظهور الكثير من أساليب وطرائق التعليم والتعلم، إلا أنه (الكتاب المدرسي) لا يزال يحتفظ بدوره الهام في عمليات التنشئة والتطبيع الاجتماعي ونشر الثقافة الذكورية. لذا فرسم تصور منسجم إزاء المرأة في "الذهن الاجتماعي"، يقتضي تفكيكا لرموز وجزيئات صورتها في الثقافة بكل تجلياتها ، والتنقيب عما هو خفي في "ثلاثية المجال والدور الاجتماعي والجسد"، باعتبارها ثلاثة محاور لإستراتيجية السلطة الأبوية كبناء ثقافي، ومن تم إعادة تأسيس علاقات النوع الاجتماعي بناء على منح فرص متكافئة لكلا الجنسين من خلال المتدخلين في عمليات التنشئة الاجتماعية، أولها المدرسة وخطابها.. والأكيد أنّ ذلك لن يتم بمجرد تبني شعارات عبر مضامين ونصوص مدرسية تُألّه وتمجد للمساواة بين الجنسين فقط، بل إنّ الأمر يتطلب تفكيكا لآليات خطاب الكتاب المدرسي بكل تَمَظْهُرَاتِه الضمنية والصّريحة، الظاهر منها والباطن، والحرص على أن يكون هذا الخطاب مُحترِما لقيمَ النوع. ينبغي الاستناد في تفكيك وتحليل لواقع المرأة في الخطاب المدرسي على إطار مرجعي يتأسس على منظور سوسيولوجي الذي على إثره لا يمكن تغيير المجتمع دون تغيير نمط تفكيره وتصوراته الاجتماعية التي اكتسبت تاريخيا، فأصبحت حقيقة لا يمكن الطعن فيها. إن الأمر يتعلق أساسا بالكيفية التي يمكن من خلالها لموضوع اجتماعي/ثقافي مكتسب، أن يتحول إلى ما هو طبيعي، أي كيف استطاعت السلطة الذكورية أن تهيمن على حياة المرأة على مر التاريخ لتتجدّر في المجتمع ومكوناته. يُستفاد من ذلك، محاولة التحقق من فرضيات الاشتغال حول المتن المدرسي لغة وصورة، لمعرفة التصور العام الذي يؤسس له ويمرّره هذا الخطاب، والتربية، ومعرفة ما إذا كانت المقررات الدراسية في المنظومة التربوية تؤسس لمجتمع المساواة وتساعد على محاربة مركزية سلطة الرجل في إدارة الحياة الاجتماعية، أم أنها تزيد من حدة الفروقات بين الجنسين والتأسيس إلى لا مساواة مدرسية كمدخل إلى اللا مساواة الاجتماعية؟ معرفة أدوار النوع الاجتماعي المتضمنة في عينة من كتب التعليم الابتدائي بكل مستوياته، وباعتماد تقنية تحليل محتوى هذه الكتب، فكان الغبن واضحا في المكانة التي حاولت عينة كتب الاشتغال تكريسها عن المرأة، إذ تم إقصاؤها من مجالات النشاط الإنساني الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي، والتركيز على المجال الأسري كمجال أنثوي. في ضوء نتائج التحليل التي تم التوصل إليها نجد، ضعف تمثيل الأنثى في كتب اللغة العربية كتابي السنة الأولى ابتدائي، ثم مرشدي السنة الثانية، ثم المفيد السنة الثالثة، ثم الواضح السنة الرابعة، ثم المنير السنة الخامسة، ثم كتابي لسنة السادسة مقارنة بالذكر . وقد كشف التحليل عن هوة واسعة بين الذكر- الرجل، والأنثى– المرأة في خطاب الكتب المدرسية، وهو ما يتناقض مع التغير المجتمعي الذي بلغه المغرب بالدرجة الأولى ومع الدستور المغربي الذي كفل المساواة بين الجنسين، ومع معاهدة سيداو cedaw التي انضم إليها المغرب منذ "1993" والتي تكفل من ضِمن ما تكفل الحق في التعليم المنصف والتمثيل الثقافي العادل. عرفت المناهج التربوية تغييرات كثيرة امتدت لسنوات وأعدت الكتب المدرسية لها، وتم إعداد المعلمين لتطبيقها، ولكن رغم الجهود التي بذلت لإحداث تغيرات لمواكبة تحديات العصر المحلية والعالمية فلا تزال المناهج والكتب المدرسية تعزّز الأدوار التقليدية السائدة في المجتمع بين النساء والرجال. لم تنطلق الأهداف التربوية في تلك المناهج من مبدأ مناهضة التمييز القائم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، فجاء تطبيقها في التأليف والتدريس، واللغة، والصور والمضامين التي عبر عن المنمّطات التقليدية والقوالب الجاهزة تجاه المرأة. ما تزال المناهج ترتكز على الأدوار النمطية للمرأة والرجل في المجتمع، كما أنّها لم تتحرر من التصور الاجتماعي التقليدي الذي يميّز بين الإناث والذكور في التربية الأسرية، ولم يظهر بوضوح تقاسم المسؤوليات بكافة أنواعها، ولا يخفى على أحد الأهمية الكبيرة للكتب المدرسية على الفرد وتأثيرها في تكوينه الثقافي، وكيف تؤثر في صقل تصورات الإناث والذكور للأدوار في المجتمع ، حيث يصبح لكل من الجنسين أدوار متمايزة وخاصة، وتصبح في المستقبل دليلاً لطموحات هؤلاء الأفراد فتؤثر على مواقعهم ومكانتهم. من هنا، كانت الحاجة ملحّة لكشف النصوص التمييزية التي لا تحترم كرامة المرأة وقدراتها وكشف العديد من الصور والمفاهيم التقليدية الجامدة المنضوية في ملفات تلك الكتب المدرسية. فإلغاء التمييز في التربية، يعني التأكيد على حقوق الفتيات المتساوية في التعليم والصحة والترفيه والعمل... وإلغاء التمييز في المناهج التعليمية يتطلب تعديل صور النساء في المناهج والتشديد على المساواة التطبيقية بين الذكور والإناث في القدرات، وتشكيل القناعات لدى المربين من أساتذة ومؤلفين بالمساواة التطبيقية، وتشكيل قناعات لدى الأسر باعتبارها الخلية الأولى الحاضنة للطفل لمساعدة الفتيات والنساء على إدراك حقوقهّن في التعليم والعلم والعمل والمشاركة في الحياة العامة. ويمكن القول أن بيئة التعليم في المغرب، بشكل عام لا تزال تواجه مشكلة تدني الاتساق مع متطلبات سوق العمل، وإصلاح المناهج الدراسية، سِيَمَا إدخال مواضيع جديدة تتناول التعليم المدني والمواضيع الاجتماعية والفنية في مراحل مبكرة في التعلم، قد تكون خطوات مناسبة نحو معالجة هذه المشكلة. أصبح الجانب القيمي، في العقود الأخيرة، مطلبا ملحا في مراجعة الكتب المدرسية وتأليفها وتقويمها، لكن من خلال الإطلاع على كتب اللغة العربية للسلك الابتدائي، تبين أنه لم يتم إعطاء المنظومة القيمية الأهمية التي تستحقها لتربية المتعلمين والمتعلمات على نحو يؤهلهم ويؤهلهن إلى المشاركة بفاعلية في ترسيخ القيم الكونية المشتركة بما فيها احترام أخلاقيات النوع الاجتماعي.ورغم محاولة الكتب المدرسية رسم صورة حديثة عن المرأة، إلا أنها المحاولة لم تبرح مستوى الخطاب الصريح والظاهر، من خلال نصوص وعبارات تتحدث عن إنصاف وتكريم المرأة، ذلك أنّ هذه الصورة تصطدم بصورة أخرى مقابلة ومضادّة، سواء على مستوى ظاهر الخطاب نفسه، أي من خلال الصور والمتون التي تتخلل الكتاب المدرسي، أو من خلال الخطاب الضمني، حيث قواعد التضمين والإقصاء، التي تكون في بعض الأحيان صريحة وفي أحيان كثيرة ضمنية، تحدد ما يوجد في الداخل وما يوجد في الخارج، وترتكز هذه القواعد على مفاهيم السلطة وقيمها وموضوعاتها... الشيء الذي جعل الخطاب المدرسي المعتمد ذو مرجعية معرفية واجتماعية مزدوَجة: "مرجعية ظاهرة ومعلنة"، وهي التعليم، التكوين، نشر المعارف والإعداد للحياة العامة. "ومرجعية ضمنية"، تكمن في تمرير خطاب السلطة والهيمنة الذكورية، هكذا تبدو الإحالة المعلنة كما لو كانت وظيفتها الأساسية هي إخفاء الإحالة الضمنية العميقة للخطاب المدرسي. من خلال المؤشرات الدلالية التي تم الاشتغال عليها يمكننا القول أن الكتب المدرسية لمادة اللغة العربية عملت على " ذكرنة" الخطاب المدرسي عنواناً وصورةً ونصاً. - انطلاقا مِما تقدّم من طرحٍ فإن أهم التوصيات التي يمكن اقترحها هذا هي، ضرورة دمج منظور النوع الاجتماعي في السياسة التربوية كعملية تساعد على تحقيق المساواة بين الجنسين. وهو ليس هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو نهج يتبع، وتحمل جهود الدمج معالجة القضايا البنيوية المتعلقة بتوزيع الموارد وتوفير الفرص المتكافئة الاجتماعية الخاصة بالرجال والنساء للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والاستفادة من عائداتها. بالإضافة إلى هذا فإن دمج منظور النوع الاجتماعي وإحداث أطر عمل وعمليات للتخطيط يعني وجود نظام تخطيط مؤسسي يعمل باتجاه المساواة بين الجنسين وبين الفئات الاجتماعية. - محاولة الاعتماد في تأليف الكتب المدرسية على "المثلث التفاعلي"triangle interactif " الذي يضم ثلاث نقاط أساسية هي: الديمقراطية، السلم، ثم التنمية، والذي أشار إليه فدريكو مايور Federico Mayor ، خلال سنوات عديدة، من أجل جعل المدرسة فضاء للسلم والحياة لهذا فالسلم لا يمكنه أن يتحقق في غياب الديمقراطية والتنمية. إذ لا وجود لديمقراطية مبنية على حقوق الإنسان دون سلم وتنمية. ولا تنمية ذات بعد إنساني دون ديمقراطية. - كذا التأسيس لمواطنة فعالة، على إثرها يمكن للمدرسة أن تؤدي وظيفتها الحديثة باعتبارها عاملا من عوامل تكوين المتعلمين وتأهيلهم للمواطنة الحية مبنية على قيم الاحترام والمساواة بين الجنسين. - أن يستبدل مؤلفو الكتب المدرسية تضمين الكتب أدوارا تقليدية للمرأة بأدوار تتماشى ومكانة المرأة كالإبداع والقيادية والإنتاجية والعطاء العلمي والتضحية من اجل الوطن وغير ذاك من القيم الموجودة في تكوين المرأة المغربية وتحتاج فقط إلى الإنصاف وإبرازها بنفس القدر الذي يتم مع الرجل. من خلال الاشتغال على الوثائق والكتب المدرسية، مازال تدريس القيم في علاقتها بالنوع الاجتماعي يطرح جملة مصاعب سواء على مستوى انتقائها أو برمجتها أو تدريسها وحتى تقويمها. الأمر الذي يحتاج إلى تدخل جهات حقوقية ومدنية لتتبع التربية على القيم في المؤسسات التعليمية وتقويمها والتدخل لتصحيح مكامن الخلل وتعزيز مواطن القوة من جهة، ولتفادي تسرب انزلاقات وصور نمطية متداولة في الكتب المدرسية تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين. - أن تدرس بدائل للخطاب اللغوي يتفق فيها متخصصون في اللغة وتربيون بحيث تستخدم صيغ لغوية تخاطب النوعين الاجتماعيين الذكوري والأنثوي في الكتب المدرسية وفي مختلف مكوناتها. - ضرورة التركيز على دور المرأة المواطنة والدور الوطني للمرأة المغربية، فلا زالت الكتب الدراسية تفتقر وبالذات في مراحل التعليم الابتدائي إلى الإشارة لدورها الوطني في كتب اللغة العربية وغرس الانتماء الوطني وعرض الدور البطولي للمرأة في بناء الكيان المغربي. - العمل من خلال الخطاب التعليمي والمضمون التربوي للعملية التعليمية على تطوير القيم الاجتماعية ليتم إفساح المجال لمشاركة المرأة في جميع شؤون الحياة. ينبغي أن تعمل المناهج والمقررات على بلورة مفهوم النوع وإبرازه إنصافا لكل المتعلمات والمتعلمين، كما ينبغي أن تعرض عليهم مضامين محايدة وممثلة لوجهات نظر مختلفة من شأنها أن تشيع ثقافة الإنصاف، والحرص على إعادة سبك المواد الدراسية وتكييفها وفقا لمبدأ عام وهو مبدأ المساواة بين الجنسين، واعتماد إطار عام لمرجعيّة واحدة هي المرجعية الكونيّة لتعزيز مبادئ حقوق الإنسان كمدخل عام لاحترام النوع الاجتماعي... إنّ ما يمكن أن نسجله من دراسة البرامج ومضامين الكتب المدرسيّة يتمثّل أساسا في كون التّعليم حقّق خطوات هامّة من حيث إقرارُه كحقّ للجميع، وتحقيقه لمكاسب وطنية؛ لكن ما يلفت الانتباه من خلال دراسة مضامين الكتب المدرسيّة ومن خلال ما تضمّنته محتوياتها أنها تعكس غياب إستراتيجية واضحة لتدريس قيم النوع الاجتماعي كمبدأ من مبادئ حقوق الإنسان، الأمر الذي يدعو إلى إدخال بعض التعديلات ولو"الطفيفة" على بعض المقررات والكتب المدرسية.