جاء في الأخبار بالأمس أن تلميذا في الثانية عشرة من العمر عمد إلى شنق نفسه بسلك كهربائي بسبب عجز والدته عن اقتناء أدواته الدراسية. ولدي الراحل، على الطاولة الصغيرة تركت ورقتك. تركت ورقتك وأحلامك والسنوات القليلة من حياتك الغضة. لم تقو على تحمل المهانة. مهانة أن تعود إلى المدرسة بدون حقيبة ومسطرة ودفتر وقلم، كما يذهب الجندي إلى المعركة بدون سلاح، وبدون ذكريات وبدون شخص ينتظر عودته ولو جريحا من ساحة المعركة. أي وخزة أصابت كيانك الهش، كي تستحضر نظرة أمك الكسيرة للمرة الأخيرة وهي تقول لك والقلب يتفطر منها: ليس لي ما أشتري لك به سلاحك أيها الجندي الطيب، أيها الأمل الذي طالما تخبط في بطني، أيتها النطفة التي طالما أشعرتني بدورة الحياة في جسدي منذ سقطت في رحمي. أيها الطامح إلى كبرياء المعرفة وكرامة الرأس المرفوعة... أي كابوس استبد بقلبك الصغير يا ولدي؟ وأي قبضة التفت على روحك قبل أن تعمد إلى السلك الكهربائي كي تقول لنفسك كفى؟ كي يكون لك متسع من الوقت لتضع الكرسي وتحكم شد الحبل، وتشده شدا حتى تتأكد من أنه لن يخونك في اللحظة الفاصلة، وتذيّله بالعقدة القاتلة التي سوف تريحك من عذاب لحظة تلاشت فيها كل معاني الحياة. ما أقسى عزيمتك عليك وعلينا يا ولدي. وما أشد عنف الاشياء من حولك. ثم تقف. ثم تمرر العقدة. ثم تنظر نظرة أخيرة من خلال كوة الغرفة الصغيرة. ثم تقول لنفسك وداعا وللعالم وداعا وللمدرسة وداعا وترمي بالكرسي بعيدا وتشهق الشهقة الأخيرة... كلنا أنت يا ولدي. كلنا تدلت أحلامنا من حبل كهربائي ولو لثانية واحدة... كل كلامنا هذيان، ما دام طفل واحد من أطفالنا لا يستطيع ملء محفظته بدفاتر وأقلام ألوان. شيء ما ليس على ما يرام. لا يمكن أن نرضى بهذه القسمة الظالمة. أن ينعم أبناؤنا سواسية بالأشياء البسيطة: دفاتر. أقلام . كتب. أحلام. أمنيات. ضحكات... وإلا فعلينا السلام.