بتنظيمها مسيرات الأحد 22 ماي تكون حركة 20 فبراير قد أطفأت شمعة شهرها الثالث، وهي مناسبة أبت السلطات القمعية في المغرب إلا أن تجعل منها مرة أخرى مجزرة للحرية ومذبحة للكرامة الإنسانية، ثلاثة أشهر هي مدة على قصرها -زمنيا- إلا أنها حركت مياها راكدة وتقدمت بالمغرب سنوات إلى الأمام على مستويات عدة، فما حققه المغرب خلال هذه المدة لم يحققه طوال عشرية قيل إنها "عهد جديد" ولعل المتغيرات الإقليمية والدولية الكبيرة بعد تورثي تونس ومصر ساهمت بلا ريب في تسريع ذلك. ماذا حققت حركة 20 فبراير بعد مضي ثلاثة أشهر على أول نزول لها إلى الشارع؟ سؤال ضروري للتقييم والتقويم، والإجابة عنه بدون شك ستحدد مسار الحركة مستقبلا. إن المتابع للحركة سواء على مستوى الشارع أي من خلال المسيرات والوقفات الاحتجاجية أو من خلال النقاشات المستفيضة في الجموع العامة للتنسقيات المحلية يمكن أن يسجل أن الحركة نجحت في تحقيق ثلاثة أهداف كبرى على المستوى الذاتي: أولا: الحفاظ على سلمية الاحتجاج، فأكبر هدف حققته حركة 20 فبراير هو إصرارها على البقاء كحركة سلمية للاحتجاج الشعبي، رغم محاولات النظام المغربي جرها إلى التصادم على الأقل في ثلاث محطات هي 13 مارس و15 ماي و22 ماي. ثانيا: قدرة الحركة على الاستمرار في تحريك الشارع المغربي وصمودها رغم التحديات الكبيرة، فالحركة حركة فتية ولا تملك تجربة المخزن في المناورة ولا حجم وسائله الشيطانية. ثالثا: التمسك بالوحدة كخيار استراتيجي رغم محاولات الاختراق المتكررة. أما على المستوى الموضوعي، فالحركة قد حققت مجموعة من المكاسب في ميادين مختلفة بدون شك، لعل أكبر هذه الانجازات نجاحها في إفشال رهانات المخزن المختلفة ومنها: -الرهان على تمييع مطالب الحركة: وإفراغ مطالبها من محتواها السياسي والواقعي بعد خطاب 9 مارس الذي استبق الأحداث بالإعلان على إصلاحات دستورية، والإعلان عن ميلاد مؤسسات جديدة (المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاجتماعي والاقتصادي......)، ودخول جميع الأحزاب والتنظيمات التقليدية على الخط مما ميع مطالب الحركة وأوجد حالة من الإرباك والالتباس في الشارع. فمطالب الحركة صارت مطالب العدالة والتنمية والبام والاستقلال والحركة الشعبية والمخزن نفسه !!! -التشكيك في دوافع الحركة: شن المخزن حملة شخصية على مناضلي الحركة وقذفهم عبر الأقلام المحسوبة عليه بشتى الصفات والنعوت فمنهم الشواذ و"وكالين رمضان" وأنصار البوليساريو ومرتبطين بجهات خارجية لكن الأيام أتبثت عكس المقولات الرائجة. -قصر النفس: راهن النظام المغربي على الزمان كعادته للتخفيف من الزخم الشعبي من خلال جرجرة مواعيد التعديلات والإصلاحات، وراهن على إدخال الحركة في دوامة الروتين والتآكل الذاتي (نفس الأشكال النضالية، نفس الوقفات، نفس المطالب). لكنه تفاجأ بأشكال الإبداع الشبابي والواجهات غير المتوقعة التي نجحت الحركة في فتحها. -الانشقاقات: راهن النظام المخزني على التناقضات الإيديولوجية بين مكونات حركة 20 فبراير من أجل إحداث انشقاقات، لكن الحركة نجحت في تذويب هذه الخلافات على أرضية حد أدنى من المطالب متفق عليه رغم بعض الاستثناءات المسجلة. -القمع والإرهاب: التدخل العنيف والاعتقالات والتضييق والمحاكمات والمتابعات وتوظيف أصحاب السوابق و"الحياحة"، كلها وسائل انتهجها المخزن ضد الحركة وجربها في مدن المغرب، ورغم ما خلفه القمع المخزني من خسائر فأرباح الحركة السياسية والإعلامية كانت أكبر لأنها نجحت في إسقاط مقولة "الاستثناء المغربي". -عزل الحركة عن روافدها النقابية والاجتماعية: فالنظام بقراره المفاجئ الزيادة في الأجور وتوظيفه لمجموعات من المعطلين والاستجابة لبعض المطالب القطاعية في التعليم والسكك الحديدية والفوسفاط حاول فصل الحركة عن روافد الاحتجاج، لكن ما لم يدركه النظام لحد الآن أن الإطارات النقابية التقليدية صارت متجاوزة في أغلب القطاعات. -محاولة الاختراق الأمني والمالي من لوبيات وشخصيات محسوبة على "البنية المخزنية" وإفساد الحركة ماليا من خلال التمويلات المشبوهة والدعم اللوجيستيكي المقدم.لكن يقظة المناضلين والشفافية السائدة تحد من ذلك وتفضحه. -خلط الأوراق: حاول النظام من خلال حادثة أركانة، أو اعتقال الصحافي رشيد نيني تشتيت الرأي العام، وإحداث حالة من البلبلة والفرملة لحركة الاحتجاج الشعبي، لكن الحركة نجحت بذكاء أن تجعل من إدانة الإرهاب مناسبة للإعلان عن مواقفها، وجعلت من حرية التعبير والصحافة أحد أولويات مطالبها. -الدعم الخارجي: دشن المخزن حملة دبلوماسية روج من خلالها لرزنامة إصلاحاته وتمكن من الحصول على الدعم الفرنسي والدولي، كما حاز شهادات حسن السيرة والسلوك والإشادة الأمريكية. لكن هل تصمد حملة العلاقات العامة هذه أمام ارتفاع وتيرة الحراك الاجتماعي والشعبي بعد تكشير المخزن عن أنيابه التي يحاول إخفاءها؟وهل تصمد أمام الفضائح الإعلامية المتوالية للمخزن، وأمام مشاهد القمع التي تسربها حركة 20 فبراير على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الفضائيات الدولية، وفي تقارير المنظمات الحقوقية الدولية. كل ما سبق رهانات أفلحت حركة 20 فبراير في كسبها إلى جانب مكاسب حقوقية وسياسية لعل أهمها إسقاط القدسية عن بعض الشخصيات والرموز والطابوهات كالفصل 19، وإمارة المومنين، والملكية المطلقة، والمربع المحيط بالقصر، وحاشيته كمساعدي الملك وأصدقاؤه. كما أنها حررت طبقات الشعب من الخوف، وجعلت من الاحتجاج والمطالبة بالحقوق سلوك يومي عادي لدى كافة طبقات الشعب. لكن لابد للحركة من تطوير أساليب الاحتجاج وشن حملات تواصل كبرى لتوضيح المواقف، والتخلص من أي شبهة من شبه الارتباط الخارجي، مع التحلي باليقظة التامة والتصدي لمحاولات الاختراق الأمني والمالي.