في فرنسا الحريات وحقوق الإنسان، الشرطة تركت المجرمين وفشلت في صدّ المتطرفين، وجاء رجالها يمارسون رجولتهم، أو ربما يستعيدون بعضاً منها، على الشاطئ. جاؤوا مدججين بالأسلحة والعتاد الخاص بالتدخل البوليسي، ليخرجوا امرأة من ماء البحر، فقط لأنها ترتدي #بوركيني بدلاً من #بكيني السباحة. بل ولم يكتفوا بذلك، حين أجبروها على خلع لباسها والتعري من أجل البقاء على الشاطئ والسباحة في البحر. الصورة تحكي القصة. هو فعلاً أمر يصعب تصديقه.. يحدث في فرنسا العلمانية، وله داعمون في الدول العربية والإسلامية. لقد أصبح مستعصياً جداً على الإنسان، أيًّا كان وأينما كان، أن يفهم سير الدنيا وحالها. خصوصاً ونحن نصادف كل يوم مشاهد ومواقف وأحداث كنّا إلى غاية أمس قريب نظنها مستحيلة وضرباً من الخيال. لكن "الدنيا حالها كِذا... ماشيا بالمعووج". حتى أصبحنا نحيا في مجتمع سار فيه من السهل قلب الحقّ باطلاً، وما أسهل أن يقلب فيه الباطل حقّاً. وإنّه لمن المستفزّ حقّاً ما جاد به هذا الصيف من حملات شرسة ضدّ "البوركيني"، وعموماً ضدّ سباحة المرأة في البحر مرتدية لباسها، لا عارية يغطي "البكيني" نهديها وفرجها. إن الأصل في الأمر يا جماعة هو الحرية الشخصية، دون الدخول في النقاش الديني والسوسيوثقافي، لأن فيه اختلاف بحسب الدول والأفراد. لكن الثابث هو أن لكلّ إنسان حقّ فعل ما يشاء، مادام لا يعتدي في فعله على حقوق الآخرين. وبالتالي ارتداء ما يشاء مادام لا يمسّ بذلك غيره بسوء. هذا هو الأصل في الأمر والمنطلق. وإذا انطلقنا من هذا الأصل، فإن منع المرأة من السباحة سواء بالبكيني أوالبوركيني أو حتى سروال دجين سيكون أمراً مرفوضاً، لأنها حريتها الشخصية واختيارها الفردي، وتتحمل في ذلك مسؤوليتها، ولا تعتدي على حقوق أيّ كان. ولأن البكيني هو، بحسب ما يريدون له أن يكون، اللباس الرسمي للسباحة والزيّ الرسمي للاصطياف على الشواطئ، فليس هناك انتقاد لمرتدياته، اللهم من المنظور الديني والسوسيوثقافي، ونحن قلنا من البداية أن نقاشنا سيكون خارج هذين المجالين. طيب، وماذا عن البوركيني! لماذا الرفض والمنع؟ وما الضرر الذي سيلحق بالبشرية والبيئة لو دخلت امرأة أو فتاة لتسبح في البحر وهي ترتدي شيئاً من اللباس تستر به جسدها، وهي قد تكون أصلاً غير متحجبة في حياتها اليومية، لكنها تجد حرجاً كبيراً في أن تتعرى وتكشف جسدها أمام عامّة الناس من أجل السباحة؟ هل أجرمت!! بالطبع لا. إن من يريد أن يجعل من المرأة السباحة بلباس يسترها امرأة متخلفة وجاهلة، هو المتخلف والجاهل، وأعتذر له عن هذا الكلام الذي لا أقصد منه تجريحاً ولا تسفيهاً. لكنها قناعة متولدة من وحي اللحظة، منطلقها أنه من الغباء التقليل من أنثى لا تقلل من قيمة نفسها وجسدها. كما أن هاته الفئة ليست بالضرورة فئة الفقيرات والأميات والجاهلات كما يقول القائلون دائما، بل منهن طالبات ومتعلمات ومثقفين واعيات، وطبيبات ومهندسات ومعلمات ومن كل الفئات. اجتمعن على شيء واحد، حق السباحة وواجب السترة، بحسب قناعاتهن. غير أن المؤسف في الحملة الشرسة ضدّ سباحة المرأة في البحر مستترة بلباس هي حملة يصطف فيها حداثيون وتقدميون ومدافعون عن حقوق الإنسان بمفهومها الكوني وعن حقوق الإنسان والمرأة خصوصاً، من هؤلاء من كان أول من اصطف ليجلد امرأة البوركيني ويهلل لصاحبة البكيني، وهو ظالم. فكليهما الحق في الإختيار. www.facebook.com/KarimHADRIofficiel