« C'est facile d'aimer le Maroc، mais c'est difficile de le comprendre » قالها ذات يوم احد وزراء فرنسا عندما زار المغرب،وهي نفس الجملة التي تعبر عن واقع حال بلدنا منذ سنوات خلت،فحبه أمر غير مشروط ولا احد يزايد عليه،لكن فهم كيف يتم تسيير الأمور،وكيف تتناقض الدولة بين خطابات رنانة وأفعال همجية،لأمر يصعب الى درجة الاستحالة..
لم نفهم ذات يوم ومباشرة بعد الخطاب الملكي،الهجوم الهمجي لقوات الأمن على المتظاهرين في الدارالبيضاء،فبين خطاب نص على الحريات وواقع كرس القمع والتنكيل،ضاع المغاربة في الطريق وكانت أسهل جملة لتلخيص الأمر هي ان الدولة مصابة بمرض خطير اسمه انفصام الشخصية..
وبنفس الحدة من التساؤل،وفي يوم قريب جدا من تخليد الذكرى الثامنة من أحداث 16 ماي الإرهابية،لم نفهم لماذا أتت آلة القمع بشكل غير مسبوق على مجموعة من المتظاهرين،لا لشيء سوى لأنهم يريدون تنظيم نزهة أمام معتقل سري لا زال يربط المغرب بحبال الظلم و انتهاكات حقوق الإنسان..
حركة 20 فبراير وعوض ان تستمر على نفس المنوال المتمثل في المظاهرات الأسبوعية والشهرية،قررت التنويع من أنشطتها،فتم الاتفاق على نزهة أمام واحد من أكثر المعتقلات سرية وبشاعة،فهو ذات المعتقل الذي تحدث مجموعة من السجناء عن أبشع مظاهر التعذيب التي يشرف عليها داخله بعض رجال المخابرات المغربية..
لكن وبمجرد ما بدأت أولى تباشير المتظاهرين بالوصول،حتى تحركت قوات الأمن بشكل لا يوجد إلا في أفلام الاكشن التجارية،قوات مسلحة بعتاد كثيف و بصدريات مضادة للرصاص،ورجال مقنعون دورهم الأصلي هو مكافحة الإرهاب عوض تشتيت المظاهرات،وما هي إلا لحظات حتى شرع في تصوير الفيلم الواقعي الذي كتبته وأنتجته وأخرجته وزارة الداخلية،توالت مشاهد تهشيم الرؤوس والعظام،وتم استخدام كل حوارات السب والشتم،وزاد من عمق المشاهد عدم التفريق بين متظاهر وصحفي،فكانت النتيجة عشرات الجرحى وعنوان مثير لفيلم لن يخرج أبدا في القاعات السينمائية اسمه فضيحة أمنية جديدة..
وعوض ان يعترف أصحاب القرار بجريمتهم التي قتلت كل وعد بالإصلاح،برروها بأبشع الأعذار،فعلى لسان وزير الاتصال الخاص بهم، تكلموا عن عدم وجود هذا المعتقل،وبأن مكانه مخصص فقط لأمور إدارية،وان قوات الأمن تعاملت مع المتظاهرين بشكل حضاري رغم ان هؤلاء خرقوا القوانين الجاري بها العمل..
كم أنت بليد يا خالد يا ناصري..وكم انتم أغبياء يا من تملكون سلطة القرار بوزارة الداخلية..هل كنتم تنتظرون ان يتم إلغاء الوقفة لمجرد عدم شرعنتها من طرفكم؟هل كنتم لتمنحون الرخصة لمظاهرة ضدكم وضد أفعالكم؟ هل تحطيم عظام الناس يسمى بالحضارة عندكم؟؟؟
من العار ان يكون لدى حزب يفاخر بتاريخه النضالي وزير اتصال مثل هذا الذي لا يدري ماذا يفعل ولا ماذا يريد،ومن العار ان يكون لدينا مثل هذه القوات الأمنية التي عوض ان تحارب ما تسميه بالإرهاب تقوم بتكسير عظام المواطنين،ومن العار على بلد مثل المغرب الذي يريد ان يجعل من نفسه استثناءا ان يحتفظ بمعتقل سري مثل هذا الذي يتم فيه إدخال القارورات في مؤخرات الرجال..
اغلب رجال الدولة ينكرون وجود هذا المعتقل،وان كان هذا صحيحأ،فلماذا تعاملوا بكل هذا القمع مع متظاهرين لم يكونوا ينوون اقتحام المعتقل وإنما فقط تنظيم نزهة أمامه؟لماذا وقع كل هذا الاستنفار الأمني بالذات لهذه النزهة ولم يقع حتى في أول مظاهرات 20 فبراير؟ولماذا كثرت أخيرا لغة القمع وتركزت أكثر حول مناهضي موازين ومناهضي وجود هذا المعتقل؟؟
الإجابات تتعدد،ورغم ان الفهم صعب للغاية،لكن يبقى في رأيي الشخصي،ان جيوب مقاومة الإصلاح بدأت تحس بالخطر من هذه الجماهير الغاضبة،فإن تسامحت على مضض مع مظاهرات الحركة التي تتكلم عن الإصلاح بشكل عام،فإنها لن تتسامح مع المطالب المباشرة والتي تمس المخزن في عينه،ففي المغرب لك كل الحق في شتم الهمة وسب عباس الفاسي والمطالبة بمحاكمة الماجيدي وغيرهم من الشخصيات التي يحتمي بها المخزن من غضب الشارع،لكن ليس لك الحق في ان تشجع الناس على مقاطعة مهرجان اسمه موازين،وليس لك الحق في الاحتجاج على مقر سري يعذب فيه الناس،فهذه أمور تدخل ضمن الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها أو حتى الحديث حولها..
ما وقع أمام أسواق السلام،سيدفع الى الأمام بمطالب حركة 20 فبراير،لأن حجم الإحراج الذي تعرض له المخزن سيؤدي به الى مزيد من الانشقاق،فكما فشلت من قبل قوات الأمن في تبرير تدخلها العنيف بحق المتظاهرين بالدارالبيضاء يوم 13 مارس،فشل الناصري ومن يدور في فلكه في إقناع المغاربة بصدق روايته الكرتونية،لأن لا احد صارت تنطلي عليه الأكاذيب الوردية والكلمات الخشبية لحكومة فقدت مشروعيتها منذ زمن،فإن كان الناصري شجاعا كما يريد ان يوهم المغاربة،فليشغل نفسه بتحسين القطاع الوصي عليه،والذي يسير نحو الهاوية سنة بعد سنة...