المواطن المغربي المقهور يعاني حر ما يعاني من شظف العيش، وقلة ذات اليد، لكن بالرغم من ذلك تجده ساعيا كادحا، متحملا صابرا، وإن سألته عن الحال ألفيته حامدا شاكرا، لا شاكيا ولا متبرما. بيد أن طغمة ممن يقتسمون معه الموطن دون أن يشاطروه القليل من خيراته، أبوا إلا أن يستثيروا حنقه، ويؤججوا غيظه؛ بل إنهم يمعنون في غرز السكاكين القاطعة في عظامه الهشة، وينكأون فيه جراحاته الغائرة. فمن يكون هؤلاء؟ هؤلاء هم فئة قليلة من "خدام الدولة" وأشباههم الذين بدل أن يورثهم المنصب قناعة وعفة ومسؤولية، زادهم جشعا وطمعا، واتخذوا المنصب مطية للامتياز، وتحقيق الغنم، والتنافس على الريع، حتى إذا ما انتهت مدة خدمتهم انضموا إلى كبار الملاك والأثرياء. إنهم لا يشبهون في شيء نظراءهم في كثير من الدول الديمقرطية الذين يغادرون مكاتبهم بعد انقضاء مدة تحملهم للمسؤولية وفي رصيدهم راتبهم الشهري لا غير، وهم يحملون راضين غير متضجرين ولا متأففين صندوقا كرتونيا فيه مذكرة عمل، ومزهرية، وصورة عائلية، وما إلى ذلك من ممتلكاتهم الشخصية الرمزية لا المادية. هؤلاء هم الذين أكدت لهم تقارير المجالس المرفوعة أن العبث بالمال العام واقع، بل واضح فاضح، غير أنهم عوض أن يتصدوا للمفسدين بما توجبه المقتضيات القانونية، ويضربوا على الأيدي الآثمة حتى تكون عبرة للمعتبر مرة قالوا: "عفا الله عما سلف"، ومرة حكوا حكايات عجيبة من عالم المستنقعات، وأخرى من عالم الغيب، وبعد ذلك لم تنطلق ألسنتهم، كما هو دأبهم، بالكلام الممدود، ولاذوا بالصمت المريب. هم الذين أمطروا المواطن بوابل من الوعود: وعدوا العاطلين بمناصب شغل تكفل لهم الكرامة، وتضع حدا لمسلسل الاحتجاج الطويل، وتريح حناجرهم المبحوحة، ووعدوا الضائعين بين براثن المضاربين العقاريين بسكن لائق، ووعدوا النائين المقصيين بأنهم سيحررونهم من طوق العزلة، فيزودونهم بالماء الصالح للشرب، ويشقون لهم في الأرض المسالك، ويعبدون أمامهم الطرقات، ويمدون في الهواء القناطر والجسور، ويشيدون المراكز الصحية، والمركبات المدرسية... وعدوا غير ما مرة، وأخلفوا الوعد، وهم يتأهبون مرة أخرى بوجوههم المتلونة ليعيدوا على المسامع وعودهم الزائفة الكاذبة بلا أدنى حرج. هم هؤلاء الذين توهم المواطن المقهور أنهم يصطفون في صفه؛ بل يتقدمونه لينافحوا عنه، ليكونوا لسانه الناطق بحاله، بألمه وأمله؛ لكنه اكتشف أن بعض من ولجوا الأحزاب والنقابات كانوا في كثير من المواقف مجرد ممثلين يقايضون أكثر مما يفاوضون، ويعارضون، والأدهى والأمر أن بعضهم نال مقابل دوره في الجوقة الصامتة نصيبه الخاص. في الوطن هؤلاء وقرناؤهم، والأخطر منهم أولئك الذين يحاولون استغلال هذا الحنق المتنامي، فيذكرونه متباكين، لا إشفاقا، ولا نصرة، وإنما لاستثماره حين يريدون بغاية التأليب والتهييج، ليجعلوا من المواطنين الحانقين دروعا حين تستعر حرب المصالح بينهم. فالحذر كل الحذر من هؤلاء، ولينهض شرفاء هذا الوطن الكريم بدورهم التاريخي حتى يبددوا هذا الحنق ويزرعوا الفرح بالنزاهة والاستقامة، والأمل المعقول، والعمل الصادق المقبول.