رحّب حقوقيون بمسوّدة مشروع القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية، التي أعدتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، واعتبروا أنها تضمّنت أمورا إيجابية، لكنهم أكّدوا، في المقابل أن المسوّدة نفسها تحتاج إلى مزيد من التجويد لتفرز قانونا واضحا يحمي حقوق السجناء ويحسن وضعياتهم، خصوصا بعد صدور تقارير من منظمات حقوقية ومؤسسات رسمية كشفت أن واقع السجون المغربية ليس على ما يرام. النقيب عبد الرحيم الجامعي، رئيس المرصد المغربي للسجون، في ندوة نظمتها الهيئة المغربية لحقوق الإنسان ليل الجمعة بالرباط، خُصِّصت لمناقشة مسوّدة مشروع قانون تنظيم المؤسسات السجنية، قال إنّ مراجعة مندوبية السجون للقانون المعمول به منذ سنة 1998 "يعتبر في حدّ ذاته مبادرة إيجابية تشكل خطوة ذات معنى من الناحية السياسية". ونوّه الجامعي بإدماج جُملة من المعايير الدولية الحديثة في مسوّدة المشروع الجديد، والتي لم تكن موجودة في قانون 1998، وكذا التفاعل مع المجتمع المدني، وإدماج قضايا أساسية؛ من قبيل الطعن في القرارات والطعن في العزلة وتبليغ قرار العزلة كتابيا للمعتقلين، وأوضاع الفئات الخاصة من المعتقلين، مثل النساء والسجناء الأجانب والأشخاص ذوي إعاقات، لكنّه أردف أن ديباجة مسوّدة المشروع تحتاج إلى تطوير. وأشار رئيس المرصد المغربي للسجون، في هذا الصدد، إلى أنّ "الديباجة صيغت بلغة الخشب، وكان من الممكن أن تكون مدخلا أساسيا لوضع الأصبع على الاختلالات التي شهدتها المؤسسات السجنية، والاختلالات التي شابت قانون 1998، وأن تكون شمولية وتطرح سؤال: لماذا جيء بمسوّدة جديدة؟"، مضيفا: "الديباجة دخلت في أمور لا علاقة لها بالمسودة، من قبيل تخصيص حيّز لبعض التعريفات التي ينبغي أن تُترك للمشرّع الجنائي". الجامعي انتقد بعض التعريفات الواردة في مسوّدة المشروع، من قبيل تعريف السجينة على أنها "أنثى الإنسان"، معتبرا أنّ هذا التعريف يُلغي كينونتها، ولخّص المتحدث المبادئ الأساسية التي ينبغي أن ترتكز عليها المسوّدة في أربع ركائز؛ وهي تحقيق الأمن الإنساني للسجناء، ويعني صون كرامة السجين وتفادي تعرّضه للتعذيب وكل أشكال المعاملة السيئة، وتحقيق ترابط بين السجين والثقة في العدالة، قائلا: "يجب أن نقنع السجين بأن السجن ليس مكانا للانتقام". أما الركيزة الثالثة، التي قال الجامعي إنها يجب أن تبنى عليها مسوّدة مشروع تنظيم السجون، فتتعلق بأن تصبح العلاقة بين السجن والسجين "علاقة مساواة حقيقية وليس علاقة طأطأة الرأس"، وضمان كرامة السجين الذي يجب أن تُوفر له الخدمات الأساسية من طرف المؤسسة السجنية، على أن يخضع للقانون، وتتعلق الركيزة الرابعة ب"خلق الشعور بالمواطنة والاندماج في المجتمع بعد خروج السجين من السجن". من جهة أخرى أخرى، انتقد الجامعي تعامل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مع الجمعيات الحقوقية المشتغلة في هذا المجال، قائلا إن الحصول على ترخيص لزيارة المؤسسات السجنية "فيه مزاجية وليس هناك تعامل بالمساواة مع جميع الجمعيات من طرف الإدارة"، مضيفا "زيارة المؤسسات السجنية ما زالت موضع صراع بين الإدارة والجمعيات". وفي المقابل انتقد النقيب الجامعي الجمعيات الحقوقية أيضا، وقال إن كثيرا منها لا يتوفر على رؤية واضحة بشأن الهدف من زيارة المؤسسات السجنية، وأثَر الزيارات، كما أنها تفتقر إلى أدبيات التواصل مع السجناء، وأردف: "لا بد أن تكون هناك رؤية واضحة، وعدم الاكتفاء فقط بصياغة تقارير وإرسالها إلى مندوبية السجون، فهي أصلا تعرف كيف هو الوضع في المؤسسات السجنية ولا تحتاج إلى تقارير". من جهته وقف عبد الحق الدق، ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عند عدد من الإكراهات التي تُعيق تفعيل التوصيات المئة التي أرفقها الCNDH بتقريره حول وضعية السجون في المغرب، حمل عنوان "أزمة السجون مسؤولية مشتركة". واعتبر المتحدث أنّ المشكل الأول يتمثل في الاكتظاظ، الذي صنّفته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أنه جزء من التعذيب. المسؤول بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان اعتبر أن ما تحقق من التوصيات التي أصدرتها المؤسسة "يبقى ضئيلا"، لافتا إلى مشكل آخر يتعلق بصحَّة السجناء، وقال في هذا السياق: "جزء من المسوؤلية تتحملها المؤسسة السجنية ووزراة الصحة، وهذا المشكل ما زال قائما، وقد ذهب رأي المجلس إلى أن يبقى المجال الصحي المتعلق بالسجناء بيد الوزارة، كما هو معمول به في فرنسا، لكن لاحظنا أنْ لا القطاع السجني ولا القطاع الصحي تَبنى هذا المقترح"، وأضاف المتحدث: "هذا مشكل حقيقي وهيكلي، يحتاج إلى حلول هيكلية. وعلى وزارة الصحة أن تتولّاه".