استغربت تمام الاستغراب لأمرها وهي الأنيقة دائما التي تحرص على اقتناء أجدد وأثمن ما يظهر في عالم الموضة من ملابس، وهي ترتدي سروالا يبدو باليا و هرءا بثقوب متفرقة في جميع أجزائه، ومخاطا بطريقة أقل ما يقال عنها أنها عشوائية، تدل على عدم خبرة من قام بإعادة هذا السروال للحياة بعد أن أحاله الزمن على التقاعد، فأحسست بالحزن ناحيتها وقلت مع نفسي سبحان الله مبدل الأحوال، يرفع أناسا وينزل أخرى. سمعت همهماتي الصامتة الحزينة لما آلت إليه حالها، أيقظتني وأعادتني إلى جادة الصواب، ومدتني بمعلومة أصابتني بالذهول في بادئ الأمر، وهي أن ما أراه ليس من باب الفقر أو العوز المفاجئ الذي يصيب البعض على حين غرة، وإنما ببساطة شديدة أخر صيحة من صيحات الموضة الغربية. فالسروال الذي حسبته وجد بجنب إحدى "البركاصات" بعدما تخلت عنه صاحبته، مصمم من طرف أفخم وأرقى المحلات العالمية، وأنها تحمد الله وتشكره بعدما وجدته صدفة معروضا للبيع داخل أحد مواقع الأنترنيت بعدما بحثت عنه مطولا ولم تجده، أما عن ثمنه فهو يتجاوز الألفي درهم بقليل! لعل مقالي هذا سيدفع بعض الشباب للتفكير بالاستثمار في مشروع مربح كهذا خصوصا أنه لا يحتاج لرأس مال كبير، إذ يكفيهم شراء إحدى البالات من سوق الملابس المستعملة كسوق "القريعة" مثلا، ليقوموا بعد ذلك بتمزيق ما وجدوا فيها من أقمصة وسراويل وتشريط جوانبها بشفرات الحلاقة. عناء يمكن تفاديه بقليل من الحظ إن هم وجدوا بالة ملابس آتية من ليبيا، اليمن أو سوريا، والتي ستكون لا محالة تحتوي على ملابس ممزقة أصلا ومثقبة بالرصاص الذي قمع ومازال يقمع المتظاهرين، ليقوموا بعد ذلك بترقيع الثقوب حتى ولو كانوا عديمي الخبرة، فالخبرة باتت غير مطلوبة في أمور مماثلة، فكلما زادت العشوائية كلما زادت الأرباح. هذه الموضة وعلى غرابتها أعجبتني كثيرا بما أنها ستلغي كل الفوارق الطبقية داخل مجتمعاتنا، بغض النظر عمن ارتداها، سواء أكان غنيا اشتراها بألفي درهم بواسطة الفيزاكارد داخل بيته، أو فقيرا إنتشلها من بين أسنان إحدى الكلاب الضالة، فهما في الأخير سيستويان ولن نميز حينها بين الموضة والحاجة، ومن يدري لربما هدأت قليلا وثيرة الاحتجاجات والمطالبة بالإصلاحات الداعية إلى المساواة بين مختلف شرائح المجتمع. لا يوجد اتفاق حول تعريف الفقر، حيث يختلف مفهومه مع اختلاف البلدان والثقافات والأزمنة، و تتداخل فيه العديد من العوامل الإقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تقوم ببلورة وتشكيل ذلك التعريف والتأثير عليه، وبغض النظر عن هذا كله ولكي لا نخرج عن إطاري الخفة والظرافة، فحياة الفقير حياة ملؤها التعاسة والشقاء، ملابسه تبدو قديمة ورثة، في حين أن الغني فحياته ترف وهناء، أما عن ملابسه فأصبحت بدورها تبدو قديمة ورثة أيضا، ومن يدري، لربما عشق الغني اليوم للسروال المثقب، أتى لأنه رآه على جسد فقير فأعجبه. للتواصل مع الكاتب www.facebook.com/karimbelmezrar [email protected]