منذ أن أعلن استقالته من حزب الاتحاد الاشتراكي ومن خلالها اعتزال السياسة، حرص عبد الرحمن اليوسفي أن ينأى بنفسه بعيدا عن المشهد السياسي والإعلامي المغربي، خاصة بعد صعود حكومة ادريس جطو. انزواء اليوسفي بدا واضحا، إلى درجة أن حزبه عانى الأمرين؛ فبات جليا افتقاده لقائد سياسي من طينته، يعمل على إعادة سفينة "الاتحاد" إلى الطريق الصحيح، بعدما أُثقلت بالنزاعات السياسية الداخلية، التي أفرزت في ما بعد حزبا سياسيا جديدا أطلق على نفسه اسم البديل الديمقراطي. اليوسفي، وبتاريخ سياسي غني، خلفت "عزلته الاختيارية" فراغا في بنية النخب السياسية المغربية؛ لكن هذه العزلة بدأت تنفك في الأشهر القليلة الماضية؛ كأنما أصلح الزمن ما أفسدته السياسة. خروج إعلامي في 11 من أبريل سنة 2015، شكل حوار صحافي أجراه عبد الرحمن اليوسفي مع أحد المواقع الأجنبية نقطة فارقة في علاقة الرجل بالإعلام، وهو الذي اختار الصمت في وجه المنابر الإعلامية، سواء الوطنية أو الدولية. وحرص اليوسفي في حواره على ألا يسجل مواقف جديدة في ما يخص الشأن الوطني، وكذلك الشأن الحزبي، خاصة أن حزب الاتحاد الاشتراكي كان يعيش آنذاك على وقع الصدامات الداخلية. وباستثناء قوله إن الملك استشاره خلال تشكيل حكومة 2011، ركز اليوسفي بشكل كبير على القضايا العربية الكبرى، وما شهدته المنطقة من تغيرات بعد الربيع العربي. لكن في كل الأحوال يبقى إجراء حوار مع رجل من طينة اليوسفي أمرا مثيرا للانتباه، زاد أمل بعض الصحافيين المغاربة في أن يقبل اليوسفي طلبهم إجراء حوارات من شأنها أن تكشف العديد من الخبايا في المشهد السياسي المغربي، على اعتبار أن رجل عاش وعايش تاريخ المغرب في فترات متباينة، وفي ظل حكم ثلاثة ملوك. استقبال هولاند شكل حضور عبد الرحمن اليوسفي في مراسيم استقبال الرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند في زيارته إلى طنجة، بجانب الملك محمد السادس، مشهدا ملفتا للانتباه، خاصة أن وجوده في حفل الاستقبال، وكذا في مؤدبة العشاء على شرف الرئيس الفرنسي، غطى على حضور رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. رمزية تواجد اليوسفي بجانب الرئيس الاشتراكي الفرنسي في استقبال ملكي رسمي كانت ذات دلالات قوية، أعادت الاعتبار لليوسفي الذي يعد من أبرز رجالات الدولة، وذا مكانة مهمة في العلاقات المغربية الفرنسية، خاصة أنها كانت تعرف نوعا من التوتر آنذاك. ذكرى بن بركة وعاد أبرز قادة الاتحاد الاشتراكي للظهور من جديد، وهذه المرة في الذكرى الخمسينية لاغتيال رفيقه المهدي بن بركة، في لقاء للوفاء كان بمبادرة منه، استدعى له العديد من الباحثين السياسيين البارزين للحديث حول مكانة بن بركة في تاريخ المغرب المعاصر. إلا أن الحدث الأبرز الذي ميز اللقاء الاتحادي تمثل في إلقاء اليوسفي رسالة ملكية بعثها الملك محمد السادس للمشاركين في اللقاء؛ وهو ما يدل على مكانة الرجل لدى المؤسسة الملكية، وأهميته في بصم تاريخ المغرب المعاصر . وحضر اليوسفي كذلك مؤخرا لقاء ثقافيا بوكالة المغرب العربي للأنباء، إحياء للذكرى العشرين لرحيل الصحافي باهي محمد، الذي رثاه بكثير من الاعتزاز، معتبرا إياه أحد أبرز مؤسسي الممارسة الصحافية المعاصرة في المغرب. عودة مفكر واعتبر عبد العزيز القراقي، أستاذ العلوم السياسية، أن الزمن عاد بعبد الرحمن اليوسفي كمفكر أولا وكزعيم من بين الزعماء القلائل الذين راهنوا على الاختيار الديمقراطي بالمغرب كاختيار يمكن أن يقود إلى تحولات سياسية مهمة، ويهدف إلى بناء توافق بين جل مكونات الحقل السياسي، مضيفا: "أظن أن الزمن أصلح فعلا ما أفسدته السياسة، وعاد باليوسفي من باب الزعامة التي لا تميز بين تيار سياسي وآخر، بل هي للمجتمع المغربي ككل". الباحث السياسي ذاته استبعد، في تصريحه لهسبريس، أن تشمل عودة اليوسفي للمشهد الإعلامي والسياسي المغربي حزب الاتحاد الاشتراكي، وزاد موضحا: "ليس فقط شؤون الحزب بل كل شؤون السياسية، لسبب بسيط أنه غادر الحزب عن طريق استقالة، ومعناه أنه لم يعد يربطه به أي شيء، ما عدا الماضي"، مضيفا أن "اليوسفي أعلم بخبايا الاتحاد وطبيعته، وأدرك قبل هذه اللحظة أنه وصل إلى منعطف معين، وبالتالي غادره"، وقال مستدركا: "لكن يمكن أن نقول إنه عاد إلى المغرب كمفكر وكرجل ساهم في التحولات الديمقراطية الكبرى التي شهدتها البلاد". *صحافي متدرب