تذكير ب" احتياج الجودة ": إن الجودة ليست مسألة أفراد أو جهة معينة بل مسألة جماعية، ليست بضاعة مضمونة، بل تصورا فكريا، و قدرة على تحويل الأهداف إلى واقع، هي الوصول إلى المستويات القياسية و المعايير المطلوبة لتحقيق أقصى درجات الكفاءة. هي وسيلة لا غاية، هي تربية على بدل الجهد وفق أقصى درجات الاستطاعة، هي منهاج مناسب للحاجيات، و بنية مقاسية للاحتياجات. إن الجودة علاقات وظائفية، قيم وقناعات، إمكانات و عوامل مساعدة للموهبة و المجهود وعي بالمتطلبات و إشراك للجميع في الهندسات. إن معايير الجودة شبيهة بالعقد الاجتماعي المتفق عليه، هي حكمة أصحاب الخبرة الذين يعرفون احتياجات الأفراد و المؤسسات، هي آليات تساعد على الابتكار و تجاوز الفجوات. الفجوة الإدارية فجوة في الأداء الاستراتيجي : إن الفجوة الأساسية بين الدول المتقدمة و النامية هي فجوة إدارية، ليس من نقص الكوادر و الكفاءات، و لكن من قلة الإبداع في الإدارة، و من فجوة في الأداء الاستراتيجي، أو ما يسمى اليوم بهندسة نظم العمل، مختصرة في الهندسة الإدارية، أو ما يسمى أيضا بالإدارة التحويلية أو الإدارة الإبداعية. إن فجوة الأداء مقياس للإبداع، هي الفرق بين الإنجاز و الهدف المخطط، عليها تبنى الاستراتيجيات، فالفجوة السلبية قد تؤدي إلى "الانكماش الاستراتيجي" الذي يهدف فقط إلى الزيادة في فرص البقاء، و إذا كانت الفجوة إيجابية إنتاجية تؤدي إلى استراتيجيات النمو، فتزداد الخدمات و تتحسن، و يتم البحث عن أسواق جديدة و مشاريع مشتركة أو مندمجة. فكيف نشخص فجوة الأداء ؟، و كيف نحللها و نضيقها أو نسدها إذا أمكن ؟ وكيف نفعل القيادات الإدارية ؟ و كيف نستثمر الموارد البشرية في إدارة الهندسة الإدارية ؟ و كيف نصل إلى الإدارة الإبداعية ؟ الهندسة الإدارية الإبداعية: إن الإدارة الإبداعية بنينة و إعادة للهيكلة و بناء للنسق، تفكير في التصميم و تحسين للكليات و تنظيم للموارد و إعادة للنظر في الجزئيات، تشخيص للابتكار و الكفاءة بل هي التألق الفكري في الأداء و القدرة على الإبداع في المعارف و المهارات، (يسميه تايلور بالإبداع الابتكاري، و الإبداع التعبيري و الإبداع الإنتاجي و الإبداع الإختراعي ). الإبداعية تتجلى في ارتفاع المردودية و إعادة النظر في أنماط السلوكيات الإدارية المعروفة، و القدرة على الوصول إلى الأفكار و الحلول بأساليب جديدة، فلا مكان للبيروقراطية التي تسلب حرية التفكير و الإبداع. و من أبجديات الإبداع إفساح المجال للأفكار ما دامت في الاتجاه الصحيح و إطلاق الطاقات الفكرية للتجديد في الفكر و الروح، و الاستفادة من تجارب الآخرين، و التعلم عن طريق العمل و تنمية العمل الجماعي، و تشجيع المشاركة في القرارات، و التعامل باللامركزية، و جعل العمل فنا لا وظيفة، و البحث عن التميز و التفوق، و المرونة و البعد عن النمطية دون السقوط في " الابتذال ". الإدارة الإبداعية اختيار إستراتيجي : إن الاختيار المناسب يكون من بين مجموعة من البدائل الإستراتيجية على أن تجسد رؤية المؤسسة و رسالتها، و تقييمها للبدائل و اختيار البديل الأفضل من بينها. لا يوجد اختيار استراتيجي أمثل و وحيد لجميع المؤسسات و للمؤسسة الواحدة في مواقف مختلفة، فالتعديل يكون بحجم الفجوة في الأداء. إن الإدارة الإستراتيجية تستعد مسبقا للمستقبل للتحكم فيه ، بدل أن تستجيب له فقط، إنها تحدد التوجهات البعيدة الأمد، و تقوم بالتصميم و التخطيط و التنفيذ و المتابعة و التقييم، .Synergy و تخلق حالة من التداؤب إن القيمة الأساسية لعمل الإدارة تتجلى في قيادة الجهد الجماعي، و في شعور المؤسسة باستيعاب الرسالة و الالتزام بالأهداف. و تمكن الإدارة الإستراتيجية من المهارات التي تحل المشكلات بطرق منهجية، و تستفيد من المعارف داخل نسقيتها، و تقوي مركزها التنافسي. إن رسالة المؤسسة هي السبب الحقيقي في وجودها، و ترتبط بمجال نشاطها و بالأعمال التي ستؤديها و هي الوسيلة لتحقيق الغايات و الأهداف، و لابد للرسالة من الشمولية و الدقة و الوضوح. و إذا كانت الرسالة قيما جوهرية فإن الإستراتيجية تتغير باستمرار لتتكيف مع المتغيرات، مما يجعل المؤسسة قادرة على تطوير رؤيتها. و تعرف الرؤية الإستراتيجية أنها صورة ذهنية للمستقبل المنشود، لها مكونان أساسيان: الإيديلوجيا الجوهرية، أي الفلسفة المرشدة التي تحدد الهوية الذاتية للمؤسسة، ثم القيم الجوهرية، أي المبادئ المرشدة لها، لا ترتبط بزمن و هي مصدر الإلهام، و من هذه القيم الجودة و الإبداع اللذان نتحدث عنهما. و التحدي الكبير يقع على عاتق الإدارة الإستراتيجية، أو ما يسمى بالقيادة الإدارية، فمفهوم القيادة في جوهره أوسع من مفهوم الإدارة، و السلوك القيادي أوسع من السلوك الإداري. القيادة الإدارية الإبداعية: ليست القيادة منصبا بل هي أسلوب تفكير، و ليست تسمية بل هي صفات و علاقات، هي قدرة على التأثير تلقائيا و طواعية، فلا تأثير بالأسماء بل بالمسميات، هي قدرة على تحقيق الأهداف بالمشاركة و التفاعل، هي قدرة على الاستثمار في جميع الموارد، و التعامل مع المخاطر. و الملاحظ أن القيادي الإداري يتعامل مع عناصر مختلفة في التكوين البشري منها ما هو اجتماعي و نفسي و تاريخي... يتعامل مع الأداء الذي يختلف حسب السياقات و تضارب الأهداف، و تطور الكفاءات و الاعتماد على عوامل قد لا تكون في الحسبان. فالقيادة الإدارية تجمع بين التعامل الإداري ( التخطيط و اتخاذ القرارات.. ) وبين السلوك الإنساني في منظومة الأداء، إنها إدارة و تنمية للموارد. إن القيادة الإدارية قيادة تحويلية، قيادة فنية في أساليب الإدارة، قيادة ثقافية تنشر المعرفة الناتجة عن الخبرة بالعمل، قيادة رمزية إنسانية تجمع بين الأهداف و السلوكيات، قيادة إبداعية تستوعب متغيرات العصر و الأساليب الحديثة في الإدارة الإستراتيجية. يتبع.