بمجرد أن تسمع أنه قد تم اعتقال فلان أو تم الاستماع من قبل أجهزة الشرطة إلى علان، حتى تشرع في توجيه صكوك الاتهام والإدانة، سلوك أدمن عليه الكثير من المغاربة، وخصوصا رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن وعي أو عن توجيه لمن يحسن تسديد الضربات تحت الحزام. مناسبة هذا الكلام، ما أثير مؤخرا حول الشكاية التي وضعها الوكيل القضائي للمملكة بطلب من وزارتي الداخلية والمالية بخصوص استفادة 90 من أطر شركة « ريضال » المكلفة بتوزيع الماء والكهرباء والتطهير بمدينة الرباط. ورغم أن الأمر يبدو عاديا للوهلة الأولى عند قراءته. إلا أن ثمة أسبابا تجعل الأمر مثيرا وهي: كون إسم عمدة مدينة الرباط « محمد الصديقي » يتواجد ضمن المستفيدين، وهي العاصمة الإدارية للمملكة. كون « محمد الصديقي » عضوا بارزا في حزب العدالة والتنمية وكان مسؤولا جهويا للحزب بالجهة المسماة قديما « جهة الرباطسلا زمور زعير ». اتهام « محمد الصديقي » بالادلاء بوثائق مزورة . كون حزب الأصالة والمعاصرة الغريم السياسي اللدود لحزب العدالة والتنمية هو من أثار هذه القضية عبر فريقه داخل مجلس المدينة، وأصر على مقاطعة أشغال المجلس إلى حين البث في هذه النازلة. ولست هنا بصدد العويل والصراخ كما يحلو لبعض المتربصين بتجربة العدالة والتنمية أن يصفوا مناضليها الذين هبوا للدفاع عن محمد الصديقي، لا لكوني لا أتقن هذه اللغة، بل لكون الأمر لا يستحق لاعتبارات عديدة من بينها: علمتنا التجارب السياسية، أن أمثال هذه القضايا عديدة في مسار أي سياسي مزاول لمسؤولية تدبيرية سواء في الشأن العام أو المحلي. سبقت هذه النازلة، متابعة « بلكورة » الرئيس الأسبق لبلدية مكناس، وتبرئته بعد مرور سنوات، وكذلك اعتقال جامع المعتصم أيام كان نائبا لعمدة مدينة سلا ورئيسا لمقاطعة تابريكت، ورغم إطلاق سراحه، لا زال ملفه لم يغلق بشكل رسمي. حزب العدالة والتنمية ليس حزب ملائكة، طبيعي، أن تجد فيه من يخرق مواثيقه الأخلاقية، ولا يحترم قوانين هذا البلد، وربما تتمادى يده إلى المال العام، ولي تجربة شخصية مع الرئيس السابق لبلدية العرائش عرفت فيها نموذجا مثل حزب العدالة والتنمية لسنوات أسوأ تمثيل، حتى تم طرده من الحزب، ولا ننسى الرئيس الأسبق لبلدية ميدلت الذي أدين بتلقي رشوة مقابل تسليم رخصة لتنظيم فضاء متنقل لألعاب الأطفال، فوق قطعة أرض في ملك خاص، وتكوين عصابة إجرامية من أجل الارتشاء و الابتزاز. رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية يتضامن مع عضو حزبه المشتكى به من طرف وزارتي الداخلية والمالية، ويشيد بمناقبه، وهو موقف ليس بالسهل عليه اتخاذه، إن لم يكن مطلعا على خفايا الأمور، فكل الذين يعرفون « عبد الاله بنكيران » يعرفون جيدا أنه لا يدافع عن شخص إذا لم يكن متأكدا من براءته، ولو كان من أعضاء حزبه. هذا الملف تم الدفع به إلى القضاء مدة وجيزة بعد تولي « محمد الصديقي » عمودية الرباط، بعد أن أثير من طرف حزب سياسي من الوزن الثقيل، يجمع الكثير على أن له يدا طولى في أجهزة الدولة، بالنظر إلى نفوذ مؤسسه والزعيم الحالي. بمعنى أنه لم يكن بمبادرة أولى من الوزارتين المعنيتين، ولو كان الأمر كذلك، لكان الملف فتح منذ سنوات، وهذا يوضح أن الملف سياسي، فتح من أجل البحث عن إدانة صريحة لعمدة الرباط. وإن كنت شخصيا لا أمانع في فتحه، رفقة ملفات عديدة كساها الغبار على الرفوف. تهليل وسائل الاعلام ليس بريئا، ليس لأن من ضمن المتهمين، شخصية عمومية، ولكن لأن الاعلام يتلقف كل ما من شأنه أن يخلق إثارة وزوبعة خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بحزب حاكم في حجم « العدالة والتنمية »، وفي نفس الوقت، هناك أوراق تدعى « أوراق باناما » يجب أن تعدم، وضحايا للعنف و « الحكرة » قاموا بإحراق ذواتهم، من شأنهم أن يستثيروا غضب الشارع، ورجالا للإدارة الترابية، لم يكفهم بقشيش الباعة المتجولين، فتمادت نفوسهم الرخيصة إلى أجساد المتزوجات ليرضوا نزواتهم. حاكموا « الصديقي » و « المعتصم » وكل من ترونه أهلا للمحاكمة، ليس انتقاما أو ضربا تحت الحزام، أو تحسبا لانتخابات مقبلة، ولكن حاكموهم لأننا نريد أن تظهر براءتهم، وتملوا من هذه اللعبة لتبحثوا عن غيرها، لا تنسوا أن تحاكموا أيضا الزميل « عبد الله البقالي » الذي أزال المساحيق عن انتخاباتكم الرديئة الصنع. لكن في المقابل، لا تنسوا أن هناك الملايير تضخ في منابر إعلامية رديئة، وفي انتخابات تزور إرادة المواطنين، لتنتج أطياف بؤس عافه الجميع، حاكموا الصديقي أرجوكم…..