في رؤية شاملة لمستقبل البنوك التشاركية المرتقبة بالمغرب، المعروفة بالبنوك الإسلامية، إثر صدور القانون البنكي الجديد الحامل للرقم 12-103، يرى عبد المهيمن حمزة، أستاذ القانون التجاري والأعمال بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط أكدال، أن الكرة هي الآن في ملعب والي بنك المغرب، لكونه ملزما بمنح رخص الاعتماد وصاحب القرار بعد تلقي الطلبات المستوفية للشروط. وكشف الباحث المغربي المتخصص في قانون الأعمال، ضمن حوار مع هسبريس، أن هناك تهربا من تسمية تلك البنوك ب"الإسلامية" لدواع لها خلفيات سياسية "تستحضر التخوفات من استغلال الموضوع من التيارات السياسية ذات الطرح الإسلامي وتهديده للتوازنات القائمة"، فيما اعتبر أن نجاح تجربة هذه البنوك في المغرب رهين بشروط كثيرة، من بينها "إخراج مدونة شاملة للمنتجات البديلة والصكوك الإسلامية والتأمينات التكافلية". قبل مبادرة حكومة بكيران، التي طرحت القانون رقم 103-12 القاضي بإحداث البنوك التشاركية، كانت هناك تجربة في العام 2007 همت تسويق المنتجات البديلة من داخل البنوك التقليدية، كيف تقيم هذه التجربة؟ أعتقد أن التجربة السابقة قد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف المالية والاجتماعية والتنموية المنشودة، ذلك أن عملية إطلاق هذه المنتجات وظروف تسويقها اعترتها مجموعة من المعيقات، فتنزيل هذه المنتجات جاء بناء على توصية والي بنك المغرب تحت رقم 33/و/2007، ومن المعلوم أن ما تتضمنه التوصيات من مقتضيات لا ترقى إلى درجة القواعد القانونية الملزمة للبنوك. من ناحية الحملة الترويجية التي رافقت انطلاقها، فكانت محتشمة أو هزيلة، وطريقة تقديم هذه المنتجات كانت فاترة لا ترقى إلى مستوى التفاعل الإيجابي في عرضها من قبل بعض البنوك، فضلا عن ارتفاع التكلفة الجبائية لهذه المنتجات مقارنة بالمنتجات الكلاسيكية، فكانت النتيجة هي غلاء المنتجات البنكية البديلة مقارنة بالمنتجات التقليدية، وهذا هو السبب الرئيس للفشل. تقول إن التجربة فاشلة، فهل ترى أن ورش البنوك التشاركية ضروري للمغرب رغم وجود بنوك تقليدية؟ الجواب عن هذا السؤال يقتضي تحديد موقع هذا الورش في الاقتصاد الوطني بشكل عام، فلا شك أن المصرفية الإسلامية ستكون سببا لتطوير الادخار الداخلي للمقاولات المغربية، التي لها استعداد للتعامل مع البنوك التشاركية، ما يفسر وجود طاقة تعاملية يمكن أن تستغلها المؤسسات المالية الإسلامية، وهذا سينعكس إيجابا على تنمية الاقتصاد الوطني. من جهة أخرى، ستفيد البنوك التشاركية في استثمار مدخرات الجالية المغربية المقيمة في الخارج والتي تفوق 20 مليار درهم سنويا، وبالتالي فبدل إيداع هذه المبالغ في البنوك التقليدية على شكل ودائع ، يمكن استغلالها واستثمارها عند إيداعها لدى البنوك التشاركية، سواء بالمشاركة أو بالصيغ الأخرى، لتتحول إلى استثمارات مباشرة. وهل ترى أن مغاربة الخارج سيتفيدون فعلا من هذه البنوك وصيغها الجديدة؟ هناك خطر أصبح يهدد المغرب بفعل توجه الدول الأوربية إلى إنشاء بنوك إسلامية لاستقطاب أموال الجالية المسلمة، ومن بينهم نسبة كبيرة من المغاربة، حيث سيجد هؤلاء أنفسهم، في حالة غياب بنوك إسلامية بالمغرب ولأسباب دينية، أمام ضرورة الاحتفاظ بأموالهم في بنوك إسلامية في أوروبا. من جهة ثانية، وفي ظل الظروف والتحولات الراهنة- المتمثلة في انخفاض أسعار البترول واستمرار تضرر الدول الأوربية من الأزمة المالية العالمية وافتقاد دول الربيع العربي للاستقرار- يمكن أن تشكل البنوك التشاركية عاملا حاسما في استقبال المغرب لاستثمارات خليجية هامة تعتبر المغرب وجهة مفضلة للاستثمار، حيث إن عددا كبيرا من المستثمرين الخليجين يتحاشون وضع أموالهم في المصاريف التقليدية، فهم قد ألفوا، منذ مدة، التعامل مع المصارف الإسلامية في بلدانهم، ويجدون هذه الخاصية حتى في دول غير مسلمة مثل بريطانيا، هذا بالإضافة إلى أن المصرفية التشاركية سيكون لها دور كبير في زيادة نسبة الشمول البنكي بالمغرب. ما قصدك بالشمول البنكي، وما مدى تأثره بالبنوك التشاركية؟ المصرفية الإسلامية قد تكون الحل للرفع من إقبال المغاربة على البنوك، حيث إن نسبة الاستبناك تعد ضعيفة جدا، فأزيد من ثلث سكان المغرب لا يلجون إلى الخدمات البنكية، وهي نسبة متواضعة بالنظر إلى المؤهلات الوطنية، بينما تصل في دول مثل فرنسا إلى 98% وإسابنيا 94%، فهذه المعطيات تؤكد وجود قطيعة بين المؤسسات البنكية وشرائح واسعة من المجتمع المغربي. وتعزى هذه القطيعة بالدرجة الأولى إلى العامل الديني، فثمة فئات عريضة تنأى بنفسها عن التعامل مع البنوك التقليدية، وفئة أخرى تضطر إلى التعامل مع الأبناك لكنها ترفض أخذ الفوائد المستحقة لها في حالة الحساب لأجل أو سندات الصندوق على أساس أنها ربا، ومنهم من يأخذها ويتخلص منها بتسليمها للفقراء والمساكين. فكل هذه الفئات تكاد تكون مجمعة على استعدادها للتعامل مع البنوك التشاركية، وترغب في الاستفادة من التمويلات البنكية البديلة، وفي هذا السياق ذكرت دراسة حديثة أن %97 من المغاربة مهتمون بالخدمات المالية الإسلامية، وأن 70% مستعدون للانخراط في هذه الخدمات في حالة اطمئنانهم بأنها تتوافق مع الشريعة الإسلامية. في نظرك، لماذا اعتماد تسمية "بنوك تشاركية" بدل تسمية "بنوك إسلامية" كما هو معمول به في جل البلدان التي اختارت هذا النوع من البنوك؟ بالنسبة لي، لا مانع من تسميتها بالبنوك التشاركية بدل بنوك إسلامية بالنظر إلى أن مصطلح "التشارك" عنصر جوهري في المصرفية الإسلامية، وهو الوعاء الذي من خلاله تستقبل هذه البنوك المدخرات من العملاء. كما أن هذه التسمية معتمدة في التجربة التركية، لكني لا أتفهم لماذا كل هذا التهرب من اعتماد مصطلح بنك "اسلامي" ومنتوجات "إسلامية" والمطابقة مع الشريعة "الإسلامية"، حيث إن صياغة مواد القانون رقم 103-12 تفادت بشكل مطلق استعمال هذه المصطلحات، رغم أنها أصبحت مع تطور المالية الاسلامية مصطلحات علمية وأكاديمية وتقنية واقتصادية معتمدة بشكل رسمي على كل المستويات، بل تدرس المصرفية الإسلامية في جل الجامعات الغربية وتنجز الأبحاث والأطروحات حولها تحت هذه التسمية. ولماذا هذا "التهرب" في رؤيتك الخاصة؟ في نظري، لعل لهذا التهرب خلفية سياسية تستحضر التخوفات من استغلال الموضوع من التيارات السياسية ذات الطرح الإسلامي وتهديده للتوازنات القائمة، فضلا عن تأثير ذلك على قواعد المنافسة تجاه البنوك التقليدية ومنتوجاتها، حيث سبق لوزير المالية الأسبق أن صرح حول سبب عدم تسمية المنتجات البديلة بالإسلامية بقوله: "إن تسمية منتجات مالية بالإسلامية معناه الإقرار بأن المنتجات التي تسوقها البنوك التقليدية هي غير إسلامية". ما رأيك في تنظيم البنوك التشاركية ضمن إطار القانون المنظم للمصرفية التقليدية، أي قانون مؤسسات الائتمان نفسه، وليس ضمن إطار قانون مستقل؟ أعتقد أن تنظيم البنوك التشاركية في إطار القانون رقم 103-12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها مسألة لها ما يبررها وإن كانت جل الدول تنظم البنوك الاسلامية في مدونات قانونية مستقلة عن البنوك التشاركية، بحكم أن هذا القانون يشمل بالتنظيم كل المؤسسات التي تقدم عمليات الائتمان والعمليات المشابهة من بنوك وشركات تمويل ومؤسسات الأداء وجمعيات السلفات الصغيرة وشركات مالية وصندوق الإيداع والتدبير وصندوق الضمان المركزي والبنوك الحرة. وهذا التوسع في تنظيم الهيئات التي تنشط في سوق الائتمان يبرر تنظيم البنوك التشاركية في قانون موحد شرط أن يراعي المشرع كل المقتضيات الضرورية المرتبطة بخصوصيات المصرفية الإسلامية وأن يضمِّنها في القانون. هل راعى التنظيم الحالي للبنوك التشاركية خصوصيات العمل المصرفي الاسلامي؟ أعتقد نسبيا، لأنه رغم توفير هذا القانون الحدود الدنيا التي يمكن من خلالها التأسيس لازدواجية النظام البنكي تقليدي/تشاركي، وتنصيصه على خصوصيات هذا الأخير من حيث التأسيس والمنتوجات المقدمة وحظر التعامل بالفائدة أخذا وعطاء والخضوع للرقابة الشرعية، فإن البنية التشريعة الجديدة نظرا لاقتضابها لم تنظم كافة الجوانب الخاصة بالعمل المصرفي الإسلامي كما هو متعارف عليه لدى الدول السباقة في هذا المجال، وهذا جعلها لم ترق بعد إلى تحقيق التمايز بين البنوك التقليدية والبنوك التشاركية بحيث يسودها نوع من البلقنة والاختلاط. أفهم من قولك إن القانون الجديد لا يحقق التمايز بين البنوك التشاركية والبنوك التقليدية؟ بالضبط، فاستنادا إلى نصوص القانون رقم 103-12، لا يمكن القول إنه أقر تمايزا بين البنوك التقليدية والبنوك التشاركية، ويتجلى هذا في عدة مظاهر، فعلى سبيل المثال يمكن للبنوك التشاركية تسويق المنتجات التقليدية بموجب المادتين 54 و57 بضوابط معينة، فيما يمكن للبنوك التقليدية تسويق المنتجات التشاركية بموجب المادة 61، كما أن المادة 66 تلزم البنوك التشاركية بالانضمام إلى المجموعة المهنية لبنوك المغرب التي تهيمن عليها البنوك التقليدية والتي لها تمثيلية في الهيآت الاستشارية لوالي بنك المغرب، مما قد يهدد مصالح البنوك التشاركية إن حرمت من التمثيلية. بالإضافة إلى ذلك، فالمادة 70 تلزم البنوك التشاركية باعتماد المعايير المحاسبية التقليدية، في حين إن التجارب المقارنة حققت تراكمات مهمة في تطوير معايير محاسبية خاصة بالبنوك التشاركية ومختلفة عن البنوك التقليدية. إذن، ما تقييمك لهذه الصيغة التشريعية المعتمدة في تنظيم البنوك التشاركية؟ هي صيغة ضعيفة ومقتضبة جدا، فالقسم الخاص بالبنوك التشاركية يتكون فقط من 17 مادة، وهذا غير كاف للإحاطة بالجوانب اللازمة لتنظيم المصرفية التشاركية وهي متعددة تشمل: "الإطار المؤسساتي ومجالات العمل والمنتوجات والادارة والتسيير والرقابة الشرعية والمحاسبة وقواعد التحول من المصرفية التقليدية إلى المصرفية التشاركية ومعالجة الصعوبات والأزمات وحماية العملاء ...". فالمشرع اكتفى بهذا القانون بالإشارات العامة المتعلقة بمجال التطبيق والمطابقة الشرعية وبعض الأحكام المتفرقة. في نظرك، كيف سيتم التغلب على هذا الضعف في الإطار القانوني للبنوك التشاركية؟ بواسطة منح والي بنك المغرب صلاحية إصدار نصوص تنظيمية عبر مناشير وتوصيات وتعليمات ورسائل تنظم كل الفراغات والجوانب التي لم يشملها نص القانون وهي كثيرة، حيث تمت الإحالة بشكل مبالغ فيه على والي بنك المغرب للتشريع في مجال المصرفية الإسلامية وفي أمور ليس لها طابع تنظيمي تطبيقي صرف، بل حتى في مسائل كان على البرلمان أن يشرع فيها، وخاصة ما يتعلق بتنظيم العقود التشاركية والالتزامات المترتبة عنها. فهذا يعد من صلاحيات البرلمان استنادا إلى الفصل 71 من الدستور الذي جعل ضمن مجال القانون الذي يختص البرلمان بالتشريع فيه نظام الالتزامات المدنية والتجارية، وتنظيم العقود التشاركية لا يخرج عن هذا الإطار على غرار العقود المدنية المنظمة في قانون الالتزامات والعقود التجارية المنظمة في مدونة التجارة. أليس في هذه المسألة تقوية لسلطات والي بنك المغرب في هذا المجال؟ بالفعل هذا يقوي سلطات والي بنك المغرب بشكل كبير، لأنه كما سبق القول لم يقتصر دوره في إصدار المناشير في أمور تنظيمية صرفة، بل تعدت إلى مجال اختصاص البرلمان، كما أن صياغة النص تجعل بنك المغرب أقوى حتى من اللجنة الشرعية للمالية التشاركية مادامت هذه الأخيرة حسب القانون تبدي "الرأي" بالمطابقة، وبنك المغرب ملزم فقط باستطلاع رأيها. إن استعمال المشرع عبارة "الرأي" بدل "القرار" يزيل عن عمل اللجنة الشرعية حمولته الإلزامية، فكان على المشرع أن يستعمل عبارة اتخاذ القرار بالمطابقة، كما هو متعارف عليه في التجارب الدولية للبنوك الإسلامية، حيث إن هيئات الرقابة الشرعية تكون لها اليد العليا في القرارات ذات الصلة بالمطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي فهي تتخذ القرارات ولا تبدي فقط الآراء. طيب، ما هي إذن تأثيرات هذه الهيمنة؟ هي تأثيرات متعددة تعيق فعالية نصوص القانون أولا، فإذا لم يصدر والي بنك المغرب المناشير التي يحيل عليها القانون، فإن هذا الأخير سيبقى جامدا ومع وقف التنفيذ، وهذا قد يكون مدخلا للتحكم، كما أن طغيان الإحالة على مناشير والي بنك المغرب قد يحول دون تشجيع المستثمرين للإقبال على هذا الورش. هذا الورش موجه إلى فئات متعددة؛ كالبنوك الإسلامية الكبرى التي لها فروع في دول متعددة وكذا المستثمر الوطني الذي يمكنه أن يستثمر في هذا الورش، فضلا عن البنوك التقليدية المغربية، فهل سنجلب هذه الفئات بالإحالة على مناشير مستقبلية لوالي بنك المغرب؟ إن القانون عامل مهم لتحفيز الاستثمار وهو مصدر ثقة المستثمر، لذا ينبغي أن يكون في مستوى أعلى من التكامل والوضوح والتفصيل، وليس بهذا المستوى من الاقتضاب والإحالة بكثرة على مناشير بنك المغرب. على ذكر بنك المغرب، ما علاقته بالبنوك التشاركية في النص القانوني الجديد؟ القانون الجديد أخضع هذه العلاقة للقواعد نفسها الناظمة لعلاقة البنوك التقليدية ببنك المغرب، بيد أن الأمر ليس كذلك، فخصوصية المصرفية الإسلامية تفرض اختلاف العلاقة، فعلى سبيل المثال بنك المغرب يمكنه في إطار السوق النقدية أن يقدم قروضا للبنوك التقليدية التي تعاني من مشكل السيولة على أساس الفائدة، فهل هذا ممكن في حالة احتياج البنك التشاركي للسيولة ما دام هذا الأخير يحظر عليه التعامل بالفائدة أخد أو عطاء، فبأي طريقة سيمول بنك المغرب البنك التشاركي، القانون الجديد لا يجيب عن هذا السؤال، ولهذا فالعلاقة تختلف، وهذا القانون لا يقيم أي تمايز على هذا المستوى. بالعودة إلى البنوك التشاركية، ما هي أهم الأنشطة المصرفية التي يسمح القانون الجديد بمزاولتها؟ لقد حرص قانون رقم 103-12 على تقريب أنشطة البنوك التشاركية من البنوك التقليدية، حيث يمكنها، بحسب المادتين 54 و57، تسويق كل المنتجات التقليدية بموجب ضوابط معينة، وخاصة ما يتعلق بالمطابقة الشرعية. أما في ما يتعلق بالمنتجات البديلة، فالبنوك التشاركية، بموجب المادة 58، يمكنها تقديم ست صيغ تمويلية وهي: المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة والسلم والاستصناع، فيما يمكنها، بحسب المادة 55، تلقي الودائع الاستثمارية من الجمهورية لتوظيفها بناء على التشارك. وبالتالي فنطاق هذه الأنشطة ضيق مقارنة مع ما تقدمه البنوك الاسلامية في الدول الأخرى من منتوجات أكثر كمّا وتنوعا، لأنه خارج هذا النطاق لا يمكن للبنوك التشاركية اعتماد صيغ تمويلية أخرى إلا بعد إصدار والي بنك المغرب منشورا يحدد مواصفاتها التقنية وكيفيات تقديمها بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان وبعد الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى. إذا كانت هذه الأنشطة محدودة، هل ثمة أنشطة أخرى تم إغفالها في النص القانوني الحالي؟ فعلا، تم إغفال منتوجات عديدة تعتمدها البنوك الإسلامية، وهي تعكس تنوع المصرفية الاسلامية وتطورها ودورها في تمويل مختلف القطاعات، فإذا كان المغرب بلدا فلاحيا فثمة منتوجات لها دور كبير في التمويل الفلاحي؛ من قبيل المغارسة والمزارعة والمساقاة. هذا القانون أغفل أيضا صيغا مهمة تساعد البنوك الإسلامية على جلب السيولة للقدرة على منح التمويلات وذلك عبر إصدار الصكوك الإسلامية بمختلف أنواعها، فلم نجد لها وجودا وتنظيما رغم أن الظهير المتمم لظهير إعادة تنظيم المجالس العلمية جعل من مهام اللجنة الشرعية للمالية التشاركية "إبداء الرأي بشأن مطابقة عمليات إصدار شهادات الصكوك". إذا كان الأمر كذلك، هل يمكن في نظرك أن تنطلق تجربة البنوك التشاركية على هذا الحال؟ يمكن، لكن ستكون تجربة منقوصة ويعوزها بعض العناصر الأساسية، لأن التجربة المرتقبة، بحسب النص القانوني، ستقرب البنوك التشاركية كثيرا من البنوك التقليدية، حيث ركزت بشكل كبير على المنتوجات والأنشطة التجارية الصرفية التي يرمي من خلالها البنك التشاركية إلى البحث عن هوامش الربح والتوجه نحو تمويل المستهلك بصيغ بديلة عن القرض التقليدي ويكون المقابل فيها هامش الربح بدل الفائدة. لقد تم تغليب المستوى التجاري على الجوانب المرتبطة بالتنمية الاقتصادية وتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة والاهتمام بالمستوى الاجتماعي، مما سيجعلها بنوك مرابحات أكثر منها بنوك مشاركات، وهذا ما سيجعلها محل انتقاد كبير، وقد يؤدي هذا أيضا إلى خيبة آمال الناس المتطلعين إلى أن تكون لهذه الأبناك أدوار اجتماعية تيسر عليهم ما يجنبهم التعسفات التي مارستها عليهم البنوك التقليدية. ما الذي يميز البنوك التشاركية عن البنوك التقليدية إذا كان الطابع التجاري المحض يغلب على المنتجات المقدمة؟ حتى تتميز البنوك الإسلامية عن التقليدية، يجب أن تنشط على ثلاثة مستويات: هناك أولا المستوى التجاري الصرف وهو مستوى مهم لأن هذه البنوك تجارية ومن حقها المضاربة من أجل الربح عبر صيغ التمويل البديلة حتى تستمر، ويتعلق المستوى الثاني بالمساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال طبيعة الاستثمارات التي تزاولها ودورها في تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة بتفعيل المشاركات وتشغيل الودائع الاستثمارية وهو مستوى أقل حضورا في قانون 103-12 من المستوى التجاري. أما المنتوج الثالث وهو الغائب الأكبر عن هذا القانون، فيتعلق بالتنمية الاجتماعية ومدى تخصيص جزء من التمويلات والاستثمارات للخدمات الاجتماعية التي تستفيد منها الفئات الفقيرة، وبالتالي تكريس روح الاقتصاد الإسلامي القائم على التكافل والتعاون والتيسير على الناس وهذا يتحقق عبر تقديم القروض الحسنة والمساهمة في مأسسة الزكاة والوقف وغير ذلك. بعد هذا كله، خرج قانون 103-12 إلى حيز الوجود منذ سنة، متى سنشهد في نظرك بنوكا تشاركية في السوق المغربية؟ الكرة حاليا في ملعب والي بنك المغرب الذي هو ملزم بإصدار المناشير التنظيمية المكملة للقانون ثم بعدها منح رخص الاعتماد لمن يطلبها بعد توافر الشروط التي يحددها القانون، من بينها توافر الشكل المحدد إما شركة مساهمة أو تعاونية، مع توافر الحد الأدنى الثابت من رأس المال وكذا ما يتعلق برأي المطابقة الشرعية. فبعد تلقي الطلبات المستوفية للشروط، يبقى والي بنك المغرب هو صاحب القرار. حتى نلخص الحوار، ما هي في نظرك المداخل والحلول الممكنة لتجاوز الإشكالات المصاحبة لقانون البنوك التشاركية بالمغرب؟ في نظري، ثمة حلول آنية وحلول مستقبلية؛ فعلى المستوى الآني يجب على والي بنك المغرب التعجيل بإصدار كل النصوص التنظيمية بتنسيق مع اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، حتى لا يبقى القانون جامدا، وفي الوقت نفسه على الحكومة والسلطة التشريعة العمل على ملاءمة القوانين ذات الصلة مع عمليات البنوك التشاركية بصفة كاملة، لا جزئية، خصوصا في ما يتعلق بالمدونة العامة للضرائب بوضع نظام جبائي ملائم للمنتوجات التشاركية ومدونة التأمينات ومدونة التجارة ومدونة تحصيل الديون العمومية وقانون المنافسة وقانون حماية المستهلك والقوانين المنظمة للسوق المالية وقانون التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية. وتبقى الغاية من هذه الملاءمة ضمان تنافسية متكافئة مع مؤسسات الائتمان الأخرى، مع مراعاة الطبيعة الخاصة للعمليات المصرفية الإسلامية في كل هذه التدابير. أما على المستوى المستقبلي، فأرى وجوب العمل على إخراج مدونة خاصة بالتمويلات التشاركية شاملة للمنتجات البديلة والصكوك الإسلامية والتأمينات التكافلية بشكل مفصل، يتم فيها الانفتاح على التجارب المقارنة، فيما يمكن الإبقاء على الإطار المؤسساتي ضمن قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها شريطة تضمينه كل الخصوصيات المرتبطة بطبيعة المصرفية الإسلامية من تأسيس ورقابة ومحاسبة وتمايز وعلاقة مع البنك المركزي وغير ذلك.