كثيرة هي الشواهد والأدلة التي توضح الضعف والخلل الذي يعرفه الحقل الفكري في بلدنا، والذي يحتاج إلى تبصر ونقد راشد حتى تتعافى الساحة الفكرية من كثير من الطفيليات التي نمت وتنمو في هذا الحقل الحيوي والهام في حيا ة الشعوب التواقة إلى التقدم وكسر أغلال التخلف والتبعية. مرة أخرى توجه سهام السب والشتم والتشكيك لمادة التربية الإسلامية، على اعتبار أنها حاضنة الإرهاب، والفكر المتطرف، وما الدواعش إلا نتاج هذه المادة ودروسها، فبجرة قلم متسرعة تتهم مادة دراسية أقرتها الوزارة الوصية، فلا عجب إذن إذا قام أحد وادعى أن الفلسفة حاضنة للكفر والإلحاد، ويدعي آخر أن اللغة الفرنسية حاضنة الفكر التغريبي اللاديني وهكذا، فهل يجوز مثل هذا الكلام وهذه الادعاءات؟، إنه كلام عوام لا يقول به عاقل. فهذا التحامل غير المبرر على مادة التربية الإسلامية، وهذا العداء من هؤلاء إنما هو راجع إلى أسباب ثلاثة: 1 جهل هؤلاء بالتطور الهائل الذي عرفته تدريسية هذه المادة. 2 تصريف الصراع السياسي والفكري بين هؤلاء ودعاة المشروع الإسلامي. 3 محاربة هؤلاء لكل ما له علاقة بالدين والشريعة. في هذه المقالة سأقف عند السبب الأول، وأترك السببين الآخرين لمقال قادم. عند قراءتي لكل ما كتبه هؤلاء للنيل من هذه المادة وشيطنتها، يتكشف جهلهم المركب، سواء بالتطور الحاصل في بيداغوجيا تدريسية هذه المادة، أو جهلهم بالدروس المقررة في برامجها. كذلك عند تتبع مقالاتهم لا نجد أحدهم يقدم دليلا واحدا من داخل هذه المادة يعضد دعواه، بل نجد الكلام يطلق على عواهنه واتهامات تتطاير يمينا وشمالا. التربية الإسلامية عند هؤلاء هي نتاج الفكر الوهابي من جهة، ومن جهة أخرى هي حاضنة الفكر المتطرف ليس آخره إلا الفكر الداعشي، وفي هذا التقول بغير دليل، يقع هؤلاء في أخطاء وخطايا بالجملة نذكر منها: 1 اتهام مادة التربية الإسلامية بنعوت مثل التطرف والإرهاب، هو اتهام للوزارة الوصية التي تسهر على مقررات المادة وبرامجها ودروسها. فكيف للوزارة أن تسمح بتدريس التطرف في مدارس عمومية. 2 الخطأ الجسيم والقبيح في ذات الوقت الذي يقترفه هؤلاء، هو محاكمة المادة بأثر رجعي قد يصل إلى عشرين سنة قد خلت. 3 بالتأكيد يجهل هؤلاء بشكل تام مقررات المادة الحالية ودروسها، وطريقة تدريسها، لسبب بسيط أنهم لو كانوا يعلمون شيئا لخجلوا من ترديد هذه الأقاويل التي تجري على ألسنتهم، ويسودون بها صحفهم ومجلاتهم. إن درس التربية الإسلامية اليوم، يهدف إلى تمكين التلميذ من عدد من الكفايات التي تسعفه في الإبداع والتأمل وحل الإشكالات العارضة، وبناء التعلمات بناء عقلانيا بعيدا على التلقين والحشو كما يدعي هؤلاء استنادا إلى قوله تعالى "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فنؤسس مع تلامذتنا خلق الاحتكام إلى الدليل والاحتجاج به وله. ولا أخفيكم كم مرة سألني تلامذتي هل نحن في درس التربية الإسلامية أم في درس الفلسفة؟ ومنهم من سألني هل نحن في درس التاريخ؟ وهي أسئلة مشروعة لأننا في مادة التربية الإسلامية لا نؤمن بجعل المعرفة جزرا متفرقة تفصلها سدودا حديدية، بل نهدف في تدريس هذه المادة إلى إعادة الرابطة والأخوة بين جل المواد، لنؤسس عقلية تنظر إلى المعرفة نظرة تكاملية وتعيد العلاقة بين المواد الدراسية، ولهذا تجد مادة التربية الإسلامية تتقاطع مع كثير من المواد الدراسية، مع الحفاظ طبعا على خصوصية كل مادة. لهذا فدرس التربية الإسلامية اليوم درس حيوي تفاعلي بين الأستاذ والتلاميذ، كما أنها من المواد التي تستعمل الوسائط المختلفة عند بناء الدروس، وذلك لمرونتها من جهة، وقابليتها الاستيعابية للمستجدات الديداكتيكية من جهة أخرى، لا أدل على ذلك من: 1 يشهد مفتشو المادة ومدرسيها، تجاوب وتفاعل مادة التربية الإسلامية بشكل سلس وسريع مع بيداغوجيا الكفايات التي تتخذ الوضعية المشكلة مدخلا لبناء التعلمات مع التلميذ، وهذا ليس حكما عاطفيا أو حكما متسرعا كما سيقول البعض، إنما هو حكم جاء بعد سنوات من العمل ودورات تكوينية ولقاءات تربوية متعددة. 2 درس التربية الإسلامية اليوم عرف تطورا هائلا على أكثر من مستوى: انتقاء الدروس ومراجعة المقررات بين الفينة والأخرى. تطور على مستوى تدريسية المادة وبيداغوجيتها. المستوى العلمي والمعرفي لأساتذة المادة وشواهدهم تشهد على ذلك. ولذلك فالتهمة الجاهزة عند هؤلاء، لا تقوم على دليل ولا تستند إلى علم، إنما العكس هو الحاصل فمادة التربية الإسلامية دعوة إلى الحياة والحب واحترام حقوق الإنسان واحترام الآخر كيفما كان هذا الآخر، واحترام معتقده، وهي دعوة إلى التواصل والحوار، وغيرها من القيم التي تسعى المادة إلى تمكين التلميذ المغربي منها، وليس في هذا ادعاء، إنما هذه حقائق تقدمها وتنطق بها دروس المادة، والتي سنعرض بعضا حتى يتبين الحق من الباطل ونزيل شبهات هؤلاء الذين يسعون إلى إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف بالمادة زورا وكذبا. بعض الدروس المقررة في جدع مشترك: علاقة الإسلام بشرائع السماوية السابقة الخصائص العامة للإسلام : العالمية والتوازن و الاعتدال الخاصية العامة للإسلام: التجديد والانفتاح على قضايا معاصرة اليسر ورفع الحرج. بعض دروس أولى باك: قيم التواصل وضوابطه الحوار في القرآن والسنة الاختلاف آدابه وضوابطه الإعلام والتوعية الصحية بعض دروس الثانية باك: أصول المعرفة الإسلامية: القرآن/ السنة /الاجتهاد. التفكر في الكون خصائص التفكير المنهجي الحضارة الحديثة وتغير القيم الزواج أحكامه ومقاصده الطلاق أسبابه وأحكامه هل في هذه الدروس ما يدعم طرح هؤلاء ويعضد ادعاءاتهم وافتراءاتهم؟. فعلى العكس من ذلك تماما، فدروس التربية الإسلامية في سلك الثانوي التأهيلي بكل مستوياته وشعبه تؤسس عقلية تلاميذية تحترم الآخر وديانته، كما تمكن التلميذ من بعض الكفايات الهامة كالحوار وآدابه والاختلاف وكيفية إدارته وتدبيره، وتدعو التلميذ إلى التمسك بخلق الوسطية والاعتدال التي تناقض التطرف والتشدد في الدين، كما تفتح عقل التلميذ على ضرورة استعمال العقل والتفكر في الكتاب المنظور -الكون- بعد قراءة الكتاب المسطور - القرآن-، وغيرها من الدروس التي لا يسعفنا المقال لذكرها وتفصيلها، وإلا فإن أول درس يتلقاه تلاميذ جدع مشترك بكل الشعب – علاقة الإسلام بشرائع السماوية السابقة- يكفي دليلا للرد على افتراءات هؤلاء وتفنيدها، فمن خلال هذا الدرس يتم تصحيح كثير من التصورات الخاطئة عند التلميذ حول الأديان وأتباعها. فاتهام مادة التربية الإسلامية بأنها تنتج الفكر المتطرف دعوة باطلة لا أساس لها، إنما هذا البهتان يهدف إلى ما هو أكبر إثما، وهو تجفيف منابع التدين والفكر الإسلامي المعتدل، الذي يحترم ثوابت الأمة المغربية، لحسابات سياسية، وايديولوجية ضيقة تماما، لا علاقة لها بالعلم والمعرفة لا من قريب ولا من بعيد. *أستاذ باحث