تعيش الأحزاب السياسية المغربية على وقع خلافات حادة حول العتبة، وذلك بالتزامن مع الاستعداد للانتخابات التشريعية الثانية بعد دستور 2011، إذ تباينت مواقفها بين الاحتفاظ بنسبة 6 في المائة الحالية ورفعها إلى 10؛ في مقابل أخرى دعت إلى إلغائها نهائيا. وكشفت المشاورات التي فتحتها رئيس الحكومة مع الأحزاب السياسية حول الانتخابات أن هناك تفاوتا كبيرا بين مقترحاتها، إذ يرى حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، أن العودة إلى 3 في المائة في ما يخص العتبة أو إلغاءها سيطرح إشكالا في الممارسة الانتخابية المغربية، مطالبا بالاحتفاظ بالعتبة الحالية أو الرفع منها. وبرر الحزب موقفه بضرورة مسايرة المغرب لمنطق التدرج الذي دشنه منذ 2002، مشددا على "أهمية عقلنة المشهد الحزبي وتخليصه من البلقنة التي أساءت كثيرا لمؤسساتنا الدستورية"، حسب ما عبر عنه. ويبدو أن موقف حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة هو نفسه ما عبر عنه حزب الاستقلال، المنتمي إلى المعارضة، الذي دعا إلى رفع العتبة إلى عشرة في المائة، لأن خفضها، حسبه، لن يغير الوضع الحالي، وإزالتها نوع من الريع، معلنا أنه من المعارضين لخفض العتبة، "لأن هدفنا هو الوصول إلى حكومة قوية"، حسب ما عبر عنه. ولم يحسم بعد حزب الأصالة والمعاصرة موقفه من العتبة، وهو ما صرح به أمينه العام إلياس العماري لهسبريس، مؤكدا أن "موقف الحزب من القضايا الانتخابية التي تعرض للمشاورات مع رئيس الحكومة من اختصاص المجلس الفدرالي الذي سيحسم فيها". وفي مقابل ذلك خرج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليدافع عن حذف العتبة، معتبرا أن "نظام الاقتراع باللائحة المعتمد إلى حد الآن لم يحقق النتائج التي توخاها واضعوه". وجاء في مذكرة الاتحاد، التي تعتبر الأولى التي قُدّمت لرئيس الحكومة، أن "النظام اللائحي المعتمد في الانتخابات التشريعية السابقة أبان عن عيوب تستوجب مراجعته"، مشددا على أن هذه "المراجعة يجب أن تشمل في المقام الأول العتبة بحذفها نهائيا". وسجل "حزب الوردة" أن العتبة "تجعل بعض المقاعد لا شرعية لها من حيث عدد الأصوات، كما أنها تساهم في المس بالتعددية، وتخلق قطبية مصطنعة بوسائل تحكمية وغير ديمقراطية"، مضيفا أن "هذا يتطلب مراجعة التقطيع الانتخابي، حتى يكون لنمط الاقتراع اللائحي معنى، خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة". المشكل ليس في العتبة أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى أن "المشكل اليوم في ما يخص الانتخابات ليس في العتبة من الناحية القانونية"، مسجلا أن "الإشكالات التي تعاني منها المنظومة الانتخابية مرتبطة بالعمل السياسي، والمناخ السياسي والإرث التاريخي". وبرر بوز طرحه، في تصريح لهسبريس، بأنه "في المغرب لا يمكن الحديث عن تقييم قوة ونفوذ حزب سياسي فقط من العملية الانتخابية"، مضيفا أن "الأمر التقني ليس موضوع انشغال في بعض الدول التي تمنع العتبة، وهو ما نص عليه الدستور البرتغالي مثلا". وجوابا على سؤال حول بلقنة المشهد السياسي التي يدافع من خلالها المطالبون بالرفع من العتبة، قال بوز: "فرض العتبة لن يلغي البلقنة، وتضخيم النقاش حول الجوانب القانونية ظاهرة مغربية"، مؤكدا في هذا الصدد أنه "ليس له قيمة كبرى، ولا يمكن في كل لحظة انتخابية تغيير القوانين والاعتماد على التجريب". وفي هذا الصدد نبه الأستاذ الجامعي إلى أهمية "تقييم متكامل للترسانة القانونية المغربية منذ 2002"، مبرزا أنه "عوض العتبة والنقاش حولها كان يجب إعادة النظر في نمط الاقتراع، بما يقر الدورتين لتحقيق تقاطبات حقيقية".