الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي بالناظور    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    الجيش الملكي يسيطر على قائمة المرشحات لجوائز "الكاف"        رفع عقوبة الحبس النافذ لرئيس المجلس الجماعي لمدينة ورزازات إلى سنة ونصف    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار        الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردا على عميد الإركام: الحرف اللاتيني هو الأنفع للغة الأمازيغية
نشر في هسبريس يوم 12 - 02 - 2016

نشرت صحيفة هسبريس يوم 11 فبراير 2016 عبر صحفيها محمد الراجي خبرا تحت عنوان: "بوكوس: جهات سياسية تعرقل تدريس اللغة الأمازيغية بتيفيناغ". ومن بين ما جاء في الخبر هو ما يلي:
"وردّاً على سؤال حول ما إن كان حرف "تيفيناغ" يمثّل عائقا أمام تعلّم اللغة الأمازيغية، قال بوكوس: "هذا غير صحيح"، مشيرا إلى أن دراسات أعدها المعهد الملكي للثقافة، بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية، بيّنت أن تلاميذ التعليم الابتدائي يتعلمون بيسر كبير هذا الحرف، "بل إنهم يتمكنون في ظرف سنتين فقط من تملّك القدرة على كتابة كلمات وتركيب جمل بحرف تيفيناغ، وهذا ما لا يستطيعون القيام به بالنسبة للغات الأخرى"، يردف بوكوس." (انتهى الاقتباس).
دأب الدكتور أحمد بوكوس على تكرار ذكر تلك الدراسة أو الدراسات كلما طُرِحَ عليه سؤال حول تيفيناغ والمشاكل التي يطرحها. والحقيقة أن الدراسة التي يشير إليها الدكتور بوكوس هي دراسة استطلاعية محدودة اقتصرت على تيفيناغ كحرف وحيد لكتابة الأمازيغية، ولم تشمل تلك الدراسة مسألة المقارنة بين سهولة الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية لدى الأطفال وسهولة حرف تيفيناغ في كتابة الأمازيغية لدى الأطفال. كما أنها اقتصرت على بعض المدارس الابتدائية فقط، وكأن قضية تدريس اللغة الأمازيغية تهم أطفال الابتدائي فقط ولا تهم تلاميذ الإعدادي ولا طلبة الثانوي ولا طلبة الجامعات ولا الشباب المتعلم ولا الموظفين ولا مراكز تكوين الموظفين والمعلمين ولا غير ذلك!
وهذا يطرح أسئلة ملحة:
لماذا لم تشمل تلك الدراسة الميدانية تلاميذ الإعدادي وطلبة الثانوي والجامعة والشباب المغربي المتعلم ما دون 30 سنة مثلا؟
لماذا لم يتم إدراج الحرفين: اللاتيني وتيفيناغ، في الدراسة والاستطلاع حتى تكون هناك مقارنة موضوعية بين الحرفين؟
لماذا لم يتم استطلاع مدى سهولة تعلم الأمازيغية بالحرف اللاتيني وبتيفيناغ على التلاميذ والطلبة والشباب المغاربة الناطقين بالدارجة فقط؟
1) الدراسة الاستطلاعية القاصرة لن تأتي إلا بنتائج قاصرة:
إن إنجاز "دراسة" حول مدى سهولة تيفيناغ في عدد من المدارس الابتدائية فقط (دون الإعدادية والثانوية والجامعات) وبحضور مرشح وحيد هو حرف تيفيناغ دون المرشح المنافس (الحرف اللاتيني) شبيه بتنظيم انتخابات بمرشح وحيد وفي قرية وحيدة ثم تعميم النتائج على كل المغرب، وكأن المرشح الوحيد انتصر في كل المغرب، وبذلك يصبح المرشح الوحيد مثلا رئيسا للحكومة المغربية بفضل انتصاره أو انتصار حزبه في تلك القرية الوحيدة كمرشح وحيد!
الإركام لم ينظم دراسة ميدانية للمقارنة بين سهولة وعملية الحرفين اللاتيني وتيفيناغ وبالتالي فلا يحق له تعميم نتائج تلك الدراسة المحدودة. فقد انتفى وانعدم شرطان أساسيان:
- شرط التمثيلية: أن يكون الحرفان اللاتيني وتيفيناغ موجودين وممثلين في الدراسة بشكل متساو حتى تتم المقارنة بينهما وبين درجة سهولتهما ومنفعتمها العملية في كتابة وتدريس الأمازيغية.
- شرط الشمولية: أن تكون الدراسة شاملة لقطاع واسع من المدارس بمختلف مستوياتها الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعات، وأن تكون شاملة أيضا لعينة معقولة من المغاربة الناطقين بالأمازيغية كلغة أم والمغاربة الناطقين بالدارجة كلغة أم، من المتعلمين والمثقفين والمهنيين والموظفين تحت سن 30 سنة أو 40 سنة مثلا. وذلك لأن تدريس الأمازيغية شيء يهم كل المستويات التعليمية وليس المستوى الابتدائي فقط، فضلا عن كون ترسيم اللغة الأمازيغية يهم كل مؤسسات الدولة التي يشتغل بها موظفون وموظفات (شبان وشابات وكهول) ذوو مستويات تعليمية مختلفة يُنتظَر منهم أن يساهموا في ترسيم واستخدام الأمازيغية على أساس مخزونهم التعليمي وتجربتهم الوظيفية، وذلك لنعرف من خلال الدراسة أو الاستطلاع الحرف الملائم أكثر (اللاتيني أو تيفيناغ) للمستويات التعليمية المختلفة والمؤسسات المختلفة، وبالتالي لنعرف مدى قدرتهم على تعلم واستخدام الأمازيغية بشكل وظيفي خلال فترة عملهم بتلك المؤسسات والإدارات.
إذن فالدراسة التي يشير إليها الدكتور بوكوس ك"دليل" على أن "تيفيناغ سهل على الأطفال" تفتقد لشرطي التمثيلية والشمولية. إذن فهي دراسة لا تثبث شيئا لأنها قاصرة ومحدودة في حد ذاتها، ولا يصح تعميم نتائجها إطلاقا. وحتى إذا كان حرف تيفيناغ سهلا على الأطفال فهذا لا يعني أن الحرف اللاتيني صعب على الأطفال خصوصا أن الجزائر تدرس الأمازيغية بالحرف اللاتيني منذ 1995 وإلى حد الآن.
2) ضرورة الفصل بين الحرف اللاتيني في الفرنسية والحرف اللاتيني في الأمازيغية:
يجب التنبيه إلى أن "الحرف اللاتيني" ليس "حرفا فرنسيا". الحرف اللاتيني ليس اختراعا فرنسيا ولا منتوجا فرنسيا. الفرنسيون أنفسهم استوردوه من إيطاليا. الحرف اللاتيني أقدم من اللغة الفرنسية نفسها. إذن يجب تجنب خلط الحرف اللاتيني كمجرد حرف مع اللغات التي تستخدمه للكتابة كالإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية والإسبانية والإندونيسية والماليزية والتركية والكردية والأزربيجانية والباسكية والسواحيلية ولغة غرينلاند في القارة القطبية الشمالية.
ويجدر التنبيه أيضا إلى أن استعمال الحرف اللاتيني في اللغة الفرنسية لا علاقة له بتاتا باستعمال الحرف اللاتيني مع الأمازيغية لا في المغرب ولا في الجزائر ولا في أي مكان آخر. بمعنى أنه إذا كانت هناك صعوبات تعترض التلاميذ المغاربة (أو الجزائريين) في الابتدائي أو الثانوي في كتابة أو قراءة الفرنسية بالحرف اللاتيني فإن ذلك ليس ليس حجة على الحرف اللاتيني ولا على اللغة الأمازيغية المكتوبة به.
اللغة الفرنسية كما نعلم تستخدم نظام تهجئة عتيق متقادم مليء بحروف منطوقة حينا ومهملة حينا آخر أو تنطق بطرق مختلفة ومعقدة حسب ما يسبقها وما يليها. وهذه التعقيدات الموجودة في الفرنسية والتي قد تكون سبب صعوبات كثيرة للتلاميذ المغاربة الذي يدرسون الفرنسية هي تعقيدات وصعوبات مرتبطة بطبيعة اللغة الفرنسية نفسها ونظام تهجئتها المتقادم وليس مشكلة في الحرف اللاتيني وبالتالي فلا يجب إلصاق هذه المشاكل الفرنسية باللغة الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني. فلا علاقة بين الشيئين.
اللغة الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني لا توجد فيها تلك التعقيدات الفرنسية ولا علاقة لها بالفرنسية. في اللغة الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني نحن ننطق كل ما نكتبه، ونكتب كل ما ننطقه. لا تعقيدات ولا مشاكل.
وبخلاف الحروف اللاتينية المستعملة مع الفرنسية وغيرها التي تنطق أحيانا بطرق متغيرة في الفرنسية فإن الحروف اللاتينية المستعملة في كتابة الأمازيغية لها نطق واحد ثابت دائما لا يتغير أبدا. مثلا حرف C في الأمازيغية هو دائما (ش) ولا يتغير. وحرف G في الأمازيغية هو دائما (گ) ولا يتغير. وحرف S في الأمازيغية هو دائما (س) ولا يتغير. وحرف X في الأمازيغية هو دائما (خ) ولا يتغير. وحرف Ɣ في الأمازيغية هو دائما (غ) ولا يتغير. وحرف Ḍ في الأمازيغية هو دائما (ض) ولا يتغير.
3) هل أصبح حرف تيفيناغ أهم من اللغة الأمازيغية؟
الدكتور بوكوس قال إن "حرف تيفيناغ مازال مهدَّدا". هذه العبارة العجيبة تختزن الكثير من المفارقات والتناقضات.
- أولا: حرف تيفيناغ ليس موجودا وجودا فعليا حتى يكون مهدَّداً. فوجوده في المجال العمومي والتعليمي المغربي حديث جدا ورمزي جدا وسطحي جدا ومحدود جدا. ولا يقرأه أحد تقريبا باستثناء جزء صغير من أطفال الابتدائي. ولا يستخدمه حتى ناشطو الأمازيغية كحرف كتابة وتدوين ونشاط إعلامي. بل إن ناشطي الأمازيغية صائمون عن الكتابة باللغة الأمازيغية بسبب عدم إتقانهم للكتابة الواسعة الكثيفة بتيفيناغ ولأنهم متيقنون أن لا أحد سيقرأ ما يكتبونه بحرف تيفيناغ. وبسبب أنه قد تم مسح إمكانية كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني من أذهانهم وأذهان عامة الناس منذ عام 2003 فقد دخلوا في مرحلة صيام أبدي عن الكتابة بالأمازيغية.
والحديث عن تعرض تيفيناغ ل"تهديد" هو كلام يناقض العقل. والحقيقة أن انتشار تيفيناغ في المجال الرمزي والديكوري (لوحات الشوارع، المهرجانات، الملصقات، أنشطة الجمعيات) يشهد ازديادا وليس تراجعا. أما داخل المؤسسات والإدارات ومعظم المدارس والثانويات والجامعات فإن حرف تيفيناغ معدوم الموجود أصلا. ولا يمكن وصف شيء معدوم الوجود بأنه "مهدَّد الوجود".
- ثانيا: الشيء المهدَّد فعلا في المغرب هو اللغة الأمازيغية نفسها الموجودة وجودا شعبيا فعليا عميقا في المغرب وبقية البلدان الأمازيغية منذ آلاف وآلاف السنين. والدكتور بوكوس يعلم بتراجع نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب من 28% عام 2004 إلى 26% عام 2014 حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط.
إذا لم يكون تراجع استخدام الأمازيغية هذا "خطرا مهدِّداً" فماهو "الخطر المهدِّد" إذن؟!
اللغة الأمازيغية تتراجع يوميا بسبب انعدام تدريسها في معظم مدارس المغرب وانعدام ترسيمها الوظيفي في كل إدارات المغرب. وحرف تيفيناغ هو بين الأسباب الرئيسية لبطء تدريس الأمازيغية الشديد بل وفشله التام كما يرى البعض. حرف تيفيناغ هو الذي يؤجل ضمنيا وعمليا تعميم الأمازيغية السريع في التعليم خصوصا في المستوى الثانوي الذي هو بوابة الجامعة والوظيفة. وحرف تيفيناغ سيؤجل أيضا ترسيم الأمازيغية ترسيما حقيقيا وظيفيا نافعا للناس حتى لو صدر 100 قانون تنظيمي لصالح الأمازيغية، وسيقتصر الترسيم بتيفيناغ على الأرجح على اللوحات الطرقية والجداريات والبطاقة الوطنية وطوابع البريد والنقود وبقية أشكال الزينة والديكور والرمزيات.
إن نفس الفيلم الهابط الذي حدث مع الأمازيغية في مهزلة التدريس منذ 2003 سيتكرر مع الترسيم والقوانين التنظيمية وبقية الضجيج، لأننا لا نتعلم من الأخطاء.
4) "الإجماع الوطني" و"الحزبي" و"الإركامي" و"الأكاديمي" و"الجمعوي" حول حرف كتابة الأمازيغية:
من يظن أن هناك "إجماعا وطنيا شعبيا" أو "إجماعا حزبيا" أو حتى "إجماعا إركاميا" حول حرف كتابة الأمازيغية فهو مخطئ.
ولكن بالمقابل هناك 3 حالات إجماع أكاديمي وجمعوي حول كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني حدثت في المغرب في عام 2002.
الإجماع الأول حدث يوم 8 يونيو 2002 في لقاء نظمته وزارة التربية الوطنية في الرباط حول موضوع "منهاج اللغة الأمازيغية" شاركت فيه مجموعة من المختصين الجامعيين والمفتشين والأساتذة العاملين بالتعليم الثانوي بحضور وزير التربية الوطنية آنذاك عبدالله ساعف. وأجمع المشاركون على ضرورة تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني. (مصدر الخبر هو جريدة Tawiza ورئيس تحريرها آنذاك: محمد بودهان).
الإجماع الثاني حدث يوم 5 يوليوز 2002 داخل لجنة تقنية (من بين أعضائها الدكتور أحمد بوكوس) وهي لجنة شكلتها وزارة التربية الوطنية في عهد وزير التربية الوطنية آنذاك عبدالله ساعف، وقررت تلك اللجنة التقنية بالإجماع توصية الوزارة بتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني. (مصدر الخبر هو جريدة Tawiza ورئيس تحريرها آنذاك: محمد بودهان).
الإجماع الثالث حدث يوم 5 أكتوبر 2002 خلال لقاء وطني نظمته جمعية ASIDD في مدينة مكناس شاركت فيه 23 جمعية أمازيغية من مختلف أنحاء المغرب و59 فعالية وأصدرت بيانا جماعيا يطالب الدولة المغربية ومؤسسة الإركام بتدريس الأمازيغية بالحرف "اللاتيني العالمي" ودعت إلى جعل الحرف اللاتيني حرفا رسميا لتدريس وكتابة للأمازيغية، مع العناية بحرف تيفيناغ وإدراجه في المقررات الدراسية والفنية. (مصدر الخبر هو جريدة Tawiza ورئيس تحريرها آنذاك: محمد بودهان).
أما "الإجماع الوطني الشعبي" حول الحرف فهو منعدم لأن الشعب المغربي منقسم على نفسه في هذه المسألة وتتجاذبه الأيديولوجيات السياسية والدينية المتضاربة، فضلا عن كون الشعب المغربي أميا في الأمازيغية لا يعرف قراءتها ولا كتابتها. والمصدر الوحيد المتوفر لقياس رأي المغاربة حول الحرف هو استطلاع إلكتروني أنجزه موقع هسبريس عام 2012 وطرح فيه هذا السؤال: "ما هو الحرف الذي يصلح في رأيك لكتابة الأمازيغية؟" وجاءت النتائج كالتالي:
- الحرف العربي: 47.93%
- حرف تيفيناغ: 41.33%
- الحرف اللاتيني: 4.94%
- بدون رأي: 5.8%
عدد المشاركين في الاستطلاع: 94512
لا نعرف مدى تمثيلية هذه العينة للشعب ولكنها المؤشر الوحيد المتوفر حول انعدام الإجماع الشعبي حول الحرف، علما أن المغاربة أميون في اللغة الأمازيغية وغير مؤهلين أصلا للإفتاء في مسألة تقنية أكاديمية تخص لغة حرمتهم الدولة من تعلمها في المدرسة طيلة 60 عاما.
أما "الإجماع الحزبي" فمن الواضح أنه معدوم وذلك لتضارب الأيديولوجيات الحزبية حول الأمازيغية بين بعض أحزاب اليسار والوسط التي ساندت باحتشام قرار القصر بترسيم الأمازيغية ولم يكن لديها أي موقف حقيقي من مسألة الحرف وبين حزبي العدالة والتنمية والاستقلال الذين عارضا ترسيم الأمازيغية ولما فشلا في ذلك ضغطا من أجل إنزال رسمية الأمازيغية من وضعية المساواة مع العربية في الدستور إلى وضعية لغة رسمية من درجة ثانية تحت العربية كما هو الحال عليه في الدستور الحالي، مع تقييد الأمازيغية بقيد إضافي ألا وهو "قانون تنظيمي" يقيد الأمازيغية ولا يقيد العربية. ثم إن الإسلاميين مستمرون في محاربتهم للأمازيغية عبر محاولة فرض الحرف العربي عليها، حيث يرونه وسيلة لأسلمتها وإخضاعها وإدخالها إلى بيت الطاعة العربي الإسلامي، في إطار مشروعهم طويل الأمد المتمثل في إقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية ولغتها الرسمية الحقيقية هي العربية. ولكن الأهم من هذا وذاك هو أن الأحزاب المغربية كلها تتكون من أميين في الأمازيغية لا يعرفون قراءتها ولا كتابتها وهم بالتالي غير مؤهلين للإفتاء في الحرف الأنفع لها.
أما "الإجماع الإركامي" حول اختيار الحرف فهو أيضا منعدم. فمن المعلوم أن الإركام اضطر بسبب ضغوط الإسلاميين والتعريبيين في أواخر 2002 وأوائل 2003 إلى تنظيم تصويت داخلي في مجلسه الإداري يوم 31 يناير 2003 حول حرف كتابة وتدريس الأمازيغية. وكانت نتائج التصويت كالتالي:
الجولة الأولى:
- حرف تيفيناغ: 14 صوتا.
- الحرف اللاتيني: 13 صوتا.
- الحرف العربي: 5 أصوات.
الجولة الثانية:
- حرف تيفيناغ: 24 صوتا.
- الحرف اللاتيني: 8 أصوات.
- الحرف العربي: 0 صوت.
(من المعلوم أن من بين أعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية آنذاك 5 ممثلين لوزارات الداخلية والاتصال والثقافة والإعلام والتعليم العالي).
5) "الحصيلة" وفق الدكتور بوكوس، هل هي مشرفة؟
في تصريحه لصحيفة هسبريس نشرته يوم 11 فبراير 2016 لخص الدكتور بوكوس "حصيلة تدريس الأمازيغية بتيفيناغ" (منذ 2003 أي منذ 12 عاما) في ما يلي كما قال حرفيا:
- نصف مليون تلميذ مغربي يتعلمون اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ.
- ثمة عدد من المبدعين يبدعون أشعارهم وقصصهم باللغة الأمازيغية باستعمال حرف تيفيناغ.
- عدد من المؤسسات الرسمية وكذلك عدد من منظمات المجتمع المدني "كا تكتب الاسم ديالها" باللغة الأمازيغية وبحرف تيفيناغ.
(انتهى الاقتباس)
كل من لديه عقل يفكر سيرى أنها ليست حصيلة مشرفة إطلاقا، لأن:
- تغطية الأمازيغية حاليا لنصف مليون تلميذ مغربي فقط يتعلمون الأمازيغية حاليا، رغم انطلاق "التدريس التجريبي" منذ 2003 أي منذ 12 عاما (في التعليم الابتدائي فقط دون التعليم الإعدادي والثانوي) هو دليل على فشل ذريع وليس "حصيلة" مشرفة. والسببان الرئيسيان للفشل هما أولا حرف تيفيناغ الذي يجعل تعميم الأمازيغية في الإعدادي والثانوي من الآن شيئا مستحيلا أو شبه مستحيل ويجبر الأمازيغية على التقوقع في التعليم الابتدائي لتغطيته أولا وهي عملية ستتطلب 20 أو 40 سنة، في وقت تتراجع فيه الأمازيغية يوميا على المستوى الشفوي. والسبب الثاني للفشل هو قلة الموارد المالية والبشرية وسوء تدبير الوزارتين ("التربية الوطنية" و"التعليم العالي") ومماطلات النيابات الإقليمية. لو كانت الأمازيغية مكتوبة بالحرف اللاتيني لكانت الآن على الأرجح تدرّس على الأقل في جزء من الثانويات والإعداديات بجانب الابتدائيات. فإدخال الأمازيغية في التعليم الثانوي بالحرف اللاتيني يجعل الطالب المغربي قادرا على البدء في تعلمها فورا وانطلاقا من الصفر دون حاجز الحرف، بالضبط كما يتعلم الطلبة المغاربة في الثانويات اللغات الألمانية والإسبانية والإيطالية والإنجليزية بالحرف اللاتيني فورا وانطلاقا من الصفر دون حاجز الحرف، ويتمكنون في ظرف 3 سنوات من اجتياز امتحان الباكالوريا الوطني الموحد في اللغات الإنجليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية بنجاح.
- المبدعون بالأمازيغية من أدباء وشعراء لا يحتاجون إلى أن يكون حرف معين رسميا أو غير رسمي أو مستعملا أو غير مستعمل في تدريس الأمازيغية في التعليم الابتدائي أو غيره. وهم مبدعون لا يشتغلون لدى الإركام وإنما هم مبدعون مستقلون يكتبون بالحرف الذي يعجبهم. وأغلبهم مازال يكتب بالحرف اللاتيني لحد الآن وجزء منهم يكتب بحرف تيفيناغ وجزء منهم يستفيد من بعض الدعم المالي من الإركام. المبدعون بالأمازيغية (على قلتهم) كانوا موجودين قبل تأسيس الإركام بسنوات وعقود طويلة وأبدعوا غالبا بالحرف اللاتيني واستعملوا تيفيناغ منذ سنوات وعقود في العناوين والرمزيات وبالتالي لا تندرج إبداعات أغلبهم في خانة "منجزات" الإركام أو الدولة.
- كتابة بعض المؤسسات العمومية والصيدليات والمقاهي والجمعيات بحرف تيفيناغ على أبوابها وجدرانها وملصقاتها دون كتابة أدبياتها وإعلاناتها وبياناتها به هو دليل على الطابع الديكوري الفولكلوري الشكلي الذي يلعبه حرف تيفيناغ. وهذا أيضا ليس بشيء يصح اعتباره من "المنجزات".
6) الترجمة الإركامية للدستور المليئة بالأغلاط نذير مستقبل مشؤوم للأمازيغية:
في 2013 أصدر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ترجمة للدستور المغربي الجديد، قال الدكتور بوكوس أنها استغرقت عامين وأن العديد من أطر وأقسام المعهد شاركت فيها. ولكن تلك الترجمة (وهي مازالت على موقع الإركام لحد الآن) مليئة بكم هائل ومذهل من الأغلاط الترجمية واللغوية وحتى الإملائية التي لم ينتبه إليها لا المعهد ولا مناضلو الأمازيغية ولم يقرأها تقريبا أحد ولم يكتب حولها أحد على حد علمي.
لا يمكن إلا أن نقول أن تلك الترجمة – الفضيحة نموذج للمستقبل الأسود الذي ينتظر الأمازيغية بالحرف الذي لا يقرأه أحد. ويمكن الاطلاع على مقالي حول تلك الترجمة عبر هذا الرابط:
http://www.hespress.com/writers/286015.html
7) ما معنى "اللغة الأمازيغية المعيار"؟
يكرر الدكتور بوكوس وكثيرون من المنتسبين للإركام والجمعيات عبارة "اللغة الأمازيغية المعيار". في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه "اللغة الأمازيغية المعيار" على أرض الواقع. ما يفعله الإركام هو استقاء واقتباس الكلمات والتعابير الأمازيغية من مختلف لهجات اللغة الأمازيغية وقواميسها القديمة والحديثة (وهذا شيء طيب لا غبار عليه) ثم يكتبها الإركام بحرف تيفيناغ وبطريقة التهجئة السوسية أو الجنوبية (أي على مقاس النطق السوسي أو الجنوبي دائما) ثم يسمي الإركام ذلك "لغة أمازيغية معيارا". فيظن الناس أن الإركام قد اخترع لغة جديدة "معيارا" في مختبر كيميائي تتصاعد منه الأبخرة والغازات. وقد يظن بعض الناس أن الإركام قد "وَضَعَ" أو "اخترع" قواعد ومعايير جديدة للغة الأمازيغية المسكينة التي لم تكن تملك قواعد نحوية وصرفية ولا معايير كتابية، وأن هذه اللغة المسكينة كانت تنتظر الإركام ليصنع لها هيكلا عظميا وقواعد ومعايير حتى تصبح لغة مقعَّدة ممعيرة معيارية معيارا!
ولا يساهم إصرار الإركام والجمعيات الأمازيغية على تكرار عبارات "المعيرة" و"التقعيد" و"الأمازيغية المعيار" بشكل كثيف بمناسبة وبدون مناسبة إلا في تكريس هذه الفكرة الخاطئة لدى الناس حول اللغة الأمازيغية.
لا وجود لشيء اسمه "لغة أمازيغية معيار" وإنما هناك "لغة أمازيغية" فقط. اللغة الأمازيغية تملك قواعد طبيعية نحوية وصرفية موجودة منذ مئات وآلاف السنين وتطورت بشكل طبيعي كما يحدث في كل اللغات. ونجد تلك القواعد الطبيعية والقديمة للأمازيغية في الكلام الأمازيغي اليومي وفي المخطوطات الأمازيغية القديمة. الإركام لم يخترع قواعد اللغة الأمازيغية ولم يُقَعِّدها ولم يُمَعْيِرها. لا هو ولا غيره.
"اللغة الأمازيغية المعيار" مجرد مصطلح فارغ المضمون يُطَوَّح به يمينا وشِمالا ولا معنى له على أرض الواقع. ومن اِطَّلَعَ على إصدارات الإركام سيعرف جيدا أنه لا وجود ل"لغة أمازيغية معيار" ولا وجود لقواعد أمازيغية جديدة. وإنما قواعد ومعايير اللغة الأمازيغية هي نفسها منذ قرون ولا يستطيع أحد تغييرها ولو حاول. والإركام نفسه يقتبس بل يعتمد كليا على القواميس الأمازيغية والدراسات الأمازيغية التي أنجزها لسانيون مغاربة وجزائريون وأوروبيون قبل تأسيس الإركام بنصف قرن أو قرن كامل، فضلا عن المخطوطات الأمازيغية القديمة من ليبيا وتونس والمغرب والجزائر.
8) أنواع حرف تيفيناغ الثلاثة:
من المهم أن نفهم أن هناك ثلاثة أنواع من تيفيناغ. وها هي مرتّبة من الأقدم إلى الأحدث:
- النوع الأول والأقدم: هو الحرف "الليبي الأمازيغي" Libyco-Berber وهو أقدم أشكال الكتابة الأمازيغية ويعود تاريخه إلى حوالي 2500 سنة مضت. وهو مختلف بشكل شبه كامل عن تيفيناغ الحالي الذي يراه المغاربة على التلفزة مثلا. حرف Libyco-Berber هو الحرف الذي كُتِبت به مثلا نقوش ضريح الملك الأمازيغي النوميدي Masensen (أو Masinissa كما سماه الرومان) في الجزائر (نوميديا قديما) وكتبت بذللك الحرف كتابات أخرى كثيرة مثل نقوش Thugga بتونس ونقوش جزر الكناري والمغرب والجزائر وغيرها. هناك عدة أنواع من نقوش حرف Libyco-Berber القديم من بينها "النوع النوميدي" وهو الأشهر (تونس وشرق الجزائر وليبيا)، ونقوش "النوع الغربي/الموري" (المغرب وغرب الجزائر)، ونقوش "النوع الكناري". وتتكون أبجدية Libyco-Berber الأمازيغية النوميدية القديمة من 24 حرفا.
- النوع الثاني: Tifinagh وهو "تيفيناغ الطوارق". وهو مشتق مباشرة من الحرف "الليبي الأمازيغي" Libyco-Berber وطوره واستخدمه الطوارق طيلة قرون. و"تيفيناغ الطوارق" مستخدم حاليا في أنشطة فنية ورمزية لدى الطوارق في جنوب الجزائر ومالي والنيجر. ويستخدم حاليا في بعض الكتب المدرسية الجزائرية. ولكن تدريس الأمازيغية الطوارقية حاليا في مالي والنيجر يتم بالحرف اللاتيني.
- النوع الثالث: Neo-Tifinagh أي "تيفيناغ الجديد". وهو التيفيناغ الذي يستخدمه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية IRCAM. حرف Neo-Tifinagh هو استخدام حديث ل"تيفيناغ الطوارق" مع بعض التعديلات والإضافات، وظهر في القرن العشرين في شمال الجزائر أولا ثم في المغرب لاحقا. ورغم أن Neo-Tifinagh المغربي الجزائري مبني في جوهره على Tifinagh الكلاسيكي الطوارقي، فإن هناك عدة اختلافات بينهما بسبب بعض الإضافات والتحسينات والتعديلات التي أدخلت عليه من طرف الجزائريين أولا ومن طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لاحقا. فمثلا تمت صياغة حرفين جديدين هما ⵄ (ع) وⵃ (ح) الذين لا وجود لهما في "تيفيناغ الطوارق" الأصلي لأن الصوتين (ع) و(ح) غير أصيلين في اللغة الأمازيغية. وكذلك تمت مؤخرا صياغة حرف تيفيناغي جديد هو ⵖ (غ) في Neo-Tifinagh، بينما في "تيفيناغ الطوارق" التقليدي الأصيل فإن حرف (غ) هو ثلاث نقط عمودية (ⵗ). كما أضاف الإركام حرف جديدا هو ⵕ (الراء المفخمة الغليظة) وحرفا جديدا هو ⵚ (ص) وغيرهما.
9) هل الحرف العربي يصلح لكتابة الأمازيغية؟ وهل هو الأنفع لها حاليا؟
من حيث المبدإ يمكن أن نكتب أية لغة بأي حرف ولكن بدرجات متفاوتة من الدقة حسب خصوصيات اللغة المعينة والحرف المعين. يمكننا كتابة الأمازيغية بالحرف العربي (بدرجة معينة من الدقة) وكتابة العربية بحرف تيفيناغ (بدرجة معينة من الدقة). ويمكننا كتابة الإنجليزية بالحرف الروسي (السيريلي) وكتابة الروسية بالحرف الهندي (أيضا بدرجات معينة من الدقة).
كل شيء ممكن. ولكن هل كل شيء نافع؟ لا.
كتابة الأمازيغية بالحرف العربي ممكنة (بعيوب ونقائص ومشاكل) ولكنها ليست نافعة للأمازيغية. فالحرف العربي كما هو مستخدم في كتابة اللغة العربية نفسها يعاني من مشاكل فتعاني معه العربية نفسها. والسبب هو عدم دقة الحرف العربي والمزاجية والعشوائية التي تطبع كتابة صوائت اللغة العربية. فاللغة العربية تملك 6 صوائت (Les voyelles أو Vowels) هي: ا، و، ي، صوت الفتحة، صوت الضمة، صوت الكسرة. ولكن الكاتبين بالعربية لا يكتبون إلا الصوائت الثلاثة الطويلة (ا.و.ي)، أما الصوائت الثلاثة القصيرة فهي مهملة لا تكتب غالبا، وهذا يتسبب في صعوبة القراءة والاعتماد على فهم السياق أولا وعدم دقة الكتابة واستحالة الاعتماد عليها في المجالات العلمية الدقيقة. وهذه العادات الكتابية العربية ترسخت بسبب النصوص الدينية المقدسة فأصبحت العربية والحرف العربي بشكله التقليدي غير قابلين للإصلاح والتغيير لأسباب دينية. كما أن هذه العادات الكتابية العربية (مزاجية وعشوائية الكتابة وإهمال الصوائت وفقر الكتابة) تسربت مثلا إلى طريقة كتابة أسماء المدن الأمازيغية ("تطوان" بدل "تيطوان"، و"طنجة" بدل "طانجا") ونجد هذه المشاكل والنقائص الكتابية العربية أيضا في الكتابات الشعرية الأمازيغية بالحرف العربي وفي الترجمة الأمازيغية للقرآن والإنجيل بالحرف العربي. وكل ذلك يُصَعِّب القراءة ويشوه الكتابة ويضر باللغة وبالفهم.
نفس ذلك "المرض العربي" (مزاجية وعشوائية الكتابة وإهمال الصوائت، ومزاجية كتابة "الشدّة") تسرب إلى كتابة الأمازيغية بالحرف العربي وسيضر بالأمازيغية كثيرا إذا كتبت ودرِّست رسميا بالحرف العربي. حينما نقول "المرض العربي" فالمقصود هو الحرف العربي ومشاكله وقصوره، وليس اللغة العربية نفسها. فاللغة العربية نفسها لغة عادية لا غبار عليها ولا عيب فيها على الإطلاق. وإنما الحرف العربي (كما هو مستخدم حاليا) يكتبها بشكل ناقص وفقير ومقزّم.
وأفضل طريقة لتوضيح أن الحرف العربي يتسبب في فوضى كبيرة حينما نكتب به الأمازيغية هو مثال بسيط حول كلمة Tamaziɣt وكيف يكتبها الحرف العربي ب16 طريقة بالتمام والكمال، 8 طرق بعلامات التشكيل و8 طرق بدونها، هكذا:
تامازيغْتْ، تامَزِيغْتْ، تامَزِغْتْ، تَمَزِغْتْ، تَمازِغْتْ، تَمازيغْتْ، تامازِغْتْ، تَمَزيغْتْ.
تامازيغت، تامزيغت، تامزغت، تمزغت، تمازغت، تمازيغت، تامازغت، تمزيغت.
وحينما تكون لدينا كلمة أمازيغية تحتوي على تشديد مثل كلمة Tiṭṭawin (العيون) فالحرف العربي كما هو مستخدم حاليا يكتبها ب16 طريقة بالتمام والكمال، 8 طرق بعلامات التشكيل بما فيها الشدة، و8 طرق بدونها، هكذا:
تِيطّاوِين، تِطّاوِين، تِطّاوِن، تِطَّوِن، تِيطَّوِين، تِطَّوِين، تِيطَّوِن، تِيطّاوِن.
تيطاوين، تطاوين، تطاون، تطون، تيطوين، تطوين، تيطون، تيطاون.
هذه الفوضى العارمة التي يتسبب فيها الحرف العربي تشمل كل المعجم الأمازيغي المتشعب بعشرات الآلاف من كلماته، هذا فضلا عن تصريفات الأفعال الأمازيغية التي تتطلب كتابة دقيقة جدا للتمييز بين الأزمنة والسياقات.
وفوق ذلك كله فإن الحرف العربي (كما هو معروف ومستخدم):
- لا يميز بين i و y ويعبر عنهما بنفس الحرف (ي).
- لا يميز بين o و u و w ويعبر عنها بنفس الحرف (و).
- لا يميز بين الراءات الأمازيغية الثلاث: RŘṚ
- لا يحتوي على حرف يساوي الصائت الأمازيغي القصير: e
- لا يملك حروف Majuscules المهمة في مجال الاصطلاح.
كل هذا يقودنا إلى استنتاج أن الحرف العربي لا يكتب الأمازيغية بالدقة الكافية وإنما يكتبها بطريقة ناقصة تجعل الأمازيغية صعبة القراءة وفوضوية الكتابة. الحرف العربي يكتب اللغة العربية بشكل سيء ويكتب اللغة الأمازيغية بشكل أسوء.
ولا توجد أية دراسات علمية حديثة أكاديمية بالعربية حول اللسانيات الأمازيغية، ولم يتم تطوير أية كتابة بحرف عربي موسع ومتطور ومناسب بشكل كامل لكل حاجات اللغة الأمازيغية. وهذا ربما لأن العرب في الشرق الأدنى والمغاربة العروبيين الكاتبين بالعربية كانوا مشغولين طيلة القرن العشرين بتعريب الأمازيغ وإرجاع أصولهم إلى حضرموت وعدن وصنعاء وتمجيد ما يسمونه ب"الفتح العربي الأموي" والدفاع عنه ضد كل مشكك لئيم!
بينما نجد أنه طيلة القرن العشرين حدث تراكم هائل في الدراسات الأوروبية ثم المغربية والجزائرية حول اللغة الأمازيغية باستعمال الحرف اللاتيني. وقد تم فعلا تطوير منظومة حرفية لاتينية موسعة ومتكاملة لكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني وبدقة عالية لا يضاهيها الحرف العربي ولا حرف تيفيناغ. وهذا ربما لأن اللسانيين الأوروبيين واللسانيين المغاربة والجزائريين لم يكونوا طيلة القرن العشرين مشغولين بتغريب الأمازيغ وإرجاع أصولهم إلى أوروبا أو الجزر البريطانية أو جزر هاواي! وإنما اجتهدوا خير اجتهاد وقدموا لنا ثروة ثمينة وهائلة الحجم من القواميس الأمازيغية والدراسات اللسانية الأمازيغية الرفيعة بالحرف اللاتيني. هذا فضلا عن الإبداعات الأدبية والشعرية الأمازيغية الحديثة المدونة غالبا بالحرف اللاتيني في المغرب والجزائر.
10) لماذا الحرف اللاتيني هو الأنفع حاليا لكتابة وتدريس وترسيم الأمازيغية؟
اللغة الأمازيغية كتبت أول مرة ب"الحرف الليبي الأمازيغي" Libyco-Berber منذ 2500 عام. ثم بعد ذلك كتبها الطوارق لقرون بحرف Tifinaɣ أي "تيفيناغ الطوارق". ثم في العصر الإسلامي انتقلت الأمازيغية إلى الكتابة بالحرف العربي في بعض الكتابات الفقهية الدينية مثل "كتاب البربرية" و"بحر الدموع" و"الحوض" و"النصيحة". ثم في القرن العشرين انتقلت اللغة الأمازيغية إلى الحرف اللاتيني وشهدت في القرن العشرين أضخم إنتاج في تاريخها من قواميس ودراسات لسانية وقصص قصيرة وطويلة وترجمات وشعر. يمكن القول إن 99% من الإنتاج الأدبي الأمازيغي تم إنتاجه بالحرف اللاتيني وحده، وتم إنتاجه في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين فقط.
يمكن اختصار منافع الحرف اللاتيني لتدريس وترسيم ونشر اللغة الأمازيغية في ما يلي:
- تسريع إدخال اللغة الأمازيغية في كل مستويات التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي، نظرا لكون الطلبة والأساتذة والمعلمين ملمين بالحرف اللاتيني بشكل جيد وقادرين على استخدامه والبناء عليه في وقت وجيز.
- جعل اللغة الأمازيغية مادة سهلة الاكتساب من طرف الطلبة والشباب المغاربة بنفس السهولة والسرعة التي يكتسبون بهما لغات أجنبية جديدة عليهم مثل الإنجليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية.
- جعل اللغة الأمازيغية متاحة كتابيا بشكل متساو للمغاربة الناطقين بها وغير الناطقين بها، عبر إزاحة حاجز الحرف.
- إدخال الأمازيغية انطلاقا من الآن في التعليم الثانوي بالحرف اللاتيني سيختصر المدة التي يتم فيها تكوين جيل من الشباب المتقنين لقراءتها وكتابتها والإنتاج بها.
- تمكين الأمازيغية من التحول إلى لغة صحفية وإعلامية يستطيع شباب اليوم التعامل معها وبها كتابيا عبر الصحافة الورقية والإلكترونية.
- ربط الأمازيغية بعالم العلوم والتكنولوجيا الذي يسيطر عليه الحرف اللاتيني عالميا.
- تسريع ترسيم الأمازيغية في الإدارات والمؤسسات العمومية والاقتصادية المغربية وجعل الأمازيغية تلعب دورا وظيفيا نافعا وفعالا في المجتمع بدل الدور الفولكلوري الشكلي.
11) خلاصة اقتراحية:
الألفبائية الحرفية اللاتينية الأمازيغية المقترحة والتي تمثل كل أو معظم لهجات اللغة الأمازيغية الشمالية (الريف، الأطلس، سوس، الجنوب الشرقي، القبايل، الشاوية، المزاب، تونس، شمال ليبيا) تتكون من 35 حرفا وهي كالتالي:
ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ
(أما علامة التشفيه فليست حرفا مستقلا وإنما هي مجرد إضافة نكتبها هكذا:
bʷ، gʷ، ɣʷ، kʷ، mʷ، nʷ، qʷ، xʷ).
وهذا كله طبعا مقترح قابل للنقاش والتطوير. ولكن من المؤكد أن الأمازيغية بهذا الحرف تملك فرصة أقوى للتقدم إلى الأمام وإلى المستقبل. أما مكانة حرف تيفيناغ الرمزية في المجال الفني فلا خوف عليها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.