بعد نشر هسبريس لمقالي بعنوان "عن الترجمة الإركامية للدستور" منذ أيام نشر عدة قراء تعليقات متنوعة على الموضوع بعضها مساند لاستنتاجات المقال وبعضها معارض لها أو مشكك فيها. ومن بين تعليقات القراء المعارِضة لاستنتاجات المقال كان هناك تعليق مثير للاهتمام لمعلق (أو معلقة) تحت اسم antifa يرتبط بجانب مهم من الموضوع وهو ماهية العلاقة المباشرة بين استعمال حرف تيفيناغ وارتكاب الأغلاط وعدم الانتباه إليها من طرف الإركام. يقول ذلك التعليق ما يلي: "وكيف استنتجتَ أن المشكل هو تيفيناغ؟ هل باحثو الإركام لا يستطيعون قراءة تيفيناغ لذا لم يراجعوا ما كتبوا؟ وهل الأخطاء في المصطلحات مشكل التيفيناغ؟ وهل عدم إتقان النحو مشكله تيفيناغ؟ أنت تحاول تقديم حلول سحرية: بمجرد اعتماد الحرف اللاتيني ستحل مشاكل الإركامية. المشكل أعمق يا أخي من هذا الحرف أو ذاك. ولا لغة نجحت لاستعمالها لهذا الحرف أو ذاك. العبرية، وهي لغة بحجم الناطقين بالسوسية، وتستعمل حرفا مختلفا، لكنها جد ناجحة. العبرية بحرفها العبري، تنتج التكنولوجيا الدقيقة والأدب الرفيع والكتب الفكرية التي تترجم للغات العالمية. كتاباتك على العموم بعيدة عن السطحية، لكن في هذا المقال عشقك للحرف اللاتيني جعلك تفقد مَلَكة تشخيص المرض." (انتهى التعليق – وشكرا للمعلق أو المعلقة). يدور جوهر التعليق حول اعتراضين: - ما هي العلاقة بين استعمال حرف تيفيناغ وسقوط الإركام في الأغلاط الترجمية والنحوية؟ - اللغة العبرية (في إسرائيل) ناجحة بحرفها العبري. (أي الحرف المحلي قادر على النجاح أيضا). والحقيقة أن هذين الاعتراضين المهمين يلخصان تقريبا ما يقوله أي محب لحرف تيفيناغ يعارض تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني. ويلخص موقفَ أي شخص راض عن حالة الأمازيغية الآن بتيفيناغ في المجال العمومي وراض عن السياسة الإركامية الحالية عموما. لذلك سنحاول هنا معالجة هاتين النقطتين المهمتين وبقية أبعاد الموضوع. 1) نجاح اللغة العبرية بالحرف العبري في إسرائيل: حينما يستشهد البعض بالحالة العبرية (أو اليونانية أو اليابانية أو الصينية أو الكورية) حيث الحرف المحلي ناجح فإنهم ينسون دائما أن نجاح اللغة المحلية بالحرف المحلي (العبري، اليوناني، الياباني، الصيني، الكوري ...) هو راجع إلى عوامل كثيرة، من بينها: - العناية الحصرية والكاملة التي يحظى بها الحرف المحلي المعين من طرف الدولة المعينة (إسرائيل، اليونان، اليابان، الصين، كوريا ...إلخ) منذ زمن طويل (100 عام أو أكثر) وإلى حد الآن. - العناية الحصرية والكاملة التي تحظى بها اللغة المحلية الرسمية (العبرية، اليونانية، اليابانية، الصينية، الكورية) وبالحرف المحلي من طرف الدولة منذ زمن طويل وبشكل مستمر. - التراكم التاريخي لدى اللغة المحلية الناتج عن ارتباطها بدين شعبي معين وبالتالي استفادتها من عناية فائقة من طرف رجال الدين أو السلالة الحاكمة. أما الحالة المغربية/الجزائرية فهي مختلفة عن حالات إسرائيل واليونان واليابانوالصين وكوريا. ففي المغرب توجد لغتان رسميتان لدى الدولة منذ 1912 وهما العربية والفرنسية، ولغة شفوية هي الدارجة. أما الأمازيغية فقد كانت منذ 1912 لغة رابعة مهمشة. وأنكرت الدولة المغربية وجود شيء اسمه "لغة أمازيغية" منذ الاستقلال في 1956 وأمعنت في حصارها وتهراسها وطمسها بكل همة ونشاط وجدية. في إسرائيل واليونان واليابانوالصين وكوريا استفادت اللغة المحلية بالحرف المحلي من جو صاف هادئ خال من أية منافسة وأية مضايقة واستفادت من عناية حصرية وتمويل حصري ودسترة أو اعتراف رسمي منذ اليوم رقم 1 من تأسيس تلك الدول. لو كان الجو صافيا للأمازيغية كذلك في بلدها المغرب أو الجزائر أو ليبيا أو تونس لكان تبني حرف تيفيناغ في تدريس وترسيم الأمازيغية الخيارَ المنطقي والأحسن بلا نقاش، لأنه لا خطر على الأمازيغية في ذلك الجو الصافي وتحت الرعاية الدولتية الرسمية الخالية من المنافسة والمضايقة. ولكن الأمازيغية في المغرب هي الآن مجرد لغة رابعة تحتل المرتبة الرابعة (أو الخامسة خلف الإنجليزية) في سلم أولويات الدولة وجدول أعمالها، بينما ينتظر محبوها منها أن تتنافس وتتبارى وتفرض وجودها على الميدان بواسطة حرف تيفيناغ (الذي لا يقرأه أحد) أمام العربية والفرنسية والدارجة (والحرفين اللاتيني والعربي) وهي لغات استفادت طيلة القرن العشرين من التمويل والرعاية والعناية شفويا وكتابيا ورسميا ومدرسيا وإعلاميا! فبسبب أن الأمازيغية تعرضت لكثير من التهشيم والتهراس طيلة القرن العشرين فقد راكمت تأخرا كبيرا ودخلت في دوامة الانقراض التدريجي بسبب إقصائها طيلة قرن من الزمن من المدرسة والكوميسارية والقباضة والعمالة والتلفزة والإذاعة والجريدة الرسمية. لذا يجب تسليحها الآن بالحرف القوي (اللاتيني) الذي يسرّع نشرها في المجتمع والمؤسسات ويكتبها بالدقة الأعلى، وهو الحرف الذي يفضله ويشتغل به كل اللسانيين الأمازيغيين ومعظم المبدعين بالأمازيغية في المغرب والجزائر. بحرف تيفيناغ تتضاءل فرص الأمازيغية في المجتمع والمؤسسات المغربية والجزائرية في ظل استمرار تراجعها الديموغرافي واستمرار التعريب والاستعراب والفرنسة والتفرنس والدرجنة والتدارج. في الحالة العبرية الإسرائيلية وحرفها العبري الناجح والمنتشر حاليا في المجتمع الإسرائيلي يجب أن نستوعب هذا الحقائق التاريخية التي أدت إلى نجاح وانتشار الحرف العبري هناك: - اللغة العبرية كانت لغة رسمية لفلسطين منذ 1922 (بجانب العربية والإنجليزية) في ظل الحكم البريطاني أي قبل ربع قرن من قيام دولة إسرائيل عام 1948. - تدريس العبرية حديثا في أرض فلسطين/إسرائيل بدأ منذ حوالي عام 1900 أي نصف قرن قبل قيام دولة إسرائيل في 1948. وأول موجة لهجرة اليهود الأوروبيين والروس إلى فلسطين بدأت عام 1882. - معهد Technion العبري التكنولوجي الشهير والمرموق عالميا (وهو أقدم جامعة إسرائيلية) تأسس عام 1912 في مدينة حيفا. - "الجامعة العبرية في القدس" المشهورة والمرموقة عالميا تأسست عام 1918. - تبرع الأغنياء اليهوديون الأوروبيون بأموال كبيرة لنشر العبرية واستثمروا في بناء المؤسسات الحديثة على النمط الأوروبي في فلسطين/إسرائيل قبل قيام دولة إسرائيل بعقود من الزمن. - جريدة Haaretz الإسرائيلية اليومية المشهورة تأسست وطُبِعَتْ منذ عام 1919 في فلسطين باللغة العبرية والحرف العبري أي قبل ثلث قرن من قيام دولة إسرائيل. وتأسست صحيفة Davar اليومية بالحرف العبري في فلسطين عام 1925 وصحيفة Haboker بالحرف العبري عام 1935 وصحيفة "يديعوت أحرونوت" بالحرف العبري عام 1939. وهذه الصحف الإخبارية اليومية العبرية لم تكن آنذاك موجهة للأطفال طبعا وإنما كانت موجهة للسكان البالغين القادرين سلفا على قراءة الأخبار بالحرف العبري. - الدولة الإسرائيلية منذ 1948 لم تقمع اللغة العبرية ولم تمنعها ولم تحاربها ولم تعتبرها "مؤامرة صهيونية ملعونة" ولم تطبق سياسة تعريب أو أنجلزة أو أمركة اليهود الإسرائيليين لغويا وهوياتيا بل نشرت العبرية والحرف العبري بكل حماس، وذلك على عكس دول المغرب والجزائروتونس وليبيا التي بلغت مراتب عظيمة في محاربة اللغة الأمازيغية ومنعها من التدريس والإعلام والترسيم والدعم السينمائي. بل أنكرت هذه الدول طيلة القرن العشرين أن الأمازيغية لغة، وأمعنت في تعريب وفرنسة شعوبها لغويا وهوياتيا طيلة القرن العشرين. - العبرية لغة دينية للدين اليهودي، وساهم تقديسها واستعمالها في العبادات في الحفاظ على شكلها الكتابي التوراتي لحوالي 2600 عام. اليهود قرأوا ونسخوا التوراة العبرية (بالحرفين العبريين القديم والحديث) وتداولوها فيما بينهم طيلة 2600 عام وأدوا بها صلواتهم يوميا طيلة 2600 عام. لذلك بقيت العبرية محفوظة ومتداولة بشكل كتابي رغم انقراضها الشفوي لاحقا، وهي في ذلك تشبه العربية الفصحى. - اللغة العبرية استفادت من اهتمام المسيحيين بها في أوروبا منذ قرون لأنها اللغة الأصلية لنصف الكتاب المقدس المسيحي (أي كتاب "العهد القديم"). واستفادت العبرية من التدريس في جامعات أوروبا والمدارس المسيحية طيلة قرون. فمثلا الألماني Sebastian Münster كان بروفيسورا للغة العبرية في جامعة Heidelberg الألمانية ثم في جامعة Basel السويسرية منذ عام 1524 وألف قاموسا لاتينيا إغريقيا عبريا (بالحرف العبري) اسمه Dictionarium Trilingue مازال موجودا لحد الآن ومتوفرا مجانا على الإنترنت. نعم، اللغة العبرية تملك كراسي جامعية في الجامعات الأوروبية منذ القرن 16. إذن حالة اللغة العبرية والحرف العبري في إسرائيل وخارجها هي حالة مختلفة تماما (شكلا ومضمونا) عن حالة اللغة الأمازيغية وحرف تيفيناغ في البلدان الأمازيغية. ولا تجوز المقارنة بين الحرف العبري وحرف تيفيناغ لأن ظروفهما التاريخية القديمة والحديثة مختلفة تماما إلى درجة التناقض التام. من يقول: "انظروا إلى الحرف العبري! لقد نجح في إسرائيل! ولذلك سينجح تيفيناغ في المغرب!" هو يقوم بقياس خاطئ تماما وبمقارنة خاطئة تماما، لأنه غافل عن الحقائق التاريخية الحاسمة وعن المعطيات الميدانية والديموغرافية والسياسية والاقتصادية الحالية. لا قياس مع وجود الفارق الضخم. لا يجوز القياس والتشبيه مع وجود هذا الفارق الشاسع بين الحالتين العبرية والأمازيغية واختلاف الظروف بين المغرب/تامازغا وإسرائيل/فلسطين في العصر القديم وفي القرن العشرين. 2) الفرق بين الحروف: هل هو ذاتي أم موضوعي؟ يجب التوضيح أولا أنه لا يوجد عيب ذاتي ولا تفوق ذاتي في حرف تيفيناغ أو اللاتيني أو العربي أو العبري أو أي حرف آخر من الحروف التي اخترعها البشر. والفرق بين الحروف هو موجود فقط من حيث درجة منفعتها وعمليتها وملاءمتها للغة المعينة في الظروف المعينة المحيطة. أحيانا يكون حرف معين مناسبا أكثر لكتابة لغة معينة على أساس الظروف المحيطة وعلى أساس متطلبات اللغة المعينة. فالحرف اللاتيني مناسب أكثر لكتابة الأمازيغية من الحرف العربي بسبب "الحالة الحرفية" في المغرب أي طريقة استخدام المغاربة لهذا الحرف العربي في اللغة العربية والحرف اللاتيني في اللغات الأوروبية وبسبب متطلبات اللغة الأمازيغية أي خصائصها الذاتية وظروفها المجتمعية. فحينما يكتب المغاربة شيئا بالحرف العربي كأسمائهم الشخصية أو أسماء المدن أو غيرها فإنهم يكتبونه ب"طريقة عربية" أبجدية يختصرون فيها الصوائت (les voyelles أو vowels) بشتى الطرق، وأحيانا حسب المزاج، وذلك لأن الإملائية العربية السائدة تعامل 3 من صوائت العربية الستة ك"صوائت اختيارية مزاجية" (كْتبهوم غير ءيلا رشقات ليك). أما حينما يكتبون شيئا بالحرف اللاتيني فإنهم يكتبونه بشكل ألفبائي فونيتكي يحرصون فيه (حسب استطاعتهم) على تبيان كل صوائته وصوامته نافضين عنهم فجأة الكسل وحب الاختصار. فمثلا يكتب المغاربة دائما "تطوان" بالحرف العربي (بدل "تيطوان" مثلا) ولكنهم يكتبون Tétouan بالحرف اللاتيني (بالطريقة الفرنسية). مع الحرف العربي نجد في "تطوان" صائتا وحيدا وهو الألف بينما الكلمة المنطوقة تحتوي على صائتين، إذن فهذه الكتابة العربية كتابة ناقصة. فما الذي حصل؟ الذي حصل هو أن كاتب "تطوان" يستبطن وينوي مع نفسه وجود كسرة تحت حرف التاء ويتوقع أن القارئ "غادي يكمّل من عندو" على أساس أن "التكمال من عندك" شيء جرت عليه العادة في كتابة اللغة العربية التي غالبا ما لا تُكْتَبُ إلا 3 من صوائتها الستة. أما مع الحرف اللاتيني في Tétouan فلدينا صائتان هما é وa والدياغراف الفرنسي ou الذي يلعب هنا دور w. مع الكتابة اللاتينية نفض نفس الكاتب المغربي عن نفسه كل تكاسل وشمر عن ساعديه وبذل مجهودا أكبر لتبيان نطق الكلمة كاملا ولم يكتب مثلا ttouan، وبالتالي فتلك الكتابة الفرنسية Tétouan تعكس نطق صوائت الكلمة بشكل أحسن من الكتابة العربية ولكن الكتابة الفرنسية أيضا ناقصة بسبب محدودية إملائية اللغة الفرنسية التي لا تميز بين التاء والطاء (لانعدام الطاء عموما في الفرنسية) وتستعمل الدياغراف ou للتعبير عن w. الكتابة الأدق بالحرف اللاتيني لهذه الكلمة الأمازيغية كما ينطقها سكان المدينة هي: Tiṭwan. (بعض الناطقين بأمازيغية غمارة Ɣumara قرب المدينة ينطقونها: Tiṭṭawan بينما بعض الناطقين بأمازيغية الريف ينطقونها Tiṭṭawin). تَعَوُّدُ المغاربة وعامة الكاتبين بالعربية على الكتابة الكسولة أو المختصرة واستبطان علامات التشكيل هي عادات آتية من التقاليد الإملائية العربية العتيقة التي يرفض التقليدانيون إصلاحها. وهي تقاليد غير مناسِبة للأمازيغية وتؤدي إلى فوضى الكتابة وفقر النطق وتشويه اللغة ومشاكل في التعليم وإعاقة للغة عن التحول إلى لغة دقيقة واصفة للعلوم الحديثة وأسماء الأنساب والأسماء الجغرافية (لاحظ مثلا محنة العرب التي لا تنتهي مع أسماء المدن والبلدان: حِمْص/حُمْص، جَدَّة/جِدَّة/جُدَّة، الرِّباط/الرَّباط، تونِس/تونُس، تَطوان/تِطوان، طَهران/طِهران، فِلَسطين/فِلِسطين/فَلَسطين، عَمّان/عُمَان، مَرَاكِش/مُرَّاكُش/مَرَّاكِش ...إلخ). وكلها مشاكل وتعقيداتٌ الأمازيغيةُ في غنى عنها. فمثلا بسبب فوضى علامات التشكيل العربية ومزاجية كتابتها حسب كل شخص فالحرف العربي (كما يستخدمه الكاتبون باللغة العربية وحتى الفارسية) يكتب كلمة Tiṭṭawin الأمازيغية التي تعني "العيون" ب8 طرق مختلفة وهي: تِيطّاوِين، تِطّاوِين، تِطّاوِن، تِطَّوِن، تِيطَّوِين، تِطَّوِين، تِيطَّوِن، تِيطّاوِن. أما إذا تخلينا عن استخدام الشدة وعلامات التشكيل الأخرى (كما تفعل الغالبية الساحقة من الكاتبين بالعربية والفارسية) فستكون لدينا 8 طرق إضافية لكتابة الكلمة الأمازيغية Tiṭṭawin وهي: تيطاوين، تطاوين، تطاون، تطون، تيطوين، تطوين، تيطون، تيطاون. إذن فالحرف العربي (كما يستخدمه الكاتبون بالعربية والفارسية) يكتب نفس الكلمة الأمازيغية Tiṭṭawin ب16 طريقة بالتمام والكمال. إذا أخذنا بعين الاعتبار عشرات الآلاف من الكلمات الأمازيغية فهل يمكننا الآن تخيل الفوضى العارمة التي سيتسبب فيها استخدام الحرف العربي في كتابة الأمازيغية؟ إنها بلا شك ستكون فوضى عارمة تفوق الفوضى الموجودة في كتابات اللغة العربية (والفارسية أيضا) وذلك بسبب خصوصيات الأمازيغية واعتمادها الشديد على دقة الكتابة الإملائية لتحديد المعنى ووضعية الاسم والفعل في الجملة بل والتمييز بين الكلمات المختلفة. فمثلا الاسم الأمازيغي akal يعني "التراب/الأرض"، والاسم الأمازيغي akkal يعني "الخسارة"، والفعل الأمازيغي akel يعني "اُعْفُسْ/طَأْ (من العفس/الوطء)". والكلمة الأمازيغية Tmurt "تْمُورْت/تْمُرْتْ" هي هنا في وضعية الفاعل أو الحالة المُعْرَبَة، بينما Tamurt "تَمُورْت/تَامُورْت/تَامُرْت/تَمُرْت" هي هنا في وضعية المفعول به أو الحالة الحرة. العيب ليس في الحرف العربي في حد ذاته وإنما في طريقة استخدامه الشائعة وعدم تطوير القائمين على العربية (والفارسية) لنظام إملائي جديد للعربية (أو الفارسية) ولحروف جديدة وثابتة متعارف عليها تعبر مثلا عن الصوائت الثلاثة العربية القصيرة بجانب الصوائت الثلاثة الطويلة (ا.و.ي.). والعيب ليس في اللغة العربية فهي لغة مكتوبة عادية لا غبار عليها ولا مشكل فيها وإنما نظامها الحرفي والإملائي الشائع بين الناس يكتبها بشكل ناقص. الأمازيغية في غنى عن هذه المشاكل والمتاهات الحرفية الإملائية العربية. والحرف اللاتيني أنفع للأمازيغية تقنيا (الدقة والبساطة في الكتابة) ومجتمعيا (انتشار الحرف اللاتيني في المغرب والعالم وسيطرته على المجال العلمي). حرف تيفيناغ يكتب الأمازيغية بدقة أيضا ولكنه معدوم الوزن في المجتمع والمؤسسات ومعدوم الانتشارية بين الشباب والمثقفين ولا ينفع الأمازيغية حاليا. إذن الفرق بين الحروف يتمحور غالبا حول: - درجة انتشار الحرف المعين في المجتمع ومؤسساته العمومية. - طريقة استخدام الحرف في المجتمع وفي الأدبيات ومدى استجابة تلك الطريقة لمتطلبات اللغة المعينة. - درجة انتشار الحرف في المؤسسات التعليمية وعالم العلوم والتكنولوجيا والدراسات الأكاديمية المتعلقة باللغة المعنية أو بالعلوم عموما على المستويات الوطنية والعالمية. - وجود أو انعدام حروف منافِسة في المجتمع. - درجة (اختلال) التوازنات بين الحروف المتنافسة أو اللغات المتنافسة في المجتمع. هذا ما يحدد درجة نفعية حرف معين بالمقارنة مع حرف آخر في كتابة اللغة ونشرها بأكثر الطرق دقة وفعالية وبأقل التكاليف المادية وأقصر مدة زمنية ممكنة (خصوصا حينما تكون اللغة المعنية في طور الانقراض التدريجي كما هو الحال مع الأمازيغية بالمغرب). الحقائق الاقتصادية والديموغرافية والمؤسساتية والمجتمعية والأكاديمية هي التي تحدد الحرف النافع والحرف غير النافع بالنسبة للغة المعنية. إذن فحينما نتحدث عن تيفيناغ واللاتيني والعربي ونقول بأن الحرف اللاتيني هو الأكثر نفعا للأمازيغية في هذا المحيط وهذه المجتمعات وهذه الظروف، فنحن ننظر إلى تلك الحقائق الاقتصادية والديموغرافية والمؤسساتية والمجتمعية والأكاديمية المسيطرة في المغرب والجزائروتونس وليبيا وأوروبا والعالم. القضية ليست طبعا قضية جمالية لأن كل الحروف جميلة المظهر بشكل من الأشكال (اللاتيني، تيفيناغ، العربي، العبري، السرياني، الإغريقي ...). لا وجود لحرف قبيح. والقضية الأخرى التي يجب ذكرها هي أن اللغة أهم من الحرف. الحرف مجرد أداة أو لباس تلبسه اللغة لكي تكتب وتنقل به عبر النواقل الحجرية والجلدية والورقية والإلكترونية. ووظيفة الحرف هي خدمة اللغة، وليس العكس. حينما يقف حرف معين كحجر عثرة في وجه تقدم وانتشار لغة معينة أو في وجه إنقاذها من الانقراض فإن الشيء الواجب فعله هو التخلي عن ذلك الحرف (أو توجيهه للاستعمالات الفنية والرمزية مثلا) واستعمال الحرف النافع في المجالات الحيوية الضاغطة. الهدف الأسمى هو إنقاذ اللغة وتنميتها لتنفع هي بدورها المجتمع. الهدف ليس إنقاذ الحرف ولا خدمته. الهدف هو خدمة اللغة التي يتكلمها الناس لكي تخدمهم هي. 3) اللغة الأمازيغية أقدم من تيفيناغ وأهم من تيفيناغ: اللغة الأمازيغية هي التي تختار الحرف الأنفع لها. وهذا ما فعلته طيلة تاريخها مثلها مثل كثير من لغات العالم كالإنجليزية والدانماركية والتركية والإندونيسية والعبرية والفارسية. ليس الحرف هو الذي يختار اللغة. وإنما اللغة (عبر الكاتبين بها) هي التي تختار حرفها الذي ينفعها وفق معطيات العصر والمجتمع والاقتصاد والعلوم. ففي القديم منذ حوالي 2500 عام كانت الأمازيغية مكتوبة بالحرف الليبي الأمازيغي Libyco-Berber (وهو حرف مختلف بشدة عن حرف تيفيناغ الحالي). ثم في العصر الإسلامي منذ حوالي 1100 أو 1300 عام تخلت الأمازيغية عن الحرف الليبي الأمازيغي واستخدمت الحرف العربي في نقش الأسماء على شواهد القبور والعملات وكتابة المخطوطات الدينية (مثل "كتاب البربرية" بالأمازيغية الشرقية الليبية/التونسية القديمة حول الفقه الإباضي ل"بوغانم" Buɣanem من القرن 9 الميلادي) والشعر الأمازيغي (مثل "بحر الدموع" ل Muḥemmed Awzal وهو كاتب سوسي من القرن 17 الميلادي) والقصص وبعض القواميس (مثل "كتاب الأسماء" ل"ابن تونارت" Ibn Tunart من القرن 12 الميلادي). ثم في القرن العشرين تخلت الأمازيغية عن الحرف العربي وانتقلت إلى الحرف اللاتيني في المغرب والجزائر (في أغلب الكتابات الأدبية والشعرية والدراسات والقواميس). واستمر استخدام الحرف اللاتيني في غالبية الكتابات الأمازيغية في القرن العشرين إلى غاية عام 2003 حينما تم النكوص فجأة في المغرب عن الحرف اللاتيني (بسبب ضغوط سياسية من طرف الإسلاميين وتخاذل كثير من المدافعين عن الأمازيغية). منذ 2003 قرر الإركام إعداد كتب مدرسية للابتدائي باستخدام نسخة جديدة معدلة من حرف تيفيناغ يسمى علميا Neo-Tifinagh (أي "تيفيناغ الجديد") والذي هو مشتق من تيفيناغ الطوارق الذي يسمى علميا Tifinagh. أما الجزائر فهي مازالت مستمرة في تدريس اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني في معظم المدارس التي توفر مادة الأمازيغية. الانتقال من حرف إلى آخر حدث في لغات عديدة أخرى مثل الإنجليزية التي كانت إلى غاية القرن 9 الميلادي مكتوبة بالحرف الروني الجرماني Runic alphabet ثم انتقلت إلى الحرف اللاتيني. وكذلك اللغة التركية كانت مكتوبة بالحرف التركي القديم في آسيا الوسطى والمسمى Old Turkic alphabet أو Göktürk script، ثم انتقلت إلى الحرف العربي في العصر الإسلامي ثم إلى الحرف اللاتيني في القرن العشرين. ونفس القصة بالضبط نجدها مع اللغتين الشقيقتين الإندونيسية والماليزية، حيث كانتا قديما منقوشتين بحروف محلية قديمة مثل Pallava script وAskara Kawi أو Javanese script ثم انتقلتا إلى الحرف العربي في العصر الإسلامي ثم إلى الحرف اللاتيني منذ القرن العشرين وإلى الآن. واللغة الفارسية كانت مكتوبة بالحرف البهلوي Pahlavi script ثم تخلت عنه وانتقلت إلى الحرف العربي في العصر الإسلامي. وحاول بعض الإيرانيين الحداثيين في القرن العشرين التخلي عن الحرف العربي والانتقال إلى اللاتيني مثل الأتراك ولكن المشروع فشل بسبب معارضة رجال الدين الإيرانيين له. أما العبرية فقد كانت قديما مكتوبة بالحرف العبري القديم Paleo-Hebrew alphabet (في النقوش الحجرية والتوراة) وهو حرف مختلف تماما عن الحرف العبري الحالي المشتق من الحرف الأرامي Aramaic والذي نشرته الإمبراطورية الفارسية الأخمينية في المنطقة. وحروف/رسوم اللغة اليابانية الحالية هي خليط من الحروف المقطعية اليابانية المحلية Kana وحروف/رسوم صينية Kanji. استورد اليابانيون الحروف/الرسوم الصينية لسد نقص في كتابتهم. واللغة العربية كانت مكتوبة بالحرف السرياني في بعض مناطق سوريا في كتابات يسميها الباحثون Garshuni أو Karshuni. وكان من عادة يهود الأندلس والبلدان الأمازيغية أن يكتبوا مؤلفاتهم العربية بحروف عبرية مثل الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون Maimonides (الأندلسي) ويهوذا بن قريش Judah ibn Kuraish التيارتي/التاهرتي (الجزائري). إذن فالكثير من اللغات الديناميكية غيرت من حروفها وخطوطها بسبب تغيرات مجتمعية وسياسية واقتصادية ودينية. اللغة الأمازيغية (في لهجتها القديمة الأولى) عمرها ما بين حوالي 7000 عام حسب Naïma Louali و10.000 عام تقريبا حسب Alexander Militarev. وعمر اللغة الأفروآسيوية (النظرية) هو حوالي 12.000 عام حسب Alexander Militarev. أما الحرف الليبي الأمازيغي Libyco-Berber فعمره حوالي 2400 أو 2500 عام حسب Salem Chaker وGabriel Camps. وتيفيناغ الطوارق Tifinagh عمره ما بين حوالي 500 عام و1600 عام حسب تقديرات نفس الباحثين. أما حرف Neo-Tifinagh (التيفيناغ الجديد الذي يستخدمه الإركام) فهو تطوير حديث في القرن العشرين مشتق من تيفيناغ الطوارق مع إضافات لحروف جديدة وتعديلات أخرى عديدة. 4) ما هي العلاقة بين استخدام حرف تيفيناغ وسقوط الإركام في الأغلاط؟ الكاتب بأية لغة وأي حرف هو معرض لارتكاب الأغلاط. الأغلاط اللغوية النحوية والترجمية العابرة (أي قليلة العدد) لا مشكل فيها ويرتكبها حتى كبار الكتاب والمؤلفين. أما تكرر الأغلاط اللغوية النحوية والترجمية بشكل متماسك consistently وضخامة أعدادها في نفس الكتاب أو نفس النص فهو يدل على عدم إلمام الكاتب بجوانب مهمة من أساسيات اللغة في الجانب الكتابي والتعبيري منها أو عدم بذل ما يكفي من الجهد والوقت أو عدم استخدام المراجع اللغوية الضرورية. الأغلاط الإملائية والمطبعية العابرة (قليلة العدد) هي أيضا عادية ونلاحظها حتى في كبريات الجرائد والمؤلفات والمطبوعات الأكاديمية. أما حينما يكون عدد الأغلاط الإملائية والمطبعية ضخما بل وبائيا في كتاب معين (كالترجمة الإركامية للدستور المغربي) فهو يدل على أن الكاتب إما لا يتقن الكتابة بالحرف المعين (غير متعود عليه مثلا) أو أنه هو أو اللجنة المشرفة قد فشلوا في قراءة وفحص ما كتبوه واكتشاف الأغلاط التي ارتكبوها. حينما يكون الحرف المستخدم جديدا على الكاتبين به فسترتفع احتمالية ارتكابهم أخطاءً إملائية ومطبعية إلا إذا توخوا درجات استثنائية من الحرص وطبقوا مستويات متعددة من الرقابة والفحص المتكرر لفلترة filtration النصوص وعزل الأغلاط النحوية والترجمية والإملائية وتصحيحها. يمكن توضيح هذه النقطة بهذا الشكل المبسط: عدم إتقان الحرف الجديد == ارتفاع احتمالية ارتكاب أخطاء إملائية ومطبعية. عدم إتقان الحرف الجديد == ارتفاع احتمالية عدم الانتباه إلى الأغلاط النحوية والتعبيرية والترجمية والإملائية والمطبعية المرتكبة من طرف الكاتب نفسه أو كاتب آخر. عندما فشلت اللجنة الإركامية المشرفة على ترجمة الدستور في اكتشاف مئات الأغلاط الترجمية مثل ذلك الغلط في الفصل 4 الذي يقول بالأمازيغية وبحرف تيفيناغ بأن عَلَمَ المغرب توجد فيه "علامة ذات أربعة رؤوس" بدل أن يقول أن عَلَم المغرب توجد فيه "نجمة خماسية الفروع" فإن الواضح أن: - من كتب ذلك ارتكب أغلاطا، ولم يفحص ما كتبه. - اللجنة المدققة أو المشرفة فشلت في قراءة وفحص وتصحيح ما كُتِبَ، ولم تنتبه إلى الأغلاط. إما أن اللجنة المكلفة بترجمة الدستور لم تقرأ نص الترجمة بتاتا، وإما أن اللجنة قرأت النص الأمازيغي التيفيناغي ولكنها لم تستوعب ما قرأته، أو لم تقرأه بدقة فاحصة وإنما مرت عليه مرورا سطحيا عابرا. التفسير المنطقي لكل هذا هو أن حرف تيفيناغ جديد حتى على الأكاديميين المشتغلين في الإركام إلى درجة أنهم لا يتقنون الكتابة به بما يكفي ولا يتقنون قراءة نصوصه بما يكفي. فهم لم يدرسوه في صغرهم وشبابهم وحتى في حياتهم الأكاديمية وأبحاثهم حول الأمازيغية. ومازالوا يشتغلون (في ميدان الأمازيغية بالذات) بالحرف اللاتيني لحد الآن. وكل القواميس الأمازيغية التي يستخدمونها كمراجع هي مكتوبة في غالبيتها الساحقة بالحرف اللاتيني وبضعة منها مكتوبة بالحرف العربي مثل المعجم العربي الأمازيغي لمحمد شفيق. وفي المقابل نجد ان الأكاديميين المغاربة في دراساتهم حول الأمازيغية يتقنون استعمال الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية، كما رأينا في العديد من المنشورات العلمية للإركام التي ألفها لسانيون مغاربة في ميدان الأمازيغية وبالحرف اللاتيني. حينما لا يتقن شخص حرفا معينا بدرجة عالية فإنه معرض لِ: - ارتكاب أخطاء إملائية بذلك الحرف أضعافا مضاعفة مما لو كان يتقن ذلك الحرف بدرجة عالية. - عدم الانتباه أو عدم الوعي بالأخطاء النحوية والترجمية والبلاغية والتعبيرية المكتوبة بذلك الحرف رغم أن سببها ليس ذلك الحرف. فعدم التعود على القراءة السريعة والفعالة بذلك الحرف أو عدم إتقان ذلك الحرف بشكل كاف يجعل تلك الأغلاط الترجمية والنحوية صعبة الاكتشاف على القارئ غير الفاحص. إذا كان المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأكاديمييه المتخصصين المتفرغين قد سقط في هذه الأغلاط الترجمية والنحوية والإملائية والمطبعية الكثيرة والفادحة في ترجمته للدستور إلى الأمازيغية بحرف تيفيناغ ولم ينتبه إليها طيلة عامين (منذ 2013 ونحن الآن في أواخر 2015) فلتتخيلوا كيف ستكون حالة الأمازيغية في الإدارات والمدارس وبقية المؤسسات حيث لا يوجد متخصصون أكاديميون في الأمازيغية وحيث الجميع تقريبا أميون في الأمازيغية كلغة مكتوبة، زيادة على أنهم لا يقرأون تيفيناغ بتاتا! تخيلوا ضخامة الوقت الذي ستتطلبه عملية محو الأمية التيفيناغية في وقت يحتاج فيه المغرب إلى محو الأمية الأمازيغية. المشكل هو أنه بدل توجيه الأموال والوقت والمجهود إلى نشر اللغة الأمازيغية نفسها ينخرط الإركام في توجيه الأموال والمجهود إلى نشر حرف تيفيناغ (Neo-Tifinagh). 5) الحل السحري والحل العملي: مما لاشك فيه أن هذا الحرف اللاتيني (ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ) ليس حلا سحريا لمشاكل تدريس وترسيم ونشر اللغة الأمازيغية. وإنما هو حل عملي يناسب ظروف المغرب وظروف اللغة الأمازيغية واحتياجاتها، ويختصر الوقت والمجهود ويقتصد الموارد البشرية والمالية ويُقرّب اللغة الأمازيغية من الشباب المغاربة والمثقفين والمتعلمين بدل تشفيرها وتصعيبها عليهم. أما حرف تيفيناغ فيمكن استخدامه في المجالات الرمزية والفنية، ويجب تدريسه كتراث أمازيغي ومغربي لكل التلاميذ المغاربة. بل يجب تدريس كل التراث الكتابي الأمازيغي للأطفال والشباب (سواء في حصة التاريخ أو حصة اللغة الأمازيغية) بما فيه حروف Libyco-Berber الليبية النوميدية والكنارية والمورية/المغربية العريقة والأصيلة وTifinaɣ الطوارقي الكلاسيكي الصحراوي العريق والأصيل. أما التدريس العملي الوظيفي للغة الأمازيغية في الثانوي والإعدادي والابتدائي والجامعات، واستخدامها الإداري فالأحسن والأنفع هو أن يكون بالحرف اللاتيني لأن ذلك سيسرّع نشر الأمازيغية وجعلها لغة إدارية واقتصادية ووظيفية وإعلامية نافعة للمجتمع وناقلة للعلوم والثقافات ومساهِمة في الدمقرطة والتنمية. [email protected]