مفتي القدس يشيد بدعم المغرب تحت قيادة جلالة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية بين الشلل التيفيناغي وفرصة النهضة بالحرف اللاتيني
نشر في هسبريس يوم 15 - 02 - 2015


(الجزء 4)
في سياق مسألة تدريس ونشر وترسيم الأمازيغية وقضية الحرف اللاتيني وحرف تيفيناغ، من المهم جدا ان تكون لدينا رؤية واضحة حول منشأ ومصدر بعض الحروف والأبجديات الأخرى الموجودة في العالم، ونعرف أصلها ومسار تطورها حتى لا نغرق في الأيديولوجية فنلحق ضررا بمشروع تدريس ونشر وترسيم اللغة الأمازيغية، من حيث لا نشعر. وسنحاول في هذا المقال أن نكتشف معا من أين جاء تيفيناغ ومن أين جاء الحرف اللاتيني وغيرهما من الحروف، حسب النظرية العلمية السائدة.
وقبل ذلك لابد من معالجة "الحالة العبرية الإسرائيلية" وما يشابهها من حالات "الحرف المحلي الناجح" (الياباني، الصيني، الهندي، الإغريقي، ...إلخ) التي تشكل نوعا من التبرير يستشهد به محبو تيفيناغ لرفض تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني. فتلك "الحروف المحلية" هي فعلا ناجحة في بلدانها ولكن ظروف تلك البلدان (إسرائيل، اليابان، الصين، الهند، اليونان، ...إلخ) مختلفة تماما عن ظروف الأمازيغية وتيفيناغ في البلدان الأمازيغية. وبالتالي فلا مقارنة مع وجود الفارق الضخم بين الحالة الأمازيغية من جهة والحالات الإسرائيلية العبرية واليابانية واليونانية من جهة أخرى.
1) الحالة العبرية الإسرائيلية مختلفة تماما عن الحالة الأمازيغية المغربية الجزائرية:
يحب المساندون لتيفيناغ المعارضون لتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني أن يستشهدوا بالمثال الإسرائيلي فيما يتعلق باللغة العبرية وحرفها، ويقولون ما مضمونه: "انظروا إلى المثال الإسرائيلي! إسرائيل دولة صغيرة ومع ذلك نجحت في إحياء وكتابة لغتها الميتة بالحرف العبري الأصيل المحلي وبدأت من نقطة الصفر!". هذا كلام خاطئ تماما.
المثال العبري الإسرائيلي لا تقاس عليه الحالة الأمازيغية المغربية – الجزائرية إطلاقا لأن ظروف الحالتين الأمازيغية والعبرية مختلفتان كاختلاف كوكب الأرض عن كوكب زحل. العبرية وحرفها في إسرائيل الحديثة لم يبدآ من نقطة الصفر. اللغة العبرية ماتت شفويا منذ قرون ولكنها لم تَمُتْ كتابيا أبدا لأن اليهود استمروا في كتابتها وتعليمها ومارسوا شعائرهم الدينية بها. وقرأوا ودرسوا كتابهم المقدس بالعبرية في مئات المعابد اليهودية عبر العالم على مدى قرون، وإلا لانقرض الدين اليهودي. والعبرية كانت تدرس في الجامعات الأوروبية بالحرف العبري منذ قرون. وأنجِزت مؤلفات عبرية عديدة في الأندلس وأوروبا منذ قرون بالحرف العبري (شعر، عقائد، قواميس...) سأكتفي منها بذكر مثالين:
- المثال الأول هو مؤلفات يهود الأندلس كالفيلسوف موسى بن ميمون Maimonides في القرن 12 ميلادي الذي ألف باللغة العبرية وكتب أيضا بالعربية باستعمال الحرف العبري (نعم كتب العربية بالحرف العبري – ليس هنا خطأ مطبعي). وكل تلك المؤلفات متوفرة على الإنترنت بالمجان.
- المثال الثاني هو القاموس اللاتيني – الإغريقي – العبري Dictionarium trilingue الذي صدر في مدينة Basel في سويسرا عام 1530، عن البروفيسور المسيحي الألماني Sebastian Münster الذي كان أستاذا للغة العبرية بجامعة Basel بسويسرا (هذا القاموس متوفر على Google Books بالمجان).
يجب التنبيه إلى أن العبريين القدامى في إسرائيل/فلسطين القديمة (قبل حوالي 2500 عام من الآن) كانوا يكتبون كتابهم المقدس بالحرف العبري القديم Paleo-Hebrew alphabet وهو مشتق مباشرة من الحرف الفينيقي ومختلف تماما عن الحرف العبري الحالي Hebrew alphabet. وتم العثور على نقوش وبعض شذرات مخطوطات توراتية بذلك الحرف العبري القديم المختلف تماما عن الحرف العبري الحالي. واستبدل العبريون القدامى الحرف العبري القديم تدريجيا بحرف عبري جديد اشتقوه من الحرف الآرامي تحت تأثير الإمبراطورية الفارسية التي حكمت المنطقة واستخدمت الحرف الآرامي بجانب حروف أخرى.
وكما أن حالة العبرية وحرفَيْها الاثنين في العصر القديم مختلفة تماما عن حالة الأمازيغية وحرفِ تيفيناغ فكذلك حالةُ وظروفُ اللغة العبرية والحرفِ العبري في عصرنا الحديث (منذ بداية القرن العشرين) مختلفة تماما عن حالة وظروف الأمازيغية الآن.
فخلال الاحتلال البريطاني لفلسطين أصبحت العبرية لغة رسمية في فلسطين منذ 1922 بمساواة كاملة مع العربية والإنجليزية. وذلك وفق الفقرة 82 من القانون الذي أصدرته بريطانيا حول فلسطين في 10 غشت 1922. والمصدر موجود على موقع الأمم المتحدة عبر هذا الرابط: http://goo.gl/m46DA0 وأصدر البريطانيون عملة جديدة هي "الجنيه الفلسطيني" عام 1927 واستعملوا الإنجليزية والعربية والعبرية في أوراق ونقود هذه العملة (ابحث عن صورها في Google). كما أن عدة مدارس وجامعات عبرية في فلسطين تأسست على يد النشطاء والمستوطنين والمستثمرين اليهود الوافدين قبل تأسيس إسرائيل بأزيد من 30 سنة. فالمعهد العبري Bezalel Academy للفنون والتصميم تأسس في القدس عام 1906. ومعهد Technion العبري للتكنولوجيا المتقدمة تأسس عام 1912 في حيفا وزاره Albert Einstein عام 1923. والجامعة العبرية في القدس وضعت حجر أساسها عام 1918 وفتحت أبوابها للطلبة عام 1925. وتأسس معهد Weizmann للعلوم قرب تل أبيب عام 1934.
وعلى مستوى الإعلام، تأسست 4 صحف يومية بالحرف العبري في فلسطين قبل تأسيس إسرائيل وهي: صحيفة Haaretz عام 1919 وصحيفة Davar عام 1925 وصحيفة Haboker عام 1935 وصحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 1939. وهذه الصحف لم تكن موجهة للأطفال طبعا وإنما كانت موجهة للسكان البالغين القادرين على قراءة الأخبار بالحرف العبري، وهذا يعني أن أغلب كُتّاب وقراء تلك الصحف تعلموا العبرية والحرف العبري سلفا منذ وقت طويل خارج فلسطين، في أوروبا وروسيا.
فلسطين كانت تحت الحكم العثماني إلى غاية 1920 حين احتلها البريطانيون. ولم تكن فيها مدارس نظامية تدرس العبرية للأطفال والشباب مثلا. وفي 1922 كانت نسبة اليهود لا تتجاوز 11% من مجموع سكان فلسطين ومعظمهم مهاجرون جدد من أوروبا وروسيا. وكانت فلسطين العثمانية بلدا فقيرا بلا جامعات ولا مدارس حديثة. أما العلماء والكتاب اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين منذ حوالي عام 1900 أو 1920 وأسسوا الجامعات والصحف العبرية في فلسطين (قبل تأسيس إسرائيل) فقد تعلموا العبرية وحرفها غالبا في أوروبا وروسيا منذ زمن طويل. إذن ليست هناك معجزة ولا إحياء عجائبي خارق للغة العبرية في فلسطين/إسرائيل ولا بداية من نقطة الصفر، وإنما العبرية كانت ببساطة تدرس في أوساط اليهود بأوروبا وروسيا منذ قرون. بل إن حتى الدارسين المسيحيين الأوروبيين كانوا جد مهتمين باللغة العبرية ويدرسونها منذ قرون طويلة لسبب بسيط هو أن "العهد القديم" (نصف الكتاب المقدس المسيحي) مكتوب بالعبرية في نسخته الأصلية الأولى، بينما "العهد الجديد" (النصف الآخر) مكتوب في نسخته الأصلية الأولى بالإغريقية.
باختصار: العبرية كانت تدرس وتكتب في أوروبا بالحرف العبري من طرف الأقلية اليهودية ومن طرف دارسي الدين المسيحي في الجامعات الأوروبية طيلة قرون، ولم تَمُتْ كتابيا أبدا.
بعد رحيل الحكم البريطاني وتأسيس إسرائيل عام 1948 بقيت العبرية والعربية رسميتين قانونيا وتم إلغاء رسمية الإنجليزية. وأصبح الجو خاليا للعبرية وحرفها بقوة السلاح والسلطة. ولم يعد للعبرية لغة تنافسها بعد أن تم سحق الفلسطينيين وتهميش العربية التي مازالت لحد الآن لغة رسمية لإسرائيل (بالمساواة مع العبرية) قانونيا على الورق. ولكن العربية مهملة غالبا في المؤسسات الإسرائيلية إلا في بعض الاستثناءات. وغالبا ما لا تدرّس العربية في إسرائيل إلا للأطفال الإسرائيليين ذوي الأصل الفلسطيني بينما تدرّس العبرية للجميع بشكل إجباري، علما أن إسرائيل لا تملك دستورا لحد الآن.
أسوق هذه المعلومات لكي أبين ما يلي:
- اللغة العبرية لم تمت كتابيا وإنما ماتت شفويا فقط. وبقيت نشيطة كتابيا طيلة تاريخها المسجل.
- نجاح العبرية وحرفها العبري في إسرائيل في القرن العشرين (الذي يستشهد به هواة تيفيناغ كثيرا) ليس معجزة ولا شيئا خارقا. هو فقط نتيجة لتمتع اللغة العبرية وحرفها العبري باعتراف ورعاية الاحتلال البريطاني منذ 1922 كلغة رسمية لفلسطين بمساواة كاملة مع العربية والإنجليزية. ونجاح العبرية وحرفها العبري تعزز أضعافا مضاعفة بفضل الرعاية الحصرية اللامشروطة والمطلقة التي تمتعت بها في ظل الدولة الإسرائيلية الحديثة منذ 1948. اللغة العبرية والحرف العبري تمتعا بالتدريس والترسيم والتعميم الشامل على مدى قرن من الزمن في فلسطين/إسرائيل الحديثة دون مضايقات ولا تأخيرات ولا مشاحنات حزبية ولا منافسة ولا "قمع مخزني". وزيادة على ذلك فالعبرية في إسرائيل الحديثة لم تبدأ من الصفر بل هي أسست على التراكم اللغوي الديني التوراتي اليهودي الذي بقي حيا دائما في المعابد اليهودية في أوروبا وروسيا وحتى في تامازغا.
وما نقوله عن نجاح الحرف العبري في إسرائيل/فلسطين منذ 1922 نقوله أيضا عن نجاح الحرف الياباني في اليابان ونجاح الحرف اليوناني في اليونان والكوري في كوريا، ... إلخ. ففي اليابان مثلا لم تكن اللغة اليابانية والحرف/الرسم الياباني يعانيان من قمع الدولة اليابانية ولا من مزاحمة ومنافسة حروف أخرى ولغات أخرى داخل اليابان. وإنما كان الجو دائما صافيا وخاليا للغة اليابانية والحرف الياباني على مجموع التراب الياباني. لذلك نجح الحرف الياباني بسهولة – فالمنافسة منعدمة والظروف مثالية (علما أن اليابانيين غيروا وعدّلوا حروف كتابة لغتهم مرات عديدة في تاريخهم بمحض إرادتهم). هذه الظروف في إسرائيل واليابان واليونان والهند وتايلاند لا تنطبق على حالة الأمازيغية في المغرب والجزائر حيث المنافسة بين اللغات محتدمة والدولة سحقت الأمازيغية طيلة القرن العشرين، ومازالت منحازة دائما وأبدا إلى كل اللغات الأخرى ضد الأمازيغية.
مَثَلُ اليابان التي اعتنت بلغتها وإسرائيل التي اعتنت بلغتها واليونان التي اعتنت بلغتها كَمَثَلِ شخصٍ يعتني بصحته وجسمه كما يجب. أما دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا التي أهملت وقمعت لغتها الأصلية الأمازيغية فمَثَلُها كَمَثَلِ شخصٍ يهمل صحته بل يُنزل الضرر على نفسه بيديه ويطعن جسده بالسكاكين والآلات الحادة!
إذن لا يعقل أن نقارن حالة العبرية والحرف العبري بحالة الأمازيغية وتيفيناغ. الأمازيغية عانت من الإهمال من طرف أهلها (سكان تامازغا) ومن التهراس الممنهج من طرف الدولة المغربية / الجزائرية / التونسية / الليبية طيلة القرن ال20. بل ما زالت الدولة (في المغرب والجزائر مثلا) لحد الآن تتحايل وتراوغ وتماطل في الأمازيغية، في ظل سيطرة ساحقة للفرنسية بالحرف اللاتيني على الاقتصاد والتعليم والإدارة وفي ظل هيمنة العربية أيضا على جزء من الإدارة والتعليم والإعلام مستفيدة من رأسمالها الديني الحصري.
2) حالة اللغة العربية الفصحى هي الأقرب إلى حالة اللغة العبرية:
إن مقارنة ومساواة الحالة الأمازيغية مع الحالة العبرية حاليا فيما يخص الحرف والكتابة هو خطأ في خطأ. المقارنة الصحيحة هي بين العبرية والعربية الفصحى لأنهما لغتان دينيتان ماتتا شفويا / شعبيا منذ قرون ولكن بقيتا حيتين نشيطتين كتابيا ودينيا إلى حد الآن. ثم بدأت عملية إحيائهما وتنشيطهما شفويا في التلفزة والإذاعة والتعليم والسياسة في القرن العشرين كما نعلم، وعلى حساب لغات أخرى في كثير من الأحيان. فالعربية الفصحى والدارجات توسعت في المغرب والجزائر وتونس وليبيا في القرن العشرين على حساب الأمازيغية. وتوسعت العربية الفصحى والعاميات العربية في سوريا والعراق على حساب الكردية والسريانية. أما العبرية فقد توسعت جغرافيا في فلسطين/إسرائيل الحديثة على حساب العربية.
ولمن يحب لغة الأرقام:
- العبرية لغة رسمية رئيسية طيلة 92 عاما في فلسطين/إسرائيل الحديثة (منذ 1922).
- الفرنسية والعربية لغتان رسميتان للمغرب طيلة 102 من الأعوام (منذ 1912).
- الأمازيغية لغة رسمية ثانوية شكلية للمغرب طيلة 3 سنوات ونصف (منذ 2011) وبشكل مقيد وممرحل ومؤجل لم يتم البت فيه بعد! قارن بين 92 سنة و102 سنة و3 سنوات واحكم بنفسك! حينما نستوعب هذه الحقائق ونستوعب الظروف اللغوية الحالية في المغرب (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا) سنفهم جيدا لماذا الحرف اللاتيني هو أحسن حل لكتابة وتدريس وترسيم ونشر الأمازيغية على أوسع نطاق بأقل قدر من ضياع الوقت والجهد.
3) أصل الأبجديات: الهيروغليفيات القبطية
رغم أن السومريين Sumerians (سكان العراق القديم) هم أول من اخترع الكتابة وسبقوا الأقباط وكل الحضارات الأخرى في آسيا وأوروبا وأفريقيا إلا أن كل الأبجديات الحالية ليست متفرعة من الكتابة السومرية. يتفق معظم علماء الأبجديات واللغويات والنقوش حاليا على أن الهيروغليفيات القبطية هي الأصل الأقدم شبه المؤكد لكل أبجديات البحر المتوسط وتامازغا وأوروبا وغرب آسيا، بما فيها الأبجديات اللاتينية والتيفيناغية والجرمانية والإغريقية والفينيقية والفارسية والسريانية واليمنية والنبطية والعبرية والعربية والتركية القديمة.
(راجع مثلا كتاب A History of Writing لمؤلفه: Steven Roger Fischer).
ويرى العلماء أن الحرف السينائي القديم Proto-Sinaitic هو أول وأقدم حرف أبجدي تطور من الهيروغليفيات القبطية (الهيروغليفيات لا تعتبر حروفا وإنما هي "رسوم لغوية"). ويسمى ب"الحرف السينائي القديم" لأنه اكتشِف لأول مرة في جنوب غرب سيناء عام 1904 قبل اكتشاف عينات أقدم منه في منطقة الأقصر في جنوب مصر عام 1998 من طرف باحثين أمريكيين في موقع أثري يسمى "وادي الهول" Wadi el-Hol. ويرجع تاريخ ظهور "الحرف السينائي القديم" في بلاد القبط إلى حوالي عام 1800 قبل الميلاد. ثم مِن رَحِم الحرف السينائي القديم وُلِدت وتطورت حروف أخرى من بينها الحرف الفينيقي الذي يرجع تاريخ ظهوره إلى حوالي عام 1050 قبل الميلاد.
كخلاصة: النظرية السائدة الآن لدى العلماء والمتخصصين هو أن الحرف السينائي القديم Proto-Sinaitic تطور في بلاد القبط في مدن ضفاف النيل من نظام الهيروغليفيات القبطية. ومن ذلك الحرف السينائي القديم تفرعت بقية الأبجديات الموجودة حاليا. (راجع ص: 83 إلى 93 من الكتاب المذكور أعلاه). وهذه هي سلاسل أنساب بعض الأبجديات والألفبائيات حسب النظرية العلمية التي يعتمدها معظم العلماء والمتخصصين حاليا:
الحرف السينائي القديم:
Egyptian hieroglyphs Proto-Sinaitic الحرف الفينيقي:
Egyptian hieroglyphs Proto-Sinaitic Phoenician
الحرف الإغريقي (اليوناني):
Proto-Sinaitic Phoenician Greek
حرف تيفيناغ:
Proto-Sinaitic Phoenician Libyco-Berber Tifinagh Neo-Tifinagh
الحرف اللاتيني:
roto-Sinaitic Phoenician Greek Etruscan Latin
الحرف الروني (الجرماني):
Proto-Sinaitic Phoenician Greek Old-Italic Runic
الحرف العربي:
Proto-Sinaitic Phoenician Aramaic Syriac Nabataean Arabic
حرف المُسنَد اليمني:
Proto-Sinaitic South Arabian alphabet
الحرف العبري القديم:
Proto-Sinaitic Phoenician Paleo-Hebrew
الحرف العبري الجديد:
Proto-Sinaitic Phoenician Aramaic Hebrew
الحرف الآفستاني الفارسي الإيراني القديم:
Proto-Sinaitic Phoenician Aramaic Pahlavi Avestan
الحرف القبطي الحديث (خليط من مَصدرين اثنين):
Proto-Sinaitic Phoenician Greek Coptic
Egyptian hieroglyphs Hieratic Coptic
الحرف التركي القديم (آسيا الوسطى):
Proto-Sinaitic Phoenician Aramaic Syriac Sogdian Old Turkic
4) أنواع تيفيناغ الثلاثة:
في الميثولوجيا (الأساطير) الأمازيغية ينسب الطوارق في حكاياتهم الشعبية اختراع حروف Tifinaɣ إلى زعيم أسطوري أمازيغي اسمه Aniguran أو Amamellen ويحكى أن من خصاله الحكمة والعلم والبطولة.
من الناحية العلمية يُقَدِّر اللساني الأمازيغي الدكتور Salem Chaker وغيره تاريخ أقدم نقوش حرف Libyco-Berber في حوالي عام 500 قبل الميلاد. ويقدر Salem Chaker انقطاع استخدام تيفيناغ من شمال تامازغا في حوالي عام 600 أو 700 ميلادي لأن المؤرخين الأوروبيين من القرنين الخامس والسادس الميلاديين ذكروا وجوده في تامازغا بينما لم تذكره المصادر الإسلامية اللاحقة. ويستبعد Salem Chaker أن يكون تيفيناغ اختراعا أمازيغيا محليا 100% دون أي تأثير أجنبي لأنه لا توجد مرحلة الكتابة اللغوية بالصور والرسوم في تامازغا على غرار الهيروغليفيات القبطية. فاخترع الكتابة في سومر (العراق القديم) والمكسيك وبلاد القبط والصين بدأ أولا ب"الرسوم اللغوية" (كالهيروغليفيات القبطية والمكسيكية والرسوم اللغوية الصينية) كخطوة بدائية قبل الانتقال إلى مرحلة الأبجدية ثم الألفبائية. طبعا فالأمازيغ القدامى نقشوا صورا لحيوانات وبشر وأشجار على الصخور في العديد من مناطق تامازغا قبل اختراع الكتابة بوقت طويل، ولكن تلك الرسوم ليس "رسوما لغوية" كالهيروغليفيات القبطية والمكسيكية وإنما هي فقط رسوم فنية.
ويعتقد الدارسون أن كلمة Tifinaɣ الأمازيغية جاءت ربما من كلمة Punicus الرومانية اللاتينية التي تعني "بونيقي". وحسب النظرية العلمية السائدة والمعطيات المتوفرة، هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الكتابة الأمازيغية مرتبة حسب أقدميتها:
- النوع الأول: Libyco-Berber : هو أقدم أشكال الكتابة الأمازيغية ويعود تاريخه إلى حوالي 2400 سنة مضت كحد أدنى وقد يصل إلى 3000 سنة مضت. ويعتقد باحثون مثل Lionel Galand أن هذا الحرف ظهر حوالي عام 400 قبل الميلاد. وأقدم منقوشة نوميدية أمازيغية مؤرَّخة بشكل مؤكَّد نُقِشت بهذا الحرف ترجع إلى عام 138 ق.م. في عهد الملك النوميدي ميكيبسا Micipsa (أو Mikiwsen بالأمازيغية) الذي هو ابن الملك النوميدي Masinissa (أو Masensen بالأمازيغية). وهذه المنقوشة المشهورة من الضريح الملكي النوميدي بمدينة Thugga الأمازيغية النوميدية الأثرية في تونس (محفوظة في المتحف التونسي). وهي منقوشة بالحرفين: ال Libyco-Berber (الليبي–الأمازيغي) والبونيقي. أما آلاف المنقوشات الصخرية ومنقوشات الضرائح والمقابر الأمازيغية الأخرى المنتشرة عبر العالم الأمازيغي فهي أقدم من ذلك بقرون على الأرجح بسبب مظهرها البدائي ويقدر بعض الباحثين أن قِدَمَ بعضها قد يصل إلى ما قبل 600 ق.م. حسب الباحث Salem Chaker، ولكن لا يُعرف تاريخ نقشها بالضبط.
حرف Libyco-Berber مشتق حسب النظرية العلمية السائدة من الحرف الفينيقي أو من البونيقي وطوره الأمازيغ – الليبيون القدامى وأضافوا إليه أشكالا جديدة وأنواعا متشعبة. ويميل الباحثون إلى الأصل الفينيقي عوض البونيقي بسبب الاختلاف الشديد بين حرف Libyco-Berber والحرف البونيقي. علما أن الحرف البونيقي هو نفسه مشتق من الحرف الفينيقي، لكن البونيقي تطور وتحور في بلاد الأمازيغ من حيث الشكل وطريقة الكتابة.
هناك أنواع من نقوش حرف Libyco-Berber من بينها النوع النوميدي Numidian وهو الأشهر (تونس وشرق الجزائر وليبيا)، ونقوش النوع الغربي (المغرب وغرب الجزائر)، ونقوش النوع الكناري. وتتكون أبجدية Libyco-Berber النوميدية من 24 حرفا، بينما توجد في نقوش الكناري حروف أمازيغية إضافية غير موجودة في حرف Libyco-Berber النوميدي. ومن الممكن أن الأمازيغ القدامى طوروا معظم حروف Libyco-Berber كتقليد شكلي للحروف الفينيقية مع كثير من الإبداع المحلي والارتجال. ونلاحظ أن الحرفين الأمازيغي – الليبي والبونيقي جد متمايزين على المنقوشات التي تجمع بينهما، حيث نلاحظ حروف Libyco-Berber بزواياها القائمة الحادة عكس الحروف البونيقية المقوسة والمنحنية أو المائلة.
وقد حظيت النقوش الأمازيغية الليبية في جزر الكناري باهتمام كبير من الباحثين بسبب ضخامة أعدادها وتنوع أشكالها رغم صغر مساحة الجزر. ويتفق العلماء حاليا أن سكان الكناري تكلموا أمازيغية قديمة قريبة من أمازيغية المغرب القديم على أساس النقوش الموجودة وعلى أساس الملاحظات والتدوينات اللغوية التي دونها الإسبان الذين استوطنوا تلك الجزر منذ عام 1400 ميلادي. وآخر بحث أنجز حول الكتابات الليبية الأمازيغية (Libyco-Berber) الموجودة في جزر الكناري هو الكتاب الذي أنجزته الباحثة الألمانية Renata Ana Springer Bunk تحت عنوان: Die libysch-berberischen Inschriften der kanarischen Inseln in ihrem Feldbildkontext (الكتابات الليبية الأمازيغية بجزر الكناري في سياقها الصوري الميداني)، وصدر في 2014. لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع المتشعب يمكن الاطلاع على قاعدة المعلومات المفصلة حول هذا الحرف هنا: www.lbi-project.org
- النوع الثاني: Tifinagh : وهو "تيفيناغ الطوارق". وهو مشتق مباشرة من Libyco-Berber وطوره واستخدمه الطوارق طيلة قرون. وهو مستخدم حاليا في أنشطة فنية ورمزية لدى الطوارق في جنوب الجزائر ومالي والنيجر. ويستخدم حاليا في بعض الكتب المدرسية الجزائرية. ولكن تدريس الأمازيغية الطوارقية حاليا في مالي والنيجر يتم بالحرف اللاتيني.
- النوع الثالث: Neo-Tifinagh : هو التيفيناغ الذي يستخدمه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية IRCAM. حرف Neo-Tifinagh هو استخدام حديث ل"تيفيناغ الطوارق" مع بعض التعديلات والإضافات، وظهر في القرن العشرين في شمال الجزائر أولا ثم في المغرب لاحقا. ويستخدمه بعض الناشطين الجزائريين بشكل رمزي محدود (عناوين الكتب، بعض اللافتات...) ويدرس في نسبة صغيرة من المدارس الجزائرية بينما تدرس الأمازيغية في الجزائر غالبا بالحرف اللاتيني. ورغم أن Neo-Tifinagh المغربي الجزائري مبني في جوهره على Tifinagh الكلاسيكي الطوارقي، فإن هناك عدة اختلافات بينهما بسبب بعض الإضافات والتحسينات والتعديلات التي أدخلت عليه من طرف الجزائريين أولا ومن طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لاحقا. فمثلا تمت صياغة حرفين جديدين هما ⵄ (ع) وⵃ (ح) الذين لا وجود لهما في "تيفيناغ الطوارق" الأصلي لأن الصوتين (ع) و(ح) غير أصيلين في اللغة الأمازيغية ولا ينطقهما الطوارق في وقتنا الحاضر، وينطقون مثلا "محمد": "مخمد" وينطقون "عيسى": "غيسى" (بنفس الطريقة التي ينطق بها الأوروبيون مثلا "عبد القادر": "أبْد الكادر"). ويوجد الصوتان (ع) و(ح) في أمازيغية شمال تامازغا فقط في الكلمات والأسماء التي دخلت إلى الأمازيغية من العبرية والعربية أو المتأثرة بهما. وكذلك تمت صياغة حرف ⵖ (غ) في Neo-Tifinagh، بينما في "تيفيناغ الطوارق" التقليدي الأصيل فإن حرف (غ) هو ثلاث نقط عمودية (ⵗ).
كما أن Neo-Tifinagh الذي يدرس في بعض المدارس الابتدائية المغربية هو صيغة مختصرة لتيفيناغ الطوارق الأكبر من حيث تعداد الرموز بسبب تنوعه ووجود حروف مترادفة مستخدمة في مناطق طوارقية مختلفة. حيث نجد مثلا في "تيفيناغ الطوارق" 4 رموز مختلفة لصوت (ش)، و4 رموز مختلفة لصوت (g) حسب كل منطقة طوارقية. ولذلك كان من الطبيعي أن يختار النشطاء الجزائريون والمعهد الملكي حرفا واحد عمليا ويتركوا المرادفات الأخرى. التلميذ المغربي الذي تعلم Neo-Tifinagh في المدارس المغربية الابتدائية الحالية لن يستطيع دائما قراءة كلمة مكتوبة بتيفيناغ الطوارق الكلاسيكي التقليدي كما هو مستخدم في مالي والنيجر وجنوب الجزائر حاليا في المجال الفني الرمزي، لأن جزءا من حروف "تيفيناغ الطوارق" لا يدرّس للأطفال في مدارس المغرب في "التدريس التجريبي" الحالي للأمازيغية.
5) أمثلة من تشابه تيفيناغ مع 4 أبجديات أخرى من حيث الشكل:
يعتقد هواة ومحبو Tifinaɣ أن هذا الحرف فريد من نوعه لا يشبهه أي حرف آخر. هذا غير صحيح. فكل الحروف في العالم تتشابه جزئيا لأن أصلها في النهاية واحد أو متقارب ولأن بعضها قد يتفاعل ويتأثر بالبعض الآخر بفعل الجوار أو الهجرات. كما أنه تحدث تطورات حتمية أو عشوائية منعزلة تنتج حروفا متطابقة بين أبجديات متباعدة جغرافيا لم تتفاعل فيما بينها يوما. وهناك عدة أبجديات قديمة تتشابه قليلا مع تيفيناغ من حيث الشكل ومنها مثلا: الأبجدية الرونية الجرمانية والأبجدية اليمنية المُسندية والأبجدية التركية القديمة (من آسيا الوسطى)، وحتى نقوش الحرف السينائي القديم.
- الأبجدية الرونية الجرمانية Runic alphabet كانت منتشرة في العالم الجرماني القديم وانتقلت لاحقا إلى الجزر البريطانية مع الغزو الجرماني الأنجلوساكسوني. وتوجد حاليا مخطوطات ومنقوشات جرمانية مكتوبة بهذا الحرف في المتاحف. وتخلت كل الشعوب الجرمانية عن هذه الأبجدية لصالح الحرف اللاتيني. التشابه بين تيفيناغ والأبجدية الجرمانية نلاحظه على مستوى الشكل، حيث نجد على الأقل 7 أو 8 حروف رونية جرمانية متطابقة تماما (من حيث الشكل وليس من حيث النطق) مع بعض حروف تيفيناغ. مثلا نجد رمز الزاي الأمازيغي ⵣ أيضا في الأبجدية الجرمانية الرونية، ولكن هذا الرمز لا يساوي صوت (ز) في تلك الأبجدية وإنما يدل على الرقم الذهبي 18 في التقويم الجرماني للزمن. ونجد الحرف ⵉ في الأبجدية الجرمانية أيضا ويساوي فيها صوت (س) بينما في تيفيناغ يساوي صوت (ي). ومن يريد الإطلاع على حروف الأبجدية الرونية الجرمانية يمكنه مراجعة صفحتها على Unicode عبر هذا الرابط: http://www.unicode.org/charts/PDF/U16A0.pdf
- الأبجدية اليمنية المُسندية، وهي معروفة علميا ب South Arabian alphabet أو Old South Arabian وقد ظهرت حوالي عام 900 ق.م. في اليمن وإيريتريا وإثيوبيا. وتوجد نقوش بهذا الحرف في هذه البلدان الثلاثة. الأبجدية اليمنية المُسندية أقدم من الحرف العربي بحوالي 1300 عام، وليست لها علاقة نَسَبِيّة مباشرة به، ولا يجمعهما إلا الأصل القبطي. واستخدِمت الأبجدية المُسندية في كتابة اللغة اليمنية القديمة. وتخلى اليمنيون عن هذه الكتابة تماما في حوالي عام 500 ميلادي. أما الإيريتريون والإثيوبيون فقد تطورت لديهم الأبجدية اليمنية المُسندية إلى أبجدية Ge'ez التي مازالت مستخدمة لديهم الآن. ونجد 6 أو 7 حروف يمنية مُسندية متطابقة تماما مع حروف تيفيناغ من حيث الشكل. مثلا يوجد حرف ⵀ في الأبجدية اليمنية المُسندية ويساوي فيها صوت (و) بينما هو في "تيفيناغ الطوارق" يساوي صوت (ب) وفي Neo-Tifinagh يساوي صوت (ه). ومن يريد الاطلاع على الأبجدية اليمنية المُسندية يمكنه مراجعة صفحتها على Unicode عبر الرابط: http://www.unicode.org/charts/PDF/U10A60.pdf
- الأبجدية التركية القديمة (Old-Turkic alphabet): وهي أبجدية استخدمها الأتراك القدامى في آسيا الوسطى (كازاخستان وتركمانستان) ولم يعودوا يستخدمونها اليوم. ونجد فيها أيضا 6 حروف متطابقة من حيث الشكل مع حروف موجودة في تيفيناغ. مثلا نجد في الأبجدية التركية القديمة حرف ⵙ الذي يساوي فيها صوت (نت) بينما هو في تيفيناغ يساوي صوت (س). ونجد أيضا الرمز V الذي يساوي في الأبجدية التركية القديمة صوت (ل) بينما هو في تيفيناغ الطوارق يساوي صوت (د). ويمكن الاطلاع على الأبجدية التركية القديمة عبر الرابط:
http://www.unicode.org/charts/PDF/U10C00.pdf
- الحرف السينائي القديم (Proto-Sinaitic): هو أقدم أبجدية حرفية في التاريخ على الإطلاق وظهرت في بلاد القبط على ضفاف النيل. والطريف هو أننا نجد حرفين من تيفيناغ هما ⵛ (ش) وⵜ (ت) متطابقين تماما من حيث الشكل مع حرفين من نقوش الحرف السينائي القبطي القديم الذي يرجع إلى 1800 قبل الميلاد. وهذه النقوش موجودة في "وادي الهول" Wadi el-Hol قرب مدينة الأقصر في جنوب مصر (راجع ص: 84 من الكتاب المذكور أعلاه أو ابحث عن صور نقوش Wadi el-Hol على الإنترنت). ولكن لا يمكن الزعم بوجود علاقة مباشرة بين تيفيناغ والحرف السينائي القبطي القديم فقط على أساس التطابق الشكلي. إذن فهذا التشابه بين الحرفين هو مجرد صدفة، أي أنه تطور منعزل لدى الحرفين في مكانين مختلفين وزمنين مختلفين.
يجب التنبيه إلى أن وجود تشابهات أو تطابقات شكلية بين بعض حروف تيفيناغ وبعض الحروف الجرمانية واليمنية والتركية القديمة لا يعني أن أبجدية معينة هي أصل الأخرى أو أنها أثرت فيها أو تأثرت بها. فالتشابه في هذه الحالات المتباعدة جغرافيا يرجع في الغالب الأرجح إلى الصدفة أو إلى تطورات حتمية منعزلة. ومن يروج لفكرة أن تيفيناغ جاء من اليمن فقط لوجود بعض الحروف التيفيناغية واليمنية المتشابهة شكليا فهو يروج للخزعبلات. وإذا أراد أحد أن يلعب لعبة الخزعبلات فيمكن له أن يزعم بنفس السهولة أن اليمنيين القدامى أخذوا حروفهم من الأمازيغ القدامى. ويمكن لشخص آخر أن يزعم أيضا بخرافة أن الحرف الجرماني جاء من تيفيناغ أي من تامازغا، أو أن تيفيناغ جاء من الجرمان، على أساس أن الرمزين ⵣ و ⵉ مثلا موجودان في الكتابات الجرمانية وفي تيفيناغ معا.
6) أصل الحرف العربي وتشابهه مع حروف أخرى:
يقدر الباحثون (مِثل Wayne M. Senner في كتابه The Origins of Writing) أن الأبجدية العربية ظهرت في ما بين 300 و400 ميلادية. وحسب الباحثين فإن أقدم منقوشة بالحرف العربي مؤرَّخة بشكل مؤكد تعود إلى العام 512 ميلادي في منطقة زَبَد في سوريا وهي منقوشة مسيحية حجرية ثلاثية الحروف إغريقية وسريانية وعربية. واستخدمت تلك الأبجدية العربية البدائية 22 حرفا فقط وهو نفس عدد حروف الأبجدية السريانية Syriac alphabet إلى يومنا هذا. واخترع العرب من داخل نفس الأبجدية البدائية 6 حروف إضافية وذلك للاستجابة إلى حاجة العربية إلى 28 حرفا على الأقل وليس إلى 22 حرفا فقط كما تفعل السريانية. ولاحقا، خصوصا في العصر الأموي، تم التمييز بوضوح بين كل الحروف العربية بالتنقيط (الإعجام) لرفع الالتباس والخلط بين الحروف غير المنقطة. وعلى الأرجح، أخذ العرب فكرة التنقيط من السريان الذين سبقوا إلى استخدامه في الأبجدية السريانية.
ويرى أغلب الباحثين أن الحرف العربي مشتق من الحرف النبطي (الأردن وشمال شبه الجزيرة العربية) الذي جاء بدوره من الحرف السرياني وهذا بدوره جاء من الآرامي. والأبجدية النبطية تملك أيضا 22 حرفا فقط. وهناك بعض الباحثين الذين يرون أن الحرف العربي اشتق من الحرف السرياني (سوريا / العراق) مباشرة دون المرور عبر الحرف النبطي. ومن المعلوم أن المخطوطات السريانية المسيحية (الإنجيل وغيره) كانت منتشرة على نطاق واسع في الشرق الأدنى بأكمله ووصلت إلى منغوليا والهند، وتدرس لحد الآن في مدن هندية مسيحية. وكانت اللغة السريانية (المنحدرة من اللغة الآرامية) هي الأكثر نفوذا وتقدما على المستوى الأدبي في تلك المنطقة، من بين كل اللغات السامية الأصلية هناك. وما زالت هناك مخطوطات باللغة السريانية Syriac language متوفرة في المتاحف وعلى الإنترنت. كما أن اللغة السريانية مازالت حية لحد الآن في بعض مناطق سوريا والعراق.
وحتى في التراث العربي الإسلامي سادت فكرة أن العرب أخذوا الكتابة أو الهجاء من السريانية، حيث يقول المؤرخ الفارسي أحمد بن يحيى البلاذري الذي عاش في بغداد: "اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببَقّة وهم مُرامِر بن مُرّة وأسلم بن سِدْرة، وعامر بن جَدَرَة فوضعوا الخط، وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية...". من كتاب "فتوح البلدان" صفحة 659، لمؤلفه: البلاذري (توفي عام 892م). مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، بيروت، 1987.
7) أصل الحرف اللاتيني وتشابهه مع حروف أخرى:
لا داعي للتوسع كثيرا في موضوع الحرف اللاتيني سوى أن نذكر أن العلماء يرون أنه ظهر في إيطاليا القديمة في حوالي عام 700 قبل الميلاد. وهو مشتق من الحرف اليوناني عبر الحرف الإتروسكي Etruscan alphabet (حرف إيطالي قديم). والتقارب بين الحرفين اللاتيني والإغريقي شكلا ومضمونا معروف للجميع. ويستخدم الكتاب الأمازيغ حرفين لاتينيين – إغريقيين بنطق أمازيغي خاص وهما: Ɣ (غ) وƐ (ع) في كتابة الأمازيغية. وبجانب ذلك يستخدمون حروفا لاتينية معدلة في كتابة الأمازيغية وهي: Č (تش)، Ḍ (ض)، Ǧ (دج)، Ḥ (ح)، Ř (راء خفيفة، منطوقة في منطقة الريف مثلا في كلمة awař التي يقابلها awal في بقية المناطق)، Ṛ (راء غليظة مفخمة)، Ṣ (ص)، Ṭ (ط)، Ẓ (زاي غليظة مفخمة). وكذلك يستخدم الأمازيغ حروفا لاتينية أخرى بنطق أمازيغي خاص وثابت وهي: C (ش)، G (گ)، Q (ق)، X (خ). أما بقية الحروف اللاتينية المعروفة لدى المغاربة (ABDFHIJKLMNOSTWYZ) فهي منطوقة في الأمازيغية كما هو شائع لدى عامة المغاربة. وحرف R الأمازيغي هو طبعا (ر) ولا ينطق أبدا بالطريقة الفرنسية. وحرف U ينطق في الأمازيغية كما في الإسبانية أو الإيطالية وليس كما في الفرنسية. أما حرف E / e الأمازيغي فهو صائت قصير ننطقه في الأمازيغية كما في الكلمتين الأمازيغيتين / الدارجتين: xemmem (خمّم)، وzemmem (زمّم).
8) خلاصات وأفكار جوهرية:
- حسب النظرية العلمية السائدة لدى المتخصصين يرجع أصل كل أبجديات البحر المتوسط (تامازغا وبلاد القبط وأوروبا والشرق الأدنى) إلى الهيروغليفيات القبطية ومنها اشتق الحرف السينائي القديم Proto-Sinaitic الذي اشتقت منه بقية الحروف.
- حرف تيفيناغ الأمازيغي الليبي القديم Libyco-Berber مشتق على الأرجح (في جزء من حروفه على الأقل) من الحرف الفينيقي وهذا بدوره مشتق من الحرف القبطي السينائي القديم Proto-Sinaitic.
- الحروف اللاتينية والتيفيناغية والعربية والسريانية والفينيقية والإغريقية وغيرها تشترك في نفس الأصل الأول وهو: الهيروغليفيات القبطية.
- الدولة الإسرائيلية اعتنت باللغة العبرية طيلة القرن العشرين بينما دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا سحقت الأمازيغية طيلة القرن العشرين.
- لا مقارنة بين الحالة العبرية والحالة الأمازيغية / التيفيناغية لأن ظروفهما مختلفة تماما.
- العبرية لغة رسمية في فلسطين/إسرائيل طيلة 92 عاما (منذ 1922).
- العربية والفرنسية رسميتان في المغرب طيلة 102 من الأعوام (منذ 1912).
- الأمازيغية رسمية في المغرب بشكل ثانوي شكلي أعوج ومؤجل منذ 3 أعوام ونصف (منذ 2011).
- تيفيناغ لن يمنح أية قوة فعلية ميدانية ومؤسساتية للأمازيغية في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية لأن "فاقد الشيء لا يعطيه"، وهذا في وقت تتآكل فيه الأمازيغية ديموغرافيا ويتناقص عدد الناطقين بها بسبب الاستعراب الطوعي (تبني الدارجة طوعيا وتَعَمُّد عدم توريث الأمازيغية للأطفال). وهذا الاستعراب الطوعي أصبح مؤخرا نوعا من الموضة، وينافس التعريب المخزني التقليدي التي تم ويتم عبر التعليم والإعلام.
- الحروف والأبجديات مجرد أدوات اخترعت وطُوِّرت لكتابة اللغة وتسهيل نشرها.
- العديد من لغات العالم (ومنها الإنجليزية واليابانية والإندونيسية والماليزية والعبرية والدنماركية والفارسية والتركية والأزربيجانية) غيرت حروف كتابتها حسب حاجاتها ومصلحتها الظرفية، عبر التاريخ وفي العصر الحالي.
- الأمازيغية نفسها غيرت حرف كتابتها حسب الظروف والمصلحة، عبر التاريخ، من تيفيناغ إلى العربي ثم إلى اللاتيني في القرن العشرين.
- الأمازيغية تحتاج حاليا إلى الحرف القوي النافذ الذي ينفعها ويقويها وينشرها بين الشباب وفي عمق دهاليز المؤسسات والإدارات. ولا تحتاج إلى الحرف الجميل الذي يزينها ويزوقها على واجهات المؤسسات والإدارات.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.