نعت مجموعة من الهيئات الثقافية والنقابية رحيل رائد المسرح المغربي الفقيد الطيب الصديقي، الذي توفي مساء أمس الجمعة بالدارالبيضاء، عن سن تناهز 79 عاما. وهكذا، أعرب المكتب التنفيذي للائتلاف المغربي للملكية الفكرية عن بالغ أساه وتأثره لوفاة هذا المثقف والفنان المسرحي المبدع، معتبرا في بلاغ له، أن "رحيل قمة فكرية وثقافية بهذا الحجم والحضور، ليعد خسارة كبرى للجسم الثقافي والفني عموما والمسرحي على وجه التحديد لما للفقيد من مكانة مرموقة في مسار الحركة المسرحية والثقافية ببلادنا منذ بدايات التأسيس الأولى لأبي الفنون، ولما اتصف به الرجل من عصامية وجد وكد واشتغال موصول على امتداد عقود من الزمن في سبيل التأسيس ثم التكريس ثم التميز والإشعاع الوطني والعالمي لتجربة إبداعية متفردة الأسلوب والأبعاد ". وتقدم الائتلاف الى العائلة الصغيرة للفقيد وعبرها الى عائلته الثقافية والمسرحية والفنية الكبيرة بأصدق عبارات التعازي والمواساة ، وان يلهمهم جميعا جميل الصبر والسلوان. من جهته، اعتبر المكتب المغربي لحقوق المؤلفين أن الراحل الطيب الصديقي كان" مثالا للرجل النشيط والمبدع في عمله باعتراف الجميع سواء على المستوى الوطني أو الدولي حيث أن إبداعاته فاقت الوطن العربي نظرا لجودتها وابتكاراتها وخاصيتها ". وأشار المكتب، في بلاغ له، إلى أنه " منذ انخراط الراحل بالمكتب المغربي لحقوق المؤلفين منذ 1956 وهو يعزز ترسانته الإبداعية بمسرحيات تتناول مواضيع متنوعة ومختلفة تدل على غنى ونشاط فكري فريد من نوعه ". أما النقابة المغربية لمحترفي المسرح، فقد أعربت في بلاغ لها، عن " عميق حزنها وأساها لهذا المصاب الجلل بفقدان الثقافة المغربية لأحد أهم الشخصيات المؤثرة في تاريخها وأحد الفنانين المعبرين بصدق وبحس جمالي راق عن عمق المغرب وتراثه وتاريخه، وفي نفس الوقت أحد المؤمنين بقيم الحداثة الفنية في بعدها الكوني والإنساني"، وذلك لما يمتع به الفقيد من "معرفة عميقة بالتاريخ وبالثقافة الشعبية المغربية والعربية، وإحساسه النقدي العميق بواقع المجتمع وقضاياه، وشغفه الكبير بالمسرح العالمي، وعلاقاته الإنسانية الطيبة". وتابع المصدر ذاته، "لقد أغنى المسار الفني الغني للمرحوم الطيب الصديقي المسرح المغربي وأكسبه بعدا عربيا وعالميا، كما شكل مدرسة فنية وجمالية قائمة الذات، سار على منوالها العديد من الفنانين المسرحيين المغاربة والعرب، وأثارت اهتمام الفنانين والنقاد على المستوى العالمي، وستشكل لا محالة محطة خالدة في تاريخ مسرحنا الوطني". يذكر أن الراحل الطيب الصديقي من مواليد مدينة الصويرة، نشأ في بيت علم، قبل أن يواصل تعليمه الثانوي في الدارالبيضاء، وقد دشن منعطفه الفني بتكوين فرقة "المسرح العمالي" سنة 1957 بالدارالبيضاء، وقدم في إطارها اعمال بتوقيع مؤلفين مغاربة وعرب وعالميين، على غرار مسرحية "الوارث" من اقتباس أحمد الطيب العلج، و"بين يوم وليلة" لتوفيق الحكيم، و"المفتش" لغوغول. وفي بداية الستينيات، انخرط الصديقي في تجربة جديدة بتأسيس فرقة "المسرح البلدي " بالدارالبيضاء، التي اشتغلت أساسا على أعمال من عيون المسرح العالمي، وظهر جليا توجهه الى استلهام التراث الحكائي المغربي والعربي مع مسرحية "سلطان الطلبة" التي تلتها مسرحيات خالدة في الذاكرة الفنية الوطنية : "ديوان عبد الرحمان المجدوب"، "بديع الزمان الهمداني"، "الفيل والسراويل"، "جنان الشيبة"، وصولا الى "خلقنا لنتفاهم". وبالموازاة مع عشقه الكبير لأب الفنون، برز الطيب الصديقي، الذي يلقب ب"أسد المسرح المغربي"، في أعمال سينمائية على غرار فيلم "الرسالة" للمخرج الراحل مصطفى العقاد، وأخرج فيلم "الزفت"، كما عرف عنه شغفه بالفن التشكيلي.