بين واقع لا يرحم، وقدر ينسج ما يشاء، فئات تعرف الضياع، فئات وقعت بين اناس أسوياء جسديا، لكن اذهانهم تعيش تحت وطأة الاعاقة التي لا علاج لها الا الوعي! في مجتمعي تلونت مظاهر التهميش بين الناس، وهذا ان عبر فانما يؤكد على اندثار القيم الانسانية بين افراد المجتمع.. لم يكن اختيارا منهم ذاك القدر الذي رسم معالم آثاره على بصرهم او مس قطعة من اطرافهم او اذهانهم.. ليصيروا امام وجع لا يعرف معنى الرحمة، ومجتمع لا يعي جراح الوجع! لعل الشخص في وضعية اعاقة في مجتمعنا العربي عموما، يعاني وبشدة امام ما نعيشه من تخلف، هذا المجتمع الذي يقف جلادا بثقافته المتوارثة، وكأن فقدان الحالة السوية جسمانيا او ذهنيا يفقد الماثل امامنا انسانيته، لتمارس الثقافة عنفها بشدة دون ادنى اعتبار للقيم الانسانية قبل كل شيء، لا ندرك انه وفي حين هذا الفرد يعاني نقصا في سمعه او بصره او قصورا ذهنيا او عضويا فانه يمتلك قدرات اخرى نحن قد لا نملكها، لا ندرك ان الاقدار لا تعطينا كل ما نريد وانما تحاكمنا وفق ما تشاء. وسط هذه الصور يصبح الشخص في وضعية اعاقة "عالة" و"هْمْ" على ولي امره المتمثل في الأسرة، وتسود الاحكام من قبيل " مَا نْجْحْ اللِي بْعْقْلُه يْنْجْحْ اللِي..."..الخ، هذه الالفاظ التي تمثل خطابا يعكس ثقافتنا ويبرز مرجعيتها اللاوعية، فيصير هذا الفرد وكانه مركب نقص بالنسبة للعائلة التي وجب عليها احتضانه والمبادرة الى تحفيزه وتشجيعه وتزويده بالثقة في النفس..، و ترمي الاسرة بكل مبادئها اتجاه فلذة الكبد مقابل ارضاء كبريائها الذي "ينكسر" بمجرد ظهور "المعاق" امام الناس، وكان وجوده يشكل وصمة عار.. وعي تركنا في الهامش رفقة النقيض، حتى بتنا نحتقر اناس دون آخرين، نعتبر الاعاقة هما والمعاق مجرد عالة على مجتمعه لا اكثر، لا نحاول ملامسة حواسه المنتجة، فقط نرى نصف الكأس الفارغ، والغريب ان كل الاشخاص في حالة نقص ولا احد منا يعرف الكمال، ليس من باب الضرورة ان اكون في وضعية اعاقة جسدية او ذهنية حتى ادخل دائرة النقص، بل ان منا من يعاني اعاقات فكرية، وهي الاشد وقعا على المجتمع، لكننا نعامله بانسانية فائقة، نحترم نقصه دون دراية او بنفاق منا، ونستثني فقط ذاك الذي فقد عنصرا جسديا او ذهنيا.. بحكم الاقدار، لا ندرك ان هذه الاخيرة قد تحمل المفاجآت ، فالاعاقة لا تقتصر على فئة دون فئة، ولا تستثني شخصا عن اخر، والسوي اليوم قد يصير "معاقا" غدا، ودوامة الحياة قد ترسم العكس، لنحاكمهم بترهيب، نكسر قدراتهم ومواهبهم، ونلغي كل مؤهلاتهم، وترسم هذه الثقافة حضورا صارخا، لم يكن وليد اللحظة، وانما توارثناه من جيل لآخر، ورسخناه اما بفعل او بمسكوت عنه. في مجتمعي حالات قيدوا وعنفوا واغتيلت كرامتهم واندثرت قيمتهم.. تعرضوا للتهميش بشتى انواعه، بل ان منهم من اغتصب وقتل وصادف كل انواع الجرائم من لدن وحوش في هيئة بشر.. وتبقى هذه الحالات هي الحقيقة المرة، والدمعة التي تأبى مفارقة ضمائرنا، والواقع الذي يسجل وصمة عار حقيقية في تاريخ بلادي، وتنجلي كل القيم، وتضيع الوان الانسانية امام عتمة الفكر وانعدام الضمير.