إن وظيفة التوثيق العدلي هي وظيفة قانونية قديمة وأصيلة في مهنة العدالة ، ولعل أدل دليل على ذلك هي المواد الفقهية المتعددة والموغلة في التاريخ ، ومن بينها فقه الوثيقة ، وفقه الوثائق الذي يتمحور كله حول مفهوم التوثيق العدلي ، ونشأته وتطوره التاريخي وأهميته وطبيعته وحول مهنة العدالة التي وضع لها القواعد الشكلية والموضوعية وضبط مختلف مجالاتها في المعاملات كلها . وتأسيسا على ما سبق فإن صفة التوثيق هي صفة ذاتية تسكن جوهر خطة العدالة ، وهي ملازمة لها ملازمة الظل لصاحبه ، ومرتبطة ولصيقة بها ، والعلاقة بينهما هي علاقة منطقية لا تقبل الانفصام او التجزيء ، وكل تجزيء لهذه الثنائية القانونية والشرعية يبخسها حقها ويفقدها جوهرها وتوازنها لأن مدار مهنة العدالة هو توثيق المراكز القانونية للأطراف في مختلف المعاملات التي يحددها القانون سواء على سبيل الحصر أو على سبيل المثال ، فكيف يعقل أن ندخل في هذا الجدل العقيم حول صفة التوثيق إن كانت لصيقة بمهنة العدالة ؟ ذلك هو التساؤل الذي يفرض نفسه على كل من سولت له نفسه المس بمركز التوثيق العدلي وسموه ومكانته . إن مهنة التوثيق يمارسها كل من السادة العدول والموثقين وهذا لا يستطيع أن يجادل فيه أحد ، وهو ما أكدته كل القوانين المنظمة للمعاملات العقارية .- قانون الالتزامات والعقود ، قانون التحفيظ العقاري ، قانون تحصيل الديون العمومية ، قانون الحقوق العينية ...الخ – لذلك فإننا نستغرب الادعاءات المغلوطة للطرف الآخر بأن السادة العدول ليسوا موثقين ، وكأن التوثيق لم يعرفه المغاربة إلا بمجيء الاستعمار ، وكأن قبله لم يكن هناك تعامل تعاقدي وتوثيقي بين المغاربة ، ولا تصرفات عقارية ولا التزامات ولا غيرها ، متجاهلين أن مهنة التوثيق عرفها المغرب منذ تاريخ طويل وهو ما تؤكده العديد من العقود العدلية التي فاق عمرها اثني عشر قرنا ، التي ساهمت في ترسيخ الأمن التعاقدي والتوثيقي بالمغرب . ولأهميته اهتم به كل ملوك المغرب عبر تاريخهم الطويل إلى يومنا هذا ، حيث أن عملية التوثيق العدلي ووثائقه بقدر ما هي رسوم وتدوين ، بقدر ما هي شهادة وإشهاد ، ولم يعرف التوثيق الثاني في المغرب إلا بمجيء الاستعمار . ونظرا للمكانة الاخلاقية التي يتمتع بها العدل الموثق في دائرة المعاملات وواجب التحفظ الذي تمليه عليه قواعد تربيته وسلوكه الاسلامي ، فإننا نربأ بأنفسنا السقوط في متاهات اللغط والجدل العقيم والتراشق والتنابذ الهجين بالنعوت المجانية التي تفتقد للمصداقية والمبادئ ، ولذلك فإن السادة العدول الموثقين يلتزمون بمبادئ الاخلاق ، ويعتبرون قدوة صالحة رغم استفزازهم من طرف بعض الجهات التي حادت للأسف عن جادة الصواب ، واتخذت من القذف والوعد والوعيد متنفسا لها ، ووسيلة من أجل إرهاب أصحاب الحقوق الشرعية الاصيلة وثنيهم عن التمسك بحقوقهم التاريخية المشروعة ، وهو ما طلعت علينا به أخيرا إحدى الصحف الوطنية ببعض الخرجات الاعلامية اللامسؤولة لصاحبها وبأسلوب لا يخلو من الغرور والاستعلاء . إن السادة العدول المغاربة يمارسون مهنة التوثيق العدلي طبقا لمقتضيات الفقرة أ من المادة 9 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر بتاريخ 28 شوال 1429 موافق 28 اكتوبر 2008 بتطبيق احكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة ، الصادر بالجريدة الرسمية تحت عدد 5687 وتاريخ 02 ذي الحجة 1429 موافق 01 دجنبر 2008 ، التي تنص على ما يلي : " يقضي العدل المتمرن فترة التمرين المنصوص عليها في المادة 7 من القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة بالمعهد العالي للقضاء وبتنسيق مع مديرية الشؤون المدنية . تشتمل هذه الفترة على : أ ) طور للدراسات والأشغال التطبيقية بالمعهد العالي للقضاء مدته ستة اشهر ، ويرمي الى تأهيله لمزاولة مهنة التوثيق بواسطة تعليم خاص يشمل على الخصوص المقتضيات القانونية المنظمة لخطة العدالة ، وكيفية تلقي وتحرير مختلف الشهادات والاجراءات المتعلقة بإدارة التسجيل والتنبر وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية والتعمير والاراضي الفلاحية مع القيام بزيارات ميدانية الى المؤسسات المعنية ...الخ " إن حقوق التوثيق العدلي خطوط حمراء ، وواجب غالي ومقدس لن يستطيع أحد المساس به أو النيل منه ، وسنظل مدافعين عنه ومناضلين من أجله وبالغالي والنفيس ، حفاظا على تلك الامانة التاريخية الثمينة ، والمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الاساتذة العدول بالمغرب ، دون أن نلتفت الى الهرج والمرج المصطنع الذي تحدثه تلك الجهات التي لا تصطاد إلا في الماء العكر .