لوحات فنية وبيئية رائعة تلك التي رسمها عدد من شباب طنجة في مبادرات جماعية انطلقت من الأحياء الشعبية خصوصا، لتعمّ تدريجيا جلّ الأحياء والدروب، لتتحول إلى حدائق خضراء ولوحات من ألون بهيجة. الحكاية بدأت منذ سنتين تقريبا، عندما حوّل ساكنة حي مبروكة في بني مكادة الدروب إلى حدائق خضراء، بعد أن وضعوا على جانبيْها أصُصا من مختلف الأشكال والأحجام، ونباتات وورود متنوعة. المبادرة بقيت محصورة في حي مبروكة فقط، وفي عدد قليل من دروب طنجة، خصوصا شارع "أطلس" الذي أضاف شبابه إلى الأصص والنباتات صباغة جدران الحيّ بلون موحد، ووضع صناديق خاصة بالقمامة. عدوى الأناقة بعد هذه المبادرات المتفرقة ب"عروس البوغاز"، سرَتْ "عدوى" مبادرات التزيين في جلّ الأحياء؛ وكانت الانطلاقة الحقيقية عندما قام عدد من شباب حي الإنعاش، التابع لمقاطعة بني مكادة، بالاحتفال جماعيا بانتهائهم من تزيين الحي، تزامنا مع عيد الأضحى، فاستطاعوا أن يوصلوا حفل "الافتتاح" هذا، عن طريق صور و"فيديو" متقن، إلى عموم طنجة أولا، ثم المغرب كله. والتقط شباب آخرون المبادرة، فانطلقت حمّى الاعتناء بالأحياء بوسائل بسيطة، وبمبادرات عفوية لا تدعمها أي جهة، غير حماس واندفاع شباب الأحياء، ورغبتهم في المنافسة. وتشمل عملية العناية بالدروب في عمومها ثلاث عمليات، هي الصباغة، والنظافة، والاعتناء بالبيئة، إذ يقوم الشباب بطلاء الجدران بلون موحد، حسب اختيار كلّ حيّ، كما يتم تنظيف الحيّ من الأزبال، مع وضع صناديق للقمامة، وأخيرا يتم وضع أصُص على جانبي الدروب.. وكلّ حي يتفنن في كيفية تنفيذ هذه المراحل الثلاث، قبل أن تبدأ أفكار أخرى في الظهور. هكذا جاءت الفكرة يقول عبادة الأعرج، أحد المساهمين الرئيسيين في تجميل حيّ الإنعاش: "لقد كان حيّنا يعاني من عدة مشاكل، وعلى رأسها السيارات التي تمرّ بسرعة وسط الحيّ، فانقسم السكان بين من يرغب في إغلاق الحي نهائيا، وبين من يرى عدم جدوى ذلك". ويواصل عُبادة: "قرّر أخ لي أن يصمم تصوّرا للحي عن طريق برنامج "فوطوشوب"، فأضاف الحواجز الأرضية المعروفة ب"الشرطي الميت" إلى الشوارع، وعندما اطلع سكان الحي عليه أعجبهم، فقرروا تحويله إلى واقع، وهكذا انطلقت الفكرة، ثم تطورت تدريجيا". أما عن تمويل العملية ككل، فيقول عُبادة إنها تطوعية صرفية، فكل ساهم بما استطاع؛ أما عملية الإنجاز نفسها فتكفل بها شباب الحيّ. ويقرّ عبادة بأن التكلفة غير بسيطة، ضاربا مثالا بالأصص المُوحّدة التي تزيّن جانبي الحي، والتي كلفت وحدها مليونيْ سنتيم. وعن الخطط المستقبلية، يقول عبادة إنهم يقومون حاليا بصناعة قوسين حديدييْن كبيرين يبلغان 8 أمتار في العرض و4 أمتار في الارتفاع، سيتم وضعهما في مدخليْ الحيّ، على أساس زرع نبات اللبلاب المتسلق في جانبيهما، ليصبح مدخل الحيّ عبارة عن قوس نباتي أخضر. إبداع ومسابقة حيّ ابن بطوطة من الأحياء التي التقطت الفكرة وطورتها بشكل متميز، ما جعله يخطف الأضواء على صعيد المدينة، إذ لم يكتف أبناؤه بالصباغة ووضع الأصص، بل تجاوزوا ذلك إلى صناعة ديكورات وتنظيم مسابقات. ففي دروب الحي التي امتلأت عن آخرها بلون النباتات الأخضر، نجد مجسّماً لبئرٍ موصول بالتيار الكهربائي، يُسمع بداخله خرير المياه، ما أعطى جمالية رائعة للحيّ. ولتحفيز الشباب على التطوع والعمل أكثر، نظم حي ابن بطوطة مسابقة "أحسن زنقة"، أطلقها أحد أبنائه، والتي تهدف إلى تحريك مخيلة الشباب من أجل العمل على تجميل الدروب بأفكار متمردة. باقي الأحياء تتحرك تكاد العدوى الآن تصبح تقليدا اجتماعيا في طنجة، فلم يعد غريبا أن تمر في حيّ شعبي وتجد مجموعة من الشباب يعملون على صباغة جدران حيهم بلون موحد، كبداية لعملية تجميل شاملة يفترض أن تجعل من حيّهم نموذجا للرقي والنظافة، بعيدا عن أي تعقيد مؤسساتي... "هذه مبادرتنا نحن..رغبتنا نحن.. مزاجنا نحن..لا نريد أن يتبنى أحد شيئا"، يقول أحد شباب حيّ كاساباراطا المتحمسين، ثم يواصل طلاء أحد الجدران بمعية عشرات الشباب، في مبادرة كانت طفرة ثم أصبحت الآن عادة.