يَظُنّ مُناصرُو «المُساواة المُطْلَقة» بين الذُّكور والإناث (بما فيها "المُساواة" في قِسْمة "الإرْث") أنّ ﭐدِّعاءَهم الدِّفاع عن «حُقوق الإنسان» يُمثِّل خيرَ تَعْبيرٍ لا فقط عن سَعْيهم لإقامة "العدل"، بل أيضا عن كونهم أشدَّ النّاس حِرْصًا على ﭐتِّباع "العقل" الذي يَقتضي - في زعمهم- "العَلْمانيّة" كتَعْطيل لأيِّ تَدْبير دينيّ للشُّؤون العامّة. لكنّ رفعَ الشِّعارات لا يَكْفي أبدًا لإثبات المشروعيّة، خصوصا حينما يَتعلّق الأمرُ بمسألة "العَدْل" و"الحقّ" التي لا تَنْفكّ عن مسألة "ﭐلمَعايير" و"ﭐلقيم". والحال أنّ من يَدّعي الاحتكام إلى "العقل" من دون قيْدٍ أو شرطٍ لا يَزيد على رفع شعار يَبتغي به أن يُؤسِّس كُلَّ ما يَدَّعيه، وذلك إمّا لظَنّه السّخيف بأنّ "العقل" يَفْرض نفسَه كمعيار أَوّل وأوْحد وإمّا لشُعوره الظّاهر بأنّ مُشكلةَ "ﭐلمَعايير" و"ﭐلقيم" تَتطلّب من التّحْقيق ما يُعطيها "الأسبقيّة" وما يجعل، من ثَمّ، كل ﭐستناد إلى "العقل" إشكاليًّا ما دام يَستحيلُ تَأْسيسُه بَشريًّا بمجرّد "الدّوْر" (جَعلُه أساسَ نفسه كما لو كان مبدأً ليس في حاجةٍ إلى أن يُعلَّل من خارجه وجوديًّا ومعرفيًّا) أو "التّسلْسُل" (جَعلُ أساسه يَحتاجُ إلى أُسُسٍ أُخرى تَتعدّد بلا نهاية). وفقطّ من جَهِلَ كُلَّ مُقتضيات تلك المُعْضلة الوُجُوديّة والمعرفيّة يُمْكنُه أن يَرْكَنَ مُبتهجًا إلى رَفْع شعار "العقل" كأنّه يَكْفِيه سندًا في كُل ما يَدّعيه. وإنّه لمن المُؤْسف جدًّا أنّ أدعياءَ "العَلْمانيّة" بيننا، في نُزُوعهم إلى ﭐلتّظاهُر بالاعتماد على "العقل" وحده، يَكْشفون عن «وُثُوقيّةٍ ﭐعتقاديّةٍ» تَفْضَح سُكُوتَهم عن ﭐلاضطرار للبناء على "ﭐلنّقْل" عَمَّنْ يَعُدُّونه سَلَفًا لهم في "التّنْوير" و"التّحْرير" لتأسيس ما يَتراءى لهم من أَوَّليّةٍ في «التّوجُّه النّقْديّ» الذي يُحدِّدُون به "العقل"، بل إنّهم لا يَفُون حتّى بأبسط مُقتضيات "المعقوليّة" مُمثَّلَةً في بناء ﭐستدلالات مُحْكَمة نَسَقيًّا وتداوُليًّا تُغْنِيهم عن تَعاطِي "التّضْليل" وَعْظًا وتَوْجيهًا. ولهذا، فإنّك تَراهُم - حينما يَطْرَحون مَسألةَ "المُساواة" بين الذُّكور والإناث في قِسْمة "الإرْث"- يُوحُون بأنّ "الإسلام" في شريعته وفِقْهه يُعَدّ نموذجَ الظُّلْم لكونه بقي يَعْمَل منذ قُرون بمبدإ «لِلذّكر مِثْل حظّ الأُنْثيَيْن». ومن البَيِّن أنّ ﭐخْتزال الأمر، بهذه الكيفيّة، يُؤكِّد أنّ "الإسلام" لا يُقِرّ ب«حُقوق الإنسان» على النحو الذي يُمْكن أن يَسْمح بالمُساواة بين الذُّكور والإناث في الحُقوق؛ ممّا يُوجب عندهم العمل على تَعْطيله تَشْريعيًّا وأخلاقيًّا باستدعاء تدخُّل السُّلُطات العُموميّة و، أيضا، باستنفار عامّة الناس تَضْليلً وتَهْييجًا. وإذَا غَضَضْنا الطّرْف عن مُغالَطة التّرْكيز على "المُساواة" كتَوْزيع عامّ بدلًا من التّفْكير في «العدل كإنْصاف» ومُغالَطة تَقْديم «المُساواة في الحُقوق الثانويّة» (الإرْث، اللِّباس) على «المُساواة في الحُقوق الأساسيّة» (الصّحّة، التّعْليم، الشُّغْل، الأمن، السَّكَن، الزّواج والأُسْرة، إلخ)، فإنّ التّناوُل التّجْزيئيّ والانْتقائيّ لمسألة "الإرْث" في "الإسلام" لا يَغُضّ الطّرْفَ عنه إلَّا من كان جاهلًا بعُمق ودقّة هذه المسألة أو مَنْ يَنْدفع مع هَواهُ طَمَعًا ومُنافسةً. وإنْ تَعجبْ، فعجبٌ من أنّ مُعظمَ المُتدخِّلين يَكْتفُون إمّا بتَكْرار لازمةِ «لِلذَّكَر مِثْل حظّ الأُنْثيَيْن» كما لو كانت مبدأً يُعْمَلُ به في "الإسلام" آليًّا ودائمًا، وإمّا بإرْجاع كُلّ المسألة إلى سُوء فَهْمٍ مُتأصِّل لدى الفُقهاء أو سُوء تَصرُّفٍ من قِبَلهم في دين اللّهِ بفعل أسبابٍ سياسيّة أو مذهبيّة يُجْمِلُها بعضُهم تحت صفة "إديولوجيّة" ناسيًا أنّ ما يُجيزُ له ﭐنْتقاصَ "الفُقهاء" بهذه الكَيْفيّة هو ما يَدْفعُ للتّساؤُل عن كفاءته كناقد أو مُنظِّر يَبْتهج بعَرْض نفسه كما لو أُوتِيَ وَحْدَه القُدْرة على الانسلاخ من كُلِّ تَحيُّز فِكْرَويّ أو ﭐنْخراط سياسيّ ومذهبيّ! ولذلك، فلا بُدّ من إِيراد النّص القُرآنيّ وتَرْكه يَنْزِلُ ثَقيلًا على أَسماعٍ أَلِفَتْ طَنِينَ ما هو دُونه أو على قُلُوبٍ أُشْرِبتْ غيرَه حتّى صارتْ تَتحاشى مُواجهتَهُ. فاللّهُ تعالى يَقُول في كتابه: ﴿[7] لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ ﭐلْوَالِدَانِ وﭐلْأَقْرَبُون وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ ﭐلْوَالِدَانِ وﭐلْأَقْرَبُونَ، مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ، نَصِيبًا مَفْرُوضًا.* [8] وَإِذَا حَضَرَ ﭐلْقِسْمَةَ أُوْلُو ﭐلْقُرْبَى وﭐلْيَتَامَى وﭐلْمَسَاكِينُ، فَﭑرْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا.* [9] وَلْيَخْشَ ﭐلّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا، خَافُوا عَلَيْهِمْ؛ فَلْيَتَّقُوا ﭐللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا.* [10] إِنَّ ﭐلّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ﭐلْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا.* [11] يُوصِيكُمْ ﭐللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَر مِثْلُ حَظِّ ﭐلْأُنْثَيَيْنِ. فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ ﭐثْنَتَيْنِ، فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ؛ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً، فَلَهَا ﭐلنِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ﭐلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ، إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ، فَلِأُمِّهِ ﭐلثُّلُثُ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ، فَلِأُمِّهِ ﭐلسُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا، فَرِيضَةً مِنَ ﭐللَّهِ، إِنَّ ﭐللَّهِ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.* [12] وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ، فَلَكُمْ ﭐلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ؛ وَلَهُنَّ ﭐلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ؛ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ، فَلَهُنَّ ﭐلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ ﭐمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ﭐلسُّدُسُ؛ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي ﭐلثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ؛ وَصِيَّةً مِنَ ﭐللَّهِ، وَﭐللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.* [13] تِلْكَ حُدُودُ ﭐللَّهِ؛ وَمَنْ يُطِعِ ﭐللَّهَ وَرَسُولَهُ، يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ﭐلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا؛ وَذَلِكَ ﭐلْفَوْزُ ﭐلْعَظِيمُ.* [14] وَمَنْ يَعْصِ ﭐللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ، يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا؛ وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ.*﴾ (النِّساء: 07-14). وكما أنّ هذه الآيات الثّماني لا تَنْفصل عن الآيات الستّ في بداية سُورة "النِّساء" (﴿[1] يَا أَيُّهَا ﭐلنَّاسُ! ﭐتَّقُوا رَبَّكُمْ ﭐلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً؛ وَﭐتَّقُوا ﭐللَّهَ ﭐلَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وﭐلْأَرْحَامَ؛ إِنَّ ﭐللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا!* [2] وَآتُوا ﭐلْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَتَبَدَّلُوا ﭐلْخَبِيثَ بﭑلطَّيِّبِ، وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ؛ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا.* [3] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي ﭐلْيَتَامَى، فَﭑنْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ ﭐلنِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا، فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ؛ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا!* [4] وَآتُوا ﭐلنِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً؛ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا، فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا.* [5] وَلَا تُؤْتُوا ﭐلسُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ﭐلَّتِي جَعَلَ ﭐللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَﭐرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَﭐكْسُوهُمْ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا.* [6] وَﭐبْتَلُوا ﭐلْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا ﭐلنِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا، فَﭑدْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا. وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا، فَلْيَسْتَعْفِفْ؛ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا، فَلْيَأْكُلْ بِﭑلْمَعْرُوفِ. فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ؛ وَكَفَى بِﭑللَّهِ حَسِيبًا.*﴾)، فإنّها تَتَّصلُ أَيَّما ﭐتِّصال بالآيات [19] و[20] و[21] في وسط السُّورة (﴿[19] يَا أَيُّهَا ﭐلَّذِينَ آمَنُوا! لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا ﭐلنِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ؛ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ وَعَاشِرُوهُنَّ بِﭑلْمَعْرُوفِ. فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ، فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ ﭐللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.* [20] وَإِنْ أَرَدْتُمْ ﭐسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا، فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا؟!* [21] وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا؟*﴾)، وأيضًا بالآيات [29] و[30] و[31] و[32] (﴿[29] يَا أَيُّهَا ﭐلَّذِينَ آمَنُوا! لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِﭑلْبَاطِلِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ؛ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنَّ ﭐللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.* [30] وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا، فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا؛ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ﭐللَّهِ يَسِيرًا.* [31] إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ، نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا.* [32] وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ ﭐللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا ﭐكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا ﭐكْتَسَبْنَ؛ وَﭐسْأَلُوا ﭐللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ ﭐللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا.*﴾)؛ ثُمّ بالآية [176] في آخر السُّورة (﴿ يَسْتَفْتُونَكَ؟ قُلِ: ﭐللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ﭐلْكَلَالَةِ: إِنِ ﭐمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ، فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ؛ وَهُوَ يَرِثُهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ. فَإِنْ كَانَتَا ﭐثْنَتَيْنِ، فَلَهُمَا ﭐلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ. وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً، فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ﭐلْأُنثَيَيْنِ. يُبَيِّنُ ﭐللَّهُ لَكُمْ، أَنْ تَضِلُّوا؛ وَﭐللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.*﴾). وعليه، فمَنْ هو ذاك العبقريّ الذي أُوتي من مَواهب الفَهْم والتّأْويل ما لَمْ يُؤْتَهُ غيرُه من المُتقدِّمين والمُتأخِّرين بحيث يَستطيعُ أن يَتجاوز كُلَّ الإحْكام التّرْكيبيّ والاتِّساق المنطقيّ في ذلك النّص القُرآنيّ على النحو الذي يُخوِّلُه أن يَجتزئ منه القول «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ﭐلْأُنثَيَيْنِ» فيَبْنِي عليه، من جهةٍ، أنّ توزيعَ "الإرث" يُعْطي الإناثَ فقط نصفَ ما يَحِقُّ لَهُنّ ويَقْطعُ، من جهةٍ أُخرى، بأنّ "الإرْث" في مُعظمه من وَضْع الفُقهاء؟! وماذا تَرَكتْ تلك الآيات من إمكانات التَّفْصيل لِلَّذين لا يُفْلِحون، في ظَنِّه، إِلَّا في تتبُّع الجُزْئيّات؟! لَوْ وقف المرءُ عند هذا الحدّ، لَﭑتّضح له كيف أنّ الذين يَبْتغُونها عِوَجًا إنّما يُحرِّفُون الكَلِم عن مَواضعه فيُبْدُون ما يَستجيبُ لأغراضهم، ويُخْفُون منه ما لا يُرْضي أهواءَهم ﭐفْتراءً على اللّه وكَذبًا على النّاس. ولكنّ الأمرَ أعظمُ من ذلك. وإنّ من كان يأخُذ «القُرآن الكريم» بجدٍّ وقُوّة لن يجد أمامه فُسحةً لشيء آخر غير الإقرار بأنّ تلك الآيات قد أُحْكِمتْ وفُصِّلتْ لبيان أمر اللّه في إقامة "العَدْل" تُجاه «ذَوِي القُربى» و«اليَتامى» و«النِّساء» و«المُستضْعَفين». وكلُّ من غاب عنه أنّ "الإرْث" في الإسلام، وَفْق ما بَيَّنه اللّهُ في كتابه، يُعبِّر – بالأساس– عن حكمة كاملة تَقُوم على حفظ حُقوق عُموم «ذوي القُرْبى في الرّحم» وحُقوق اليَتامى والمُستضعفين من كل تضييع يُمكن أن يقترفه السُّفهاء والظّالمون من أَكَلَة أموال النّاس بالباطل. فالأمر في "الإرْث" ليس مجرّد حفظ «حُقوق الإناث»، بل هو توزيعٌ للثّرْوة قسطًا وإنْصافًا يَحْفَظ كل الحُقوق. ومن أجل ذلك، فإنّ هناك مبدأَيْن أساسيَّيْن يَحْكُمان نظامَ "الإرْث" في الإسلام: مبدأ أنّ «أُولِي الأرْحام بَعضُهم أَوْلَى ببعض» (﴿وأُولُو الأرْحام بعضُهم أَوْلَى ببعضٍ في كتاب اللّه.﴾ [الأنْفال: 75] و[الأحزاب: 06])، وهو ما يُفسِّر ﭐفتتاحَ السُّورة بالأمر بالتّقْوى تُجاهَ الأرحام (﴿وَﭐتَّقُوا ﭐللَّهَ ﭐلَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وﭐلْأَرْحَامَ﴾ [النِّساء: 01])، حيث إنّ صلةَ الرّحم تجب في جميع الأحوال بما فيها حالة الكُفْر (وبهذا المعنى يُفْهَم وُجوب "الوَصيّة" للوالِدَيْن وذَوِي القُربى، فهي "صِلَةٌ" من جهة الوَضْع اللُّغويّ والحُكْم الشَّرْعيّ كليهما)؛ وثانيهما مبدأ أنّ "المال" كُلَّه يَرْجع إلى الجماعة بمُقتضى أنّه «مال اللّه» وأنّ الإنسانَ مُؤْتمنٌ عليه بما هو مُستخْلَفٌ في الأرض وَفْق أَمْر ربّه، بحيث يَجب أَلَّا يُؤْتَى السُّفهاء (﴿وَلَا تُؤْتُوا ﭐلسُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ﭐلَّتِي جَعَلَ ﭐللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا!﴾ [النِّساء: 05]) وأَلَّا يُؤْكَل بالباطل (﴿يا أيُّها الّذين آمنُوا! لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُم بَيْنَكُم بالباطل﴾ [النِّساء: 29]؛ ﴿ولا تَأْكُلُوا أَمْوالَكم بَيْنَكُم بالباطل وتُدْلُوا بها إلى الحُكّام لتَأْكُلُوا فريقًا من أموال النّاس بالإثْم، وأَنْتُم تَعْلَمُون!﴾ [البَقرة: 188]) وأَلَّا يُتْرَك دُوْلَةً بين الأغنياء وحدهم (﴿ما أَفاء اللَّهُ على رَسُوله من أهل القُرَى فَلِلَّهِ وللرّسول ولِذي القُرْبى واليتامى والمساكين وابْن السّبيل، كيْ لا يَكُون دُوْلَةً بين الأغنياء مِنْكُم.﴾ [الحشر: 07]). ومن ثَمّ، فإنّ كونَ المرأة ليستْ بِنْتًا فقط، بل هي من «ذَوِي القُرْبى وأُولِي الأرحام»، وكونَها ليستْ مُلْزَمةً بالشُّغْل ولا بالإنْفاق ولا بالقتال يَجعلُ الحُكْمَ لها بمِثْل ما يَأْخُذه شقيقُها الذَّكَر ظُلْمًا بَيِّنًا. وعلى الرّغم من هذا، فإنّ الوُقوفَ المُتأنّيَ عند قسمة "الإرْث" يَكْشف أنّ المرأةَ لا تُعْطَى – فقط ودائمًا– نصفَ ما يَأْخُذه الذُّكور، وإنّما الواقعُ أنّ ﭐستقراءَ حالات "الإرْث" المُمْكنة يُبيِّنُ أنه من بين نحو ثلاثين حالة ليستْ ثَمّةَ سوى أربع حالات تَرِثُ فيها الأُنثى نصفَ ما يَرِثُ الذَّكر، وفي الباقي تَرِثُ مِثْلَه تمامًا أو أكثر منه (في نحو عَشْر حالات) أو تَرِثُ هي وَحدها (يُنْظر تفصيلُ هذا بجداول إحصائيّة في: د. صلاح الدين سلطان، «مِيراثُ المرأة وقضية المُساواة»، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط 1، فبراير 1999، ص. 10-11، ص. 15-46). وبالتالي، فلا شيء يُجيزُ القولَ بأنّ "المُساواة" بين الذُّكور والإناث تَقْضي بإبطال مبدإ «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ﭐلْأُنثَيَيْنِ» سوى الجهل بأَنّ إِعمالَه يَخْضعُ لنظامٍ يَكْفُل "العدل" في القسمة بتوزيع حسابيّ يُظْهِرُ أنّ الأُنثى في أغلب الحالات تَرِثُ مثل الذّكَر أو أكثر منه. وكلُّ مَنْ لمْ يَقِفْ على بَيِّناتِ "العَدْل" في آياتِ "الإرْث" يَتّجه نحو "الوصيّة" كمَخْرج لتفادي الإذْعان للأمر الإلاهيّ. وهُنا نجد أنّ ثَمّةَ ثلاثةَ أُمورٍ يَنْبغي الوُقوفُ عندها: أَوّلُها أنّ الحقّ في "الوَصيّة" المُراد تَقْديمه على "الإرْث" لا يَثْبُت شَرْعيًّا إِلَّا بناءً على «الوَصيّة الإلاهيّة» كأمر يُوحَى به هُدًى وتَكْلِيفًا بما يجعل "الدِّينَ" كُلَّه "وَصيّة" أو مجموعة من "الوصايا" هي التي عُرِفتْ ب«الوَصايا العَشْر» عند المُسلِمين واليهود والنّصارى (﴿شَرَع لَكُم من الدِّين ما وَصَّى به نُوحًا والذي أَوْحَيْنا إليك، وما وَصَّيْنا به إبراهيمَ ومُوسى وعيسى أنْ أَقِيمُوا الدِّين ولا تَتفرّقُوا فيه؛﴾ [الشُّورى: 13]؛ ﴿قُلْ: تَعالَوْا أَتْلُ عليكم ما حَرَّم ربُّكُم عليكم أَلَّا تُشْرِكُوا به شيئًا وبالوالِدَيْن إحسانًا، ولا تَقْتُلُوا أولادَكُم من إمْلاقٍ؛ نحن نَرْزُقُهم وإيّاكُم؛ ولا تَقْرَبُوا الفواحشَ ما ظَهَر منها وما بَطَن؛ ولا تَقْتُلوا النّفْسَ التي حَرَّم اللَّهُ إِلَّا بالحقّ؛ ذلكم وَصّاكُم به لَعلّكُم تَعْقِلُون. ولا تَقْرَبُوا مالَ اليتيم إِلَّا بالتي هي أحسن حتّى يَبْلُغ أَشُدَّه؛ وأَوْفُوا الكَيْلَ والميزانَ بالقِسْط، لا نُكلِّفُ نفسًا إِلَّا وُسْعَها. وإذَا قُلْتُم، فﭑعْدِلُوا؛ ولو كان ذا قُرْبَى؛ وبعهد اللَّه أَوْفُوا؛ ذلِكُم وَصّاكُم به، لَعلّكُم تَذّكُرون. وأنّ هذا صراطي مُستقيمًا، فﭑتَّبِعُوه؛ ولا تَتّبِعُوا السُّبُل فتَفَرّقُ بِكُم عن سبيله؛ ذلِكُم وَصّاكُم به لَعلّكُم تَتّقُون.﴾ [الأنعام: 151-153]) وأَوْصَى سبحانه بالصّلاة والزّكاة (﴿وأَوْصاني بالصّلاة والزّكاة ما دُمْتُ حيًّا.﴾ [مريم: 31]) وأوصى بالإحسان إلى الوالدَيْن (﴿ووَصّيْنا الإنسانَ بوالدَيْه حُسنًا﴾[العنكبوت: 08]؛ ﴿ووَصّيْنا الإنسانَ بوالدَيْه إحسانًا﴾ [الأحقاف: 15]) ودعا المُؤْمِنين إلى التّواصي بالحقّ والصّبْر والمَرْحَمة (﴿ثُمّ كان من الذِّين آمَنُوا وتَواصَوْا بالصَّبْر والمَرْحَمة.﴾ [البَلد: 17]؛ ﴿والعصر إنّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الّذين آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالحات وتَواصَوْا بالحقّ وتَواصَوْا بالصّبْر.﴾ [العصر: 01-03])؛ كما أنّ رَسولَه – صلّى اللّهُ عليه وسلَّم– ظَلّ يَسْتوصي بالنِّساء خيرًا (في خُطبة «حجّة الوداع» وحتّى في أثناء ﭐحتضاره)؛ ولأنّ "الوَصيّة" وَصْلٌ قبل أن تَكُون عَهْدًا، فإنّها لا تَقْبَل الفَصْلَ عن «الأمر الإلاهيّ» بما هو "إِيصاءٌ" و"تَوْصِيَةٌ" أُبْلِغ إلى النّاس هُدًى يُؤْتَى طاعةً ولا يُفْرَض إكْراهًا (خُصوصيّة "الوَصيّة" – كفعل إنْجازيّ– بالنِّسبة إلى "الأمر" عموما). وأمّا ثاني تلك الأمور، فهو أنّ النّصَّ على "الوَصيّة" في القُرْآن وتَقْديمَها (﴿كُتِبَ عليكم إِذَا حَضَر أحدَكُم الموتُ، إنْ تَرَك خَيْرًا الوَصيّة للوالِدَيْن والأَقْرَبين بالمعرُوف، حَقًّا على المُتّقِين. فمَنْ بَدَّلَه بعدما سَمِعه، فإنّما إِثْمُه على الّذين يُبدِّلُونه؛ إنّ اللّه سَميعٌ عليمٌ. فمَنْ خاف من مُوصٍ جَنَفًا أو إثمًا فأَصْلَح بينهم، فَلا إثْم عليه؛ إنّ اللّه غَفُورٌ رَحيمٌ.﴾ [البَقرة: 180-182]؛ ﴿والذين يُتَوَفَّوْن منكم ويَذَرُون أزواجًا وَصيّةً لأزواجهم مَتاعًا إلى الحَوْل غير إخْراج؛ فإنْ خَرَجْنَ، فلا جُناح عليكم في ما فَعَلْن في أنفُسهنّ من معروف؛ واللّه عزيزٌ حكيمٌ.﴾ [البقرة: 240]؛ ﴿يا أيُّها الذين آمَنُوا شهادةُ بَيْنِكُم إذَا حَضَر أحدَكُم الموتُ حين الوَصيّة، ﭐثْنَان ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم أو آخَرَان من غَيْركم إنْ أَنْتُم ضَرَبْتُم في الأرض فأصابتكم مُصيبَةُ المَوْت؛ تَحْبِسُونهما من بعد الصّلاة فيُقْسِمانِ باللّه إِنْ ﭐرْتَبْتُم لا نَشتري به ثَمنًا ولو كان ذا قُربى، ولا نَكْتُم شهادةَ اللَّه، إنّا إذًا لمن الآثِمين.﴾ [المائدة: 106]) يُشيرُ إلى أنّ "ﭐلتّوْريث" يُطْلَبُ فيه "ﭐلتَّوْثِيق" و"ﭐلتَّقْييد" بالكتابة والإشهاد بما يَجعلُه لا يَكُون آليًّا كيفما ﭐتّفَق، وإنّما يَبْقَى دائمًا ل"ﭐلوَصيّة" – بهذا المعنى– أنْ تَرْعى مَقْصد "العدل" بالشّكْل الذي يَمْنَعُ من أيِّ ضَرَرٍ أو مُضارّة/ضِرار (لا مجال لتَرْك الأموال بين أَيْدي السُّفهاء من أيِّ نوع). وأما ثالث تلك الأمور، فهو أنّ رَدَّ "الإرْث" كُلِّه إلى "الوَصيّة" (كما يُريد الذين يَدْعُون إلى "المُساواة" بين الذُّكور والإناث) يَفْتَح البابَ، بالأحرى، لكُلِّ الأهواء تمامًا كما هو معروف لدى الذين يَحْرِمُون الوَرَثة الشّرْعيِّين بوصيةٍ يُمْلُونها سرًّا أو الذين يُفضِّلون بعضَ أبنائهم على بعض أو يَجعلُون تَرِكتَهم كُلَّها من نَصيبِ خَليلاتهم أو كِلابهم وقِطَطهم، وهو ما يُفيدُ أنّ مَقْصدَ "العَدْل" هو الأصل في توزيع "الإرْث" بما يجعل "الوَصيّة" تابعةً وحافظةً له. وهكذا، فإنّ آيات "الإرْث" تُؤْخذ كُلًّا أو تُتْرَك كُلًّا، بل أشدّ من هذا إنّ كونَها لا تُفْهَم إِلَّا في سياق سُورة "النِّساء" بآياتها المئة والستّ والسّبْعين يَقتضي أن تُؤْخذ السُّورةُ كُلُّها أو تُتْرَك جمعاء. وإِلَّا، فإنّ القُرْآن - بما هو كتاب اللّه تعالى- إمّا أن يُؤْخذ كُلُّه أو يُتْرَك كُلُّه (﴿[...]، أَفتُؤمِنُون بِبَعْضِ الكتاب وتَكْفُرون بِبَعْضٍ؟!﴾[البَقرة: 85]). وإذَا ظَهَر أنّ طَرْحَ مسألة "المُساواة" في "الإرث" بين الذُّكور والإناث يُعَدّ زائفًا أو يُطْلَب به تَزْييف شرع اللّه وتَحْريفُه، فإنّ ما يَجْدُر الالتفات إليه هو أنّ الذين يَأْبَوْنَ – مع ذلك– إِلَّا الإصرار عليه بما هو كذلك إنّما يُؤكِّدُون أنّهم لا يُبالون بالزّيْف أو السُّخف ما دام يُرْضي أهواءَهم أو يُحقّق أغراضَهم. إذْ لا شيء أسخف من عدم تَبيُّن أنه لو كان التّوْزيعُ بالتّساوي يُقيمُ "العدل" مُطْلَقًا، لكان أسهلَ أن يُقالَ منذ الأصل «للإناث من أولادكم مِثْلُ نصيب الذُّكُور» فيَصيرَ كلُّ الكلام المُتضمّن في آياتِ سُورة "النِّساء" لَغْوًا وباطلًا (ومن المُفارَقة أنها آياتٌ فُصِّلَتْ حسابًا عقليًّا يُضْبَط فقط في «عِلْم العَدَد» الذي يَعُدّه أدعياء "العَلْمانيّة" معيارَ العقل!). وإِلَّا، فإنّ من يَجْرُؤ أن يَسْتدرك على رَبّه (العَلِيم بخَلْقه) بجعل تَقْسيم كُلِّ شيءٍ قائمًا بالتّساوي بين الذُّكور والإناث يَبْحثُ عن جعل "الإرث" محصورًا بين أولاد المَيِّت دون ذَوِي قُرْباه الآخرين. والحال أنّ من كان ذاك مُرادَه يَصيرُ مُطالَبًا بأن يُظْهِر مدى جدِّه للذّهاب إلى أبعد حدٍّ في تَحْقيق "المُساواة" بين الذُّكور والإناث بحيث يُلْغِي كلَّ أنواع التّمْييز المعمول بها على كل المُستويات (المَهْر، الحَمْل، النّفقة، الحضانة، العِدّة، إلخ)! ولأنّ دُعاةَ "المُساواة" لا يَعْنِيهم منها إِلَّا الاستغلال السِّياسيّ و/أو الفِكْرَوِيّ، فلا شيء يَمْنَع – بالتّالي– من تأكيد أنّ الأمرَ يَأْتي في إطار خطّة كاملة لتَفْعيل إرادة تَعْطيل حقّ المُسلِمين في تَدْبير شُؤونهم المُتعلقِّة بما يَختارُونه من «الحياة الطّيِّبة»، مِمّا يَقُود إلى التّساؤُل عن وَضْع سُورة "النِّساء" في هذا السِّياق ومدى خُطورتها بالنِّسبة إلى تلك الخّطة، وهو ما يُفسِّر تَرْكيزَ أدعياء "العَلْمانيّة" على أَهمّ مَواضيعها والعمل على نَقْضها بُغْيةَ التّمكُّن من إِبْطال جِماع «الآمِرِيّة الإلاهيّة» المُقوِّمة للإسلام بما هو دينٌ لا يَقْبَلُ فصلَ تَدْبير «العالَم الدُّنْيويّ» عن التّدْبير المُتعلِّق بأَمْر «ربِّ العالَمِين» المُبيَّن وَحْيًا خاتمًا وهُدًى مُحْكَمًا في كتاب اللَّه تعالى وسُنّةِ نبيِّه صلّى اللّهُ عليه وسلَّم.