قدمت مؤسسة أرض الشاون للثقافات، بشراكة مع مؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس، عرضها المسرحي الجديد "العريس"، عن رواية "العريس" للأديب المغربي صلاح الوديع، بالمركب الثقافي محمد حجي بسلا الجديدة. وتعتبر مسرحية العريس مقاربة ساخرة لسنوات الرصاص وتداعياتها، تستلهم روح الرواية وتقدمها في إطار كوميديا سوداء، تعبر عن رؤية الأديب صلاح الوديع، الذي يعرف روايته بأنها "ضحك كالبكاء". فبقدر تفاعل المتلقي مع المواقف الكوميدية المعروضة على الخشبة، فإن ضحكه سرعان ما يتحول إلى مرارة بفعل فداحة مصائر المعتقلين ومأساة الجلادين. وتدور حكاية المسرحية عن "محمد"، الذي اعتقل أثناء حضور حفل زفاف أحد الأصدقاء، وتتمحور أحداثها حول رغبة السجانين في نزع اعترافات منه بخصوص نشاطه السياسي المحظور، وأثناء ذلك نقف على مجموعة من المفارقات الساخرة المتعلقة بالحياة اليومية للسجانين والمعتقلين، فلا نميز حينها بين المسجون والسجان. وخلق النص المسرحي المعد عن الرواية نوعا من الديمقراطية، تجعل المتلقي لا يستطيع بسهولة أن يناصر طرفا على حساب آخر. ومما يزيد العرض شاعرية توظيف بعض المقاطع الشعرية من ديوان "لئلا تنثرها الريح"، وكتاب "إلهي أشكوهم إليك" للأديب المغربي صلاح الوديع، مما يجعل المأساة تعبر عن نفسها في إطار كوميديا سوداء، تبرز مدى بشاعة العوالم الدرامية المتخيلة ومدى فداحة الحدث. وتتوالى لوحات العرض المسرحي، فيقف المتلقي منها موقف الناقد، ويعيد قراءة العرض بطريقته الخاصة، شأنه في ذلك شأن المتفرج في المسرح البريختي الجدلي، حيث يوظف العرض شكلا مسرحيا يستعمل أساليب التعليق والتباعدية الملحمية، ويتجلى ذلك من خلال اللوحات الغنائية الموظفة من خلال الجوقة، والمشاهد التي تعلق فيها الشخصيات على مسار الأحداث، والتي تتوالى على شكل توليف ركحي، يرسم تارة خطا ملتويا وتارة تتطور الأحداث على شكل قفزات. كما يتجلى ذلك أيضا من خلال السينوغرافيا التي حضرت بشكل وظيفي داخل العرض، وأضفت بعدا تشكيليا على الفضاء المسرحي من خلال شكلها المُمَسْرح، إذ استطاعت أن تترجم بصريا التصور الإخراجي للعرض، فبقدر قتامتها طيلة المسرحية، تصبح ناصعة البياض مع نهاية العرض المسرحي، معلنة بداية مرحلة جديدة، ومستشرفة مستقبلا أفضل للأجيال القادمة. وتلت المسرحية شهادة مؤثرة لصلاح الوديع حول سنوات الرصاص، أشاد من خلالها بالقيمة الفنية للعرض المسرحي، وقدرته على الغوص عميقا داخل العوالم السردية لروايته، كما أشاد بقدرات الممثلين وصدقهم الفني. واختتم الوديع شهادته بدور الفن في صيانة الذاكرة الجماعية ونبل رسالته الإنسانية؛ وأنه أراد من خلال رواية "العريس" أن يقدم شهادة حول مرحلة من تاريخ المغرب، لتكون درسا للأجيال القادمة. يشار إلى أن المسرحية من إخراج ياسين أحجام، ودراماتوجيا أنس العاقل، وسينوغرافيا ياسين الزاوي، وتشخيص كل من عبد الحق بلمجاهد، وعادل لوشكي، ونبيل المنصوري، بالإضافة إلى زهير آيت بنجدي، ومحمد الأمين ريان.