لماذا لا تشارك جماعة العدل والإحسان في اختيار حزب ما تقوم هي بتحديده وتزكي منحه ولاية انتخابية كاملة لمدة 5 أو 6 سنوات حسب المناسبة (محلية أم تشريعية) ثم تحاسبه في نهاية هذه الولاية ؟ مما لا شك فيه أن جماعة العدل والإحسان لديها قاعدة شعبية لا يستهان بها وقد تقلب موازين القوى بين الأحزاب السياسية رأسا على عقب، فنسبة 46% من العازفين عن التصويت خلال المحطة الانتخابية الأخيرة تضم في ثناياها نسبة جد معبرة من المنتمين للجماعة أو المتعاطفين معها أو الواثقين فيها، والتي لو زكت قيادتها حزب معين ودعت إلى التصويت عليه لمنحته الريادة من دون أدنى شك، بسبب شعبيتها والثقة في نواياها من لدن شرائح واسعة من المواطنين المستائين من فساد النخب الحزبية السائدة في الساحة السياسية. الجماعة دعت إلى مقاطعة الانتخابات، وهي بذلك تحاول الضغط على الدولة العميقة لتحسين القوانين الانتخابية والصلاحيات التي تتمتع بها الهيئات المنتخبة، لكن هذه المحاولة لن تؤتي النتائج المتوخاة منها بسبب إمكانية الاكتفاء ولو بنسبة مشاركة أضعف بكثير مما سجلته هذه الانتخابات الأخيرة واعتبارها نسبة كافية لفرز ممثلي الشعب في المجالس المنتخبة، بل إن الإعراض عن المشاركة في الانتخابات يخدم فقط أنجدة المترشحين الفاسدين الذين يدفعون النقود للمواطنين البسطاء كمقابل للتصويت لصالحهم كما يفسح المجال للأحزاب ذات البنية التنظيمية الجيدة لتبوؤ المراتب الأولى خلال الانتخابات لتوفرها على حد أدنى من الإنخراطات يضمن لها حد أدنى من الأصوات بغض النظر عن جودة برامجها السياسية أو صلاح ممارساتها. على العكس من ذلك يمكن للجماعة أن تستثمر قوتها المتمثلة في كتلة قواعدها والمتعاطفين معها والواثقين في نواياها وهي كتلة جد معتبرة في الضغط على الأحزاب السياسية حتى وإن كانت تؤمن بأن هذه الأحزاب في مجملها فاسدة وليست لها صلاحيات واسعة لتسيير الشأن العام، وذلك بتزكية حزب معين أي كان والدعوة للتصويت عليه تحت طائلة المحاسبة والمعاقبة بعد نهاية الولاية الانتخابية، ساعتها تقوم الجماعة بتقييم للحزب الذي زكته وتوجه لها ملاحظاتها وخلاصاتها وانتقاداتها لتقوم بعدها بتزكية حزب آخر كيفما كان ومن اختيارها أيضا ومن المعارضين كذلك للحزب الذي زكته في السابق تحت نفس طائلة المحاسبة والمعاقبة، وهكذا دواليك حتى نتمكن من خلق منافسة بين هذه الأحزاب التي هي فاسدة في مجملها لدفعها نحو تحسين أدائها وإصلاح نفسها، حينئذ ورغبة في هذا التحسين والإصلاح ستصطدم هذه الأحزاب مع القوانين الانتخابية المعيقة والصلاحيات المحدودة للمجالس المنتخبة لتقوم هذه المرة هي بنفسها بالضغط على الدولة العميقة لإجراء الإصلاحات السياسية الملائمة، وعندها سيكون ضغط مؤثر وفعال، لأن إن كان بإمكان الدولة العميقة عدم التأثر بعزوف نصف أو حتى ثلثي المسجلين في اللوائح الانتخابية عن المشاركة في الانتخابات فإنها لن تتحمل تكلفة عزوف الأحزاب الكبيرة عن المشاركة في الحياة السياسية، وبذلك تكون جماعة العدل والإحسان قد حققت بعض من مبتغاها وساهمت إيجابا في الإصلاحات السياسية عن طريق ضغطها على الأحزاب الكبرى التي بدورها ستضغط على الدولة العميقة لانتزاع صلاحيات أكثر وقوانين ديمقراطية أفضل. قد يقول قائل أن هذه العملية هي بالضبط ما يقوم به الرأي العام المتكون من مجموع المواطنين الناخبين بدون الحاجة إلى جماعة العدل والإحسان، وهو قول خاطئ، لأن ضعف الوعي السياسي لدى عامة المواطنين المصوتين وتفضيلهم للمرشح الذي قد يخدم مصالحهم الخاصة تجعل عملية التصويت العقابي عملية مستحيلة. في حين قد يقول قائل آخر أن القيام بهذه العملية من طرف جماعة العدل والإحسان سوف يتطلب سنين طويلة قبل أن يتحقق الهدف منها، وهو هذه المرة قول صحيح لا تشوبه شائبة، فتزكية حزب وانتظار 5 أو 6 سنوات لمعاقبته ثم تزكية حزب معارض لمدة 5 أو 6 سنوات أخرى ثم حزب آخر بنفس الطريقة قد يتطلب الأمر على الأقل 3 ولايات انتخابية بمعنى 18 سنة حتى تستوعب الأحزاب السياسية اللعبة وتتكيف مع المعادلة الجديدة التي يمكن لجماعة العدل والإحسان أن تفرضها، لكن بانتهاج سياسة الكرسي الفارغ والعزوف عن المشاركة في الانتخابات قد تبقي الأمور على ما هي عليه لمدة أطول بكثير. -مهندس في الإحصاء