تشكل نسب المشاركة في الانتخابات محوراً أساسياً من اهتمامات صانع القرار في المغرب، خاصة بعد ان وصلت نسبة المقاطعة في الانتخابات التشريعية 2007 إلى اكثر من 65 في المائة، من نسبة المسجلين باللوائح الانتخابية التي كانت تضم اكثر بقليل من نصف من لهم حق التصويت. وإذا كانت مرجعيات كتلة المقاطعين تتباين، ولا يمكن وضعهم في إطار موقف واحد، فإن العزوف السياسي يشكل عنوان هذه المقاطعة، تعبيراً عن عدم الاهتمام بالعمل السياسي وعدم الثقة باللاعبين السياسيين. وتبدي الأوساط الحزبية استغربها لتمسك السلطات بحصر حق الاقتراع لمن يسجل اسمه في اللوائح الانتخابية وعدم فتحها امام جميع من بلغ السن القانونية وليس هناك مانع قانوني لممارسة حق الاقتراع وجعل المرجعية لا تثبت من الهوية هو بطاقة التعريف الوطنية خاصة وان اكثر من 90 في المائة ممن بلغوا السن القانونية في المغرب يحملون هذه البطاقة. وكانت السلطات المختصة بالعمليات الانتخابية تحاصر دعوات المقاطعة الصادرة عن احزاب سياسية، بغض النظر عن حجم وتأثير هذه الاحزاب أو دورها في العملية السياسية، الا انها في تشريعيات 2016 غضت النظر عن الحملات التي يشنها هؤلاء المقاطعون، ان كان في الأسواق أو الساحات، وان بقيت تحرمهم من ممارسة حملاتهم في وسائل الاعلام الرسمية وحددت من له الحق في استعمال هذه الوسائل في الأحزاب التي تشارك في العملية الانتخابية. ومن غرائب المشهد السياسي المغربي ان دعوات المقاطعة يقودها يساريون راديكاليون (حزب النهج الديمقراطي) وإسلاميون متشددون (جماعة العدل والإحسان) يجمعهما اضافة لقرار مقاطعة الانتخابات، رفض العمليات الانتخابية الجارية من موقع رفض كل منهما للدستور بل وللنظام السياسي. وأضيف إلى هؤلاء اليساريين والإسلاميين، الحزب الليبرالي المغربي الذي قاطع احتجاجاً على توزيع المساهمة المالية للأحزاب وما ناله من نسبة وايضا توزيع اوقات الحملة على وسائل الاعلام الرسمية، فيما اعلن نشطاء الحركة الأمازيغية المقاطعة احتجاجا على ما وصفوه «خيانة الدولة» لحقوق الامازيغ كما وردت في الدستور. ويشترط حزب النهج الديمقراطي للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية في المغرب، «تغيير الدستور، وإسناد مهمة الإشراف على الانتخابات للجنة مختصة وليس وزارة الداخلية، مع حذف اللوائح الانتخابية التي وضعت منذ تسعينيات القرن الماضي ولم يتم لا تحيينها ولا تغييرها، وضرورة مراجعة التقطيع الانتخابي». وقال حزب النهج في بيان وزعه مع انطلاق الحملة الانتخابية ان الانتخابات «مغشوشة» ومقاطعتها هي «بداية الطريق نحو التغيير الديمقراطي». وقال البيان ان المقاطعة هي «رفض لتزكية انتخابات شكلية فاقدة للشرعية تسود فيها الرشوة والزبونية ومتحكم في نتائجها وأداة لشراء الذمم والاستفادة من الريع» وهي أيضاً «فضح لأكاذيب النظام وما تبقى من شعاراته الزائفة ورفض لتزكية عملية تجديد مؤسساته شكلاً مع الحفاظ على مضمونها الاستبدادي». واعتبر الحزب أن «التحرر الجماعي للشعب المغربي وبناء نظام ديمقراطي حقيقي على قاعدة السيادة الشعبية يتطلب توحيد صفوفنا بالنضال الواعي الحازم الهادف للتخلص من المخزن ووضع دستور ديمقراطي بلورة ومضموناً وتصديقاً» وأن «البديل عن الانتخابات المغشوشة المكرسة للمؤسسات المخزنية المزيفة، هو النضال الشعبي الوحدوي والجماعي للتصدي للإجهاز على مكتسباتكم القليلة أصلاً ولتحسين أوضاعكم الاجتماعية في أفق التخلص من النظام المخزني وبناء نظام ديمقراطي يضمن الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان للجميع». وتتقاسم جماعة العدل والإحسان (شبه محظورة) مع النهج والتصور نفسه، بمقاطعة الانتخابات، الا ان الجماعة لا تقوم بحملة للمقاطعة وتكتفي بالتصريحات والبيانات ومواقع التواصل الاجتماعي فيما نزل حزب النهج «إلى الميدان من أجل التأطير وإعطاء بعد هيكلي للمقاطعة». وتستبعد جماعة العدل والإحسان، في وثيقة رسمية تحدثت عن الملك والمخزن والمؤسسة الملكية والاستبداد بأن يكون في ظل بنية فساد إجراء انتخابات نزيهة تؤدي إلى التداول على السلطة، وبذلك تكون هذه الانتخابات لا قيمة لها. وقال عبد الواحد المتوكل رئيس الدائرة السياسية للجماعة في تصريحات سابقة انه لا يمكن «أن تلج إلى الانتخابات إلا إن أبديت استعداداً لتغيير جلدك أو قبلت بزاوية مظلمة ودور هامشي لتبقى اليد الطولى والكلمة الفصل لمن بيدهم القرار الحقيقي، وهم كما يعلم الجميع خارج مؤسسات الواجهة من حكومة وبرلمان وغيرهما». ويضيف «السؤال ليس هل نفكر في الدخول إلى الانتخابات، ولكن هل الدخول ممكن، وإن كان ممكناً فلأي هدف؟ فإذا كان الهدف هو الإصلاح والتغيير، فقد رأينا من خلال الحكومات المتعاقبة أن ذلك غير ممكن لغياب الإرادة السياسية ولعوائق دستورية وقانونية تتحكم في مخرجات العملية الانتخابية برمتها، وبالتالي فإنه يتعذر انبثاق خريطة سياسية معقلنة تفرز حكومة منسجمة وقادرة على تنفيذ برامجها. إذن فما الجدوى من الدخول، اللهم إلا إذا كان الهدف هو الدخول من أجل الدخول أو لتمكين بعض الأفراد من تحسين وضعهم الاجتماعي». ويؤكد دعاة المقاطعة انها ستكون ب«التأكيد ناجحة، رغم التضييق الذي يطال المقاطعين، ورغم عدم تكافؤ الفرص وعدم تمكينهم من حقهم في الإعلام العمومي لتوضيح رأيهم لأن أكبر من يقنع المغاربة بالمقاطعة هم المشاركون بخطابهم وممارساتهم ووعودهم وسلوكهم». وقال ناشطون في حزب النهج الديمقراطي انهم تعرضوا للتضييق في عدد من المدن المغربية، إلا انه لم يسجل اعتقال أو احتجاز أي ناشط أو فض نشاط بالقوة كما حدث في الانتخابات السابقة ويعلن المقاطعون «ان من حق المعارضة السياسية أن تقاطع الانتخابات وتعلن عن موقفها صراحة وتدعو الناس إلى المقاطعة دون ملاحقة أمنية أو قانونية أو قضائية لأن ذلك الحق مكفول بمقتضى الدستور المغربي وتنص عليه المواثيق والعهود الدولية وأبرمه القضاء المغربي في قرارات متواترة أصبحت بمثابة عنوان للحقيقة، وأن ما تقوم به الأجهزة الأمنية لا يعدو أن يكون مجرد تعسف وشطط في استعمال السلطة ينبغي الإقلاع عنه ومساءلة من يتعمد إتيانه».