تبدو العلاقة ملتبسة لاول وهلة ببن العملية الانتخابية كشأن سياسي عملي يعتبر مفتاحا للديمقراطية وبناء المؤسسات الشعبية لممارسة الحكم ، وبين البراغماتية كتيار فلسفي عارم بأفكار مكثفة ومفاهيم معقدة قد لا يستوعبها الفهم والإدراك . الاان المسألة لاتحتاج إلى كل هذا العناء والجهد الفكري اذا ما اعتبرنا الانتخابات نفسها من صميم البراغماتية ، باعتبارها أداة عملية لتحقيق نتائج واقعية ، وهذه الاسس التي انبنت عليها البراغماتية حيث نشأت اول مرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية على يد كل من "بيرس و جيمس وديوي "؛ والتي تدعو إلى تحقيق المنفعة على ارض الواقع ، وتعتبر أن الأفكار لا جدوى منها إذا لم نحصل على نتائج عملية ، اذن فلا مجال للمثاليات في تدبير الواقع التي ترومه البراغماتية ، بل إن من خلفيات هذا التيار الفلسفي التشبث بالاليات المشكلة للماكيافلية المبنية على قاعدتها المشهورة " الغاية تبرر الوسيلة " . ويبدو أن المجتمع الأمريكي على الخصوص يتبنى البراغماتية في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . الاان المبادئ الأولى للبراغماتية والتي تدعو الى اسبقية الواقع العملي على الافكار, اخذت منحنيات أخرى ، جعلتها تلبس لبوسات ميكيافلية وتؤكد على أهمية الفرد دون الجماعة في تحقيق المنفعة ولا شئ غير المنفعة الفردية .وبناء على هذا التصور المختزل لتيار فكري واسع ، فإن ما نلحظه في المشهد السياسي المغربي ابان الانتخابات قد لا يخرج عن قواعد هذه البرغماتية واسس اشتغالها والاهداف المنشودة لتحقيق اهدافها بطريقة نفعية فردانية على ارض الواقع.ومن هذه الظواهر ، والتي قد تعرفها نسبيا وبطريقة مرنة ومتحججة أعتى الديمقراطيات ؛ ظاهرة "المنتخبين الرحل" الذين يستعدون في كل لحظة انتخابية لتغيير "جلدتهم " السياسية ،وذلك بانتقالهم من حزب إلى آخر دون أدنى شروط الالتزام الأخلاقي الذي من المفروض أن يتحلى به السياسي اتجاه تجمعه أو تيار ه السياسي أو الاديولوجي ، مما يعرض هذه الأحزاب للتفريغ والتفريخ ويشوه المشهد السياسي العام . كان الانتماء هو مجرد بطاقة شخصية قد يمزقها الشخص المنتمي في كل لحظة وحين ، ومن هنا تبرز البراغماتية في اجل صورتها النفعية عند بعض المنتمين للأحزاب السياسية في المغرب كبراغماتية مشوهة حيث أفرغت من شحنتها العملية ولبست رداء أقل ما يقال إنه رداء الانتهازية وتصيد الفرص والاستهزاء والسخرية باللون السياسي وكان الأحزاب دكاكين للبيع والشراء في الوقت الذي يجب أن تكون في الواقع مدارس للديمقراطية وبناء وتاطير النخب لتهييئها للحكم ، الا ان الاحزاب في المغرب أصبحت مخترقة بظاهرة " الترحال"، بل أصبح التطبيع مع هذه الظاهرة شأنا حزبيا قد لا يتطلب قرارا للاستقالة او الفصل المؤقت او الطرد النهائي أو التنديد ، بل أصبحت هذه الأحزاب تتهافت على هؤلاء الرحل من أجل استنباتهم ولو بطريقة قيصرية ، ويتم ذلك علانية وعلى رؤوس الاشهاد .ومن الدوافع التي تجعل هؤلاء الأشخاص مرحب بهم ؛ النفوذ المالي أو القبلي أو الرمزي أو بالجملة كل الذين يمتلكون نسبيا " شعبية كاسحة ". و تعتبرالفترة الأكثر نجاعة لعملية الترحال هي فترة الانتخابات حيث يتحسس هؤلاء قدراتهم واستعدادتهم الفطرية" للترحال" بناء على النتائج الميدانية للفترة السابقة للانتخابات ، لمعرفة موازين القوى وموطا القدم السياسي الجديد ، لتبدأ الرحلة إلى حين انتهاء الفترة الانتخابية القادمة ويبدأ العد العكسي للتحالف وهكذا دواليك . وليس الأشخاص وحدهم من يركب موجة الترحال بل إن بعض الأحزاب تقوم بعملية "اصطياد" الرؤوس " المتحزبة" اما بالاغراء بالمناصب او بتوفير المظلة الحزبية لحماية المصالح الخاصة والشخصية تبعا لقوة تاثير الحزب في المشهد السياسي.اذن فالعملية هي جدلية في عمقها بين الأحزاب والاشخاص . وقد يحدث أن بعض المتحزبين ينتقلون على رأس كل عملية انتخابية من حزب إلى حزب . ومن السخرية أن الانتقال يتم من أحزاب مؤدلجة " يساريا" الى أحزاب " محافظة " أو يمينية وفي بعض الأحيان يحدث العكس .إنه مشهد أصبح كافكاويا روتينيا مبتدلا بامتياز ، تعج به الساحة السياسية في هذه اللحظة الانتخابية . والمتحكم في شيوع هذه الظاهرة هي المصلحة البراغماتية أو قل النفعية اذا ما قمنا "بتبييئ" المفهوم مغربيا .والأدهى من ذلك فإن هناك مثقفين وسياسيين متمرسين كانوا الى عهد قريب ينددوا بهذه الظاهرة فأصبحوا يركبو نها , دون الحديث عن الأعيان وذوي النفوذ المالي او ما يوصفون ب"الاميين".والكل يبحث عن موقع قدم لاجتياح السلطة ،مع أن المبدأ هو الامتثال لمبادئ الحزب ومواثيقه وان أي مغادرة يجب أن تكون مبنية على شروط عقلانية ومؤسسة منطقيا، ولكن البارز هو أن الأحزاب "الطاردة" و "المستقبلة "قبلت باللعبة وأصبحت غير مبالية بالمواثيق والمبادئ التي تحكمها ، وهذا وبال ميع المشهد السياسي وجعله مشهدا يعج بالفوضى والخروقات .اذن فلابد للاحزاب أن تعود إلى رشدها وان تسد الباب امام هؤلاء الانتهازيين الجدد الذين تنكروا لمبادئ وبرامج أحزابهم السابقة.والسؤال المحير كيف يمكن لهؤلاء " الرحل" أن يتكيفوا أخلاقيا مع وضعهم الجديد ،وذلك بممارسة السياسية النظيفة بشروط أخلاقية تجعلهم يقبلون على هذه الممارسة بتفان وضمير حي، حيث سيمتثلون وهم في حالة" ترحال" مؤقت لبرامج أحزابهم المستقبلة؛ وبالتالي القيام بواجبهم الوطني بنزاهة وانضباط ونكران الذات في خدمة من صوتوا عليهم وبالاحرى في خدمة وطنهم ؟؟؟؟؟