بتاريخ 21 غشت الجاري نشرت وكالة الأنباء الفرنسية قصاصة، تحت عنوان"on ne passe pas," : les principaux murs trasfrontaliers. والذي يترجم الى العربية، أننا لا نتجاوز الجدران الحدودية. وقد استهلت الوكالة المذكورة قصاصتها بحصر عدد الجدران في العالم في 16 بتاريخ سقوط جدار برلين 1989، وأشارت أن عددها ارتفع ووصل حاليا 65 ما بين المنجز أو قيد الانجاز. وبعد هذا التعداد والانتقال المهول في إعداد الجدران المعاصرة، انتقلت القصاصة إلى تعيين موقع ومكان الأهم منها، ووصفها، وتحديد مساحتها ،وتاريخ إقامتها وإنشائها، والغاية منها. فوقفت بدءا عند الفاصل والحاجز الحديدي الذي أقامته الحكومة المحافظة الهنغارية على طول 177 كيلومترا على طول حدودها مع صربيا، منعا لتسلل اللاجئين، بعد أن تلقت 70 ألف طلبا باللجوء في هذه السنة. وبعده انتقلت القصاصة، مباشرة إلى الجدار المغربي، وسمته بجدار الصحراء الغربية، ووصفته وصفا مانعا للجهالة بأنه رملي ، وأقيم على مسافة 2700 كلم، ويفصل منذ 1980 بين إقليم المملكة المغربية والمناطق التي يراقبها "الثوار المتمردون"، الانفصاليون لجهة البوليساريو، وبعدها انتقلت القصاصة إلى الجدار الرملي بين السعودية والعراق، ثم الحاجز الفاصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فالجدار الفاصل بين الولاياتالمتحدة والمكسيك، ثم الجدار الفاصل بين اليونان وتركيا، وجدار إيرلندا الشمالية، ثم رجعت القصاصة ووقفت عند الأسلاك الشائكة بين المغرب وسبتة ومليلية، وانتهت بالجدار الفاصل بين الهند وبنغلاديش. وقد حركت هذه القصاصة الحكومة المغربية من أجل الرد، حيث أصدر وزير الاتصال بلاغا، أكد فيه أن المعطيات المرافقة لوكالة الأنباء الفرنسية، والتي تقدم الجدار الدفاعي الرملي المغربي ضمن جدران الفصل الرئيسية في العالم مغلوطة وتجافي الحقيقة، واستطرد موضحا أنه ليس جدارا فاصلا بل يشمل على نقطة عبور فعلية ومفتوحة أمام الساكنة المعنية، وشدد على أن الجدار تم بناؤه لضمان حق المغرب في أمنه، ولمكافحة استخدام الصحراء كنقطة عبور للشبكات الإرهابية والاتجار بالبشر والمخدرات. ولم يدع الوزير الفرصة تمر دون أن يقف عند دور الجدار، الذي بفضله تعد الصحراء المغربية منطقة أكثر أمنا بمنطقة الصحراء الكبرى. وأردف البيان مشيرا إلى تعزيز المغرب لهذا الجدار بآخر على خط الحدود مع الجزائر، يمتد من البحر الأبيض المتوسط على مسافة 150 كيلومترا، من أجل تأمين الحدود ضد الشبكات الإرهابية وتجار المخدرات والهجرة السرية، وانه أثبت بدوره نجاعته في هذا المجال. ليبقى السؤال مطروحا عن خلفيات القصاصة، وعن ماهية الأسباب التي جعلت المغرب ينتفض ضد ما تضمنته من معطيات ؟ قد يكون المغرب سعى إلى تفادي تأثيرها؟ أو الاستنتاج بانطباع قبول وإقرار المغرب بها؟ وسجل رفضه لأي واقع تحاول خصومه التأسيس له أو تمريره؟ وما هي الأسباب والقواعد القانونية والتاريخية والميدانية، التي تعضد الموقف والمركز المغربي، فيما ذهب إليه وزير الاتصال؟ أولا: الاتفاق العسكري رقم 1 يجعل شرق الجدار من مسؤوليات الأممالمتحدة يحاول المغرب في رده وتعقيبه على قصاصة الأنباء إنكار أي حق لجبهة البوليساريو في الجهة الشرقية للجدار إلى غاية الحدود الدولية المغربية مع الجزائر، خلافا لما تحاول المقالة أن تطبعه أو تمرره، إذ تجعل تلك قصاصة أن الجدار يفصل بين إقليم المملكة المغربية والمناطق التي يسيطر عليها الثوار المتمردون لجهة البوليساريو، فهي قصاصة ولئن تعترف بإقليمية المغرب للمناطق غرب الجدار، في إشارتها إلى إقليم المملكة المغربية دون أي تحفظ بخصوصه، فإنها تعطي للبوليساريو ضمها وسيطرتها وحيازتها لما شرق الجدار. وهو تناقض صارخ وواقع الأمر. ذلكم أن الاتفاق العسكري لسنة 1988، كملحق لاتفاق التسوية الوارد والمشار فيه إلى الجدار المغربي، والتي قبلها الأطراف بما فيه البوليساريو، في 30 غشت 1988، ووافق عليها مجلس الأمن فيما بعد بمقتضى القرار 658 بتاريخ 17 يونيه 1990 والمندرج ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، يجعل ذلك الاتفاق من المنطقة شرق الجدار من مسؤوليات الأممالمتحدة وحيدة، وليست تحت سيطرة متمردي وثوار انفصاليي الوليساريو كما ورد بالقصاصة. ولا يهم عن حسن أو سوء نية معد وكاتب وناشره المقالة ولا عدم إلمامه بالموضوع. ثانيا: الواقع والاتفاق العسكري ومطالبات البوليساريو من الأممالمتحدة ما فتئت البوليساريو تطالب من الأممالمتحدة السماح لها بنشر قواتها العسكرية في المنطقة الفاصلة خلف شرق الجدار إلى غاية الحدود الدولية مع الجزائر، وتعتبرها أراضي محررة، وهو طلب يرفضه المغرب، وراسل رسميا الأمين العام للأمم المتحدة بذلك، وهذا الطلب من البوليساريو والرفض والمراسلة المغربية، ضمنهما الأمين العام في تقريريه بتاريخ 19 ماي 1995 وتقرير 8 شتنبر من نفس السنة 1995، اللذين قدمهما لمجلس الأمن، وهو ما يجعل أي وجود عسكري للبوليساريو في تلك المنطقة مخالفا للاتفاق العسكري رقم 1 بينهما، من جهة و مخالفا للشرعية الدولية من جهة ثانية، بعد مصادقة الأممالمتحدة لذلك الاتفاق. ويجعل من أي تحرك فيه يعتبر حالة لخرق اتفاق وقف إطلاق النار. إضافة إلى طلبات جبهة البوليساريو للأمم المتحدة، السماح لها بالانتشار العسكري في المنطقة، التي هي من مسؤوليات بعثة المينورسو والأممالمتحدة فإن فقدان البوليساريو لهذه الحيازة يستنتج من تقديم البوليساريو إلى نفس هيئة الأممالمتحدة بطلب عودة ساكنة مخيمات تندوف، من ما أطلق عليهم جماعة باللاجئين بالعودة إلى شرق الجدار، أثناء وبصدد تطبيق خطة التسوية. وهو اقتراح يشهد عليه تقرير الأمين العام بتاريخ 22 يونيه رقم 462 ي. وهو ما يفرض على بعثة المينورسو التزام تسجيل ما يقوم به البوليساريو من اختراق للمنطقة شرق الجدار، ضمن عدد حالات خرقها لوقف إطلاق النار، وتبلغ عنها الأمين العام، الذي يشير إليها في تقريره السنوي يقدمه إلى مجلس الأمن في أبريل من كل سنة أثناء الدراسة الدورية للحالة في الصحراء. ثالثا: المغرب عبر صراحة عن أي تعديل وتشكيك في مغربية المناطق شرق الجدار يتضح من ما سبق في الإشارة إليه في الفقرات أعلاه أن المغرب يرفض أي انتشار أو تواجد لقوات البوليساريو في المناطق شرق الجدار، لأنه يعتبرها أراض مغربية ومن مسؤوليات الأممالمتحدة الوقتي والمرحلي بمقتضى اتفاق التسوية واتفاق وقف إطلاق النار والملحق العسكري رقم 1، وقد سبق للملك، باعتباره ممثلا للمغرب، وحامي سيادته وحدوده، أن وضح ذلك في خطاب المسيرة بتاريخ 6 نونبر 2010، وهو خطاب بمثابة رسالة واضحة موجهة لجميع الأطراف وللأمم المتحدة لتضطلع بدورها دون إهمال أو تواطؤ. ولوضوح معانيه ودلالتها، فإنني أنقل فقرة كاملة منه تناولت الموضوع، حيث قال جلالة الملك: " ...إن المغرب الذي يمارس سيادته على كامل ترابه، ويلتزم بمسؤولياته القانونية الدولية، دون أي غموض أو التباس ، ليستنكر الترويج الكاذب، لوجود ما يسمى بالمناطق " الخاضعة للمراقبة"، شرق الخط الدفاعي، الذي يعرف الجميع طبيعته السلمية، والغاية الحكيمة من ورائه. ولن تسمح بلادنا بأي خرق أو تعديل ، أو تشكيك في مغربية هذه المناطق أو محاولات استفزازية لفرض الأمر الواقع، أو تغيير الوضع القائم ..." رابعا: طبيعة وأهداف الجدار يحددها تشييده في زمن الحرب إن الجدار الرملي المغربي تم بناؤه من قبل قوات الجيش الملكي على ست مراحل، ودامت مدة الانجاز والبناء ثمان سنوات، من شهر غشت 1980 إلى غاية 16 ابريل 1987، و هي تصادف زمن الحرب والقتال وقبل اتفاق وقف إطلاق النار بتاريخ 6 شتنبر1991، وكانت أهدافه عسكرية وأمنية محضة لدرء عنصر المفاجئة من مقاتلي البوليساريو، لما تتطلبه عمليات اقتحام الجدار من بدل جهد كبير وعتاد ووقت لاختراقه. وهو ما جنب إصابات في صفوف القوات العسكرية المغربية، و قلص من أخطار إلحاق أضرار بها، لأن بناء الجدار يمنح لها الوقت الكافي والمناسب لقيامها بالرد المناسب، والفرصة لصد الهجومات واحتوائها، والجدار في النهاية الأمن للمدنيين وحماية لممتلكاتهم، وعاشوا في طمأنينة في دورهم وقراهم ومدنهم. ومن تم فغايات الجدار تبعا لذلك أمنية وعسكرية استراتيجية ودفاعية. وقد مكن المغرب فعليا وميدانيا من السيطرة على الوضع العسكري، واسترجاع زمام التحكم فيه. أضف إلى ذلك أن قرارات الأمين العام للأمم المتحدة منذ قرار وقف إطلاق النار بتاريخ 6 شتنبر 1991 إلى غاية القرار 2218 بتاريخ 28 أبريل 2015 لم تقدح الأممالمتحدة و كافة أجهزتها ، بما فيها الجمعية العامة لها ولا لجانها في الجدار الدفاعي المغربي ولا وصفته بأنه عازل أو سمته غير شرعي، بل إنه جدار ذو طبيعة دفاعية وساهم في أمن واستقرار المنطقة ووفر الحماية للمدنيين خلال زمن الحرب. وبعد وقف إطلاق النار، فقد أتبث الجدار دوره الناجع في تطويق وحصار كافة عمليات التهريب والجريمة المنظمة وتجارة الأسلحة والمحذرات، إذ ضيق من حرية تنقل الإرهابيين واتصالهم وتواصلهم. بدليل إن منطقة الصحراء المغربية، مجال استثنائي أمنيا في منطقة إقليمية مضطربة، وتعج بالجماعات الإرهابية التي جعلت من الصحراء مجالا محفوفا بالمخاطر وغير مستثناة من التهديدات. وللإشارة فان موقع الجزيرة الانجليزي سبق أن نشر في شهر يونيه المنصرم مقالا باللغة الانجليزية، للكاتبة Hannah McNeish، عنوانه Western Sahara's struggle for freedom cut by a wall"نضال الصحراء الغربية من أجل الحرية يصطدم بجدار" وتضمن المقال إشارات وتصريحات تصف الجدار بالعازل وتشبيه للصحراء "الغربية" بفلسطين واتهام أن المغرب ينفق على جماعات الضغط بأمريكا ثلاثة مليون دولار أمريكي عن سنة 2013، وغيرها من الادعاءات ، وهو ما يستدعي ليس بمجرد البلاغ بل ردا وتعقيبا يفند المزاعم بالحجة والبرهان والدليل. *محامي بمكناس وخبير في القانون الدولي