قدْ لا يُسعفُ الطالبَ الجامعيَّ في المغرب الجدُّ والاجتهاد وسهرُ الليالي ليظفرَ بالنجاح. فثمّة أعرافٌ سَنّها بعضُ الأساتذة تُحتّم على الطالب الراغب في النجاح أن ينصاعَ لها، مُكْرها لا راغبا، لتفادي ذهابِ مجهوده المبذول طيلة السنة الدراسيّة هباءً منثورا، وَمِنْ هذه "الأعراف" فرْضُ بعض الأساتذة على الطلبة اقتناء كتبهم، بداعي "الاستزادة في العلم والفهْم"، وإنْ كانتْ مهمّة الأستاذ الأصليّة، هي شرْحُ الدروس لطلبته داخلَ قاعة الدرس ليفْهموا. في العاصمة الرباط ثمّة مكتباتٌ يتعامَل معها بعْض الأساتذة الجامعيّين دونَ سواها، لبيْع كتُبهم المُوجّهة أصلا إلى الطلبة، ومرَدُّ هذا التعامُل "الخاصّ"، هُوَ أنَّ أصحابَ هذه المكتباتِ يُعدُّون قوائم باسم الطلبة الذين اقتنوا كتبَ "السادة الأساتذة" ويُطلعونهم عليها. هسبريس زارتْ إحدى هذه المكتبات بحيّ ديور الجامع بالرباط. مَا أنْ يقتنيَ طالبٌ كتابَ أستاذٍ حتّى تُدوّنَ صاحبة المكتبة الشهيرة اسمه على القائمة. وتُرفعُ القائمة إلى الأستاذ، ليَعرفَ مَنْ هُم الطلبة الذين اقتنوا كتابه، "المفروض" على الطلبة فَرْضا. معاناة مريرة لا يُولي الأساتذة الذين يُجبرون طلبتهم على اقتناء كتُبهم أيَّ اعتبارٍ للوضعية الاجتماعية للطلبة، وفئاتٌ كثيرة منهم ينتمون إلى الطبقة الفقيرة. ففي حينِ لا تتعدّى المنحة الجامعيّة التي يحصُل عليها الطلبة "الفقراء" 1800 درهم كلّ ثلاثة شهور، بعْدما كانتْ لا تتعدّى 1300 درهم فقط، فإنَّ أكثرَ من ثُلث هذه المنْحة قدْ يُصرفُ كلّه في اقتناء كُتب الأساتذة، فبعمليّة حسابيّة فإنّ الطالبَ المُجبر على اقتناء ستّة أو سبعة كُتب في كلّ دورة، قد يدفع لقاءَ ذلك 600 درهم أو أكثرَ. عثمان (اسم مستعار)، وهوَ طالبٌ جامعيُّ سابق بسِلْك الماستر في كُلّية الحقوق بالرباط، يرْوي جُزءً من المُعاناة المريرة للطلبة مع الأساتذة الجامعيّين أصحاب "الكُتب المفروضة" على الطلبة، ويتذكّر كيف أنّ أحد أساتذة القانون الإداري (نتحفّظ عن ذكر اسمه)، أصدَرَ كتابا، وحينَ نفدتْ كلُّ نُسخه في السوق، فرَض على الطلبة اقتناء نُسخة مُصوّرة من الكتاب، بعْد اتفاقه مع مكتبة في حيّ "القامرة" بالرباط على طبْع النّسخ وبيْعها للطلبة، مقابلَ 90 درهما للنسخة الواحدة. ويستطردُ عثمان، وهوَ يسْردُ معاناة الطلبة مع أستاذ القانون الإداري، أنّ هذا الأخير لمْ يكْتفِ فقطْ بتوجيه طلبته إلى المكتبة التي تطبعُ نُسخَ كُتبه، بلْ تجرّأ في إحدى الحصص الدراسيّة خلال الموسم الجامعي الفائت، وقال للطلبة "مَنْ لمْ يُسوِّ وضعيته معَ المكتبة فلَه أسبوع واحد ليفعل"، يقول عثمان، ويضيف أنَّ هناك أساتذة يفرضون على الطلبة شراء كتبهم، ويُجبرونهم على إحضارها يوم الامتحان ويوقّع عليها الأستاذ شخصيا، كي لا يعطي طالب نسخة من الكتاب لطالبٍ آخر. ابتزازٌ ناعم الأساتذة الذين يُجبرون طلبتهمْ على اقتناء كُتبهمْ لا يكتفونَ فقطْ بأمر الطلبة بالتوجّه نحو المكتباتِ التي يتعاملون معها، وهيَ، في مدينة الرباط معروفةٌ لدى الطلبة، بلْ يَحْرصون على أنْ تكونَ عمليّة "الشراء الإجباريّة" موثّقة، ويشرحُ علي (اسم مستعار)، وهو طالب في كليّة الحقوق بالرباط، أنَّ ذلك يتمُّ إمّا منْ خلال تسجيل الطالب لاسْمه في لائحة مُخصّصة لهذا الغرض، لدَى صاحب المكتبة، ويتوصّل الأستاذ لاحقا بهذه اللائحة، أو عبْرَ إحضار الطالب للكتاب خلال الامتحان الشفوي ليتأكّد الأستاذ أنّ الطالبَ اقتنى كتابَه فعلا. ثمّة أساتذةٌ يلجؤون إلى إجبار الطلبة على اقتناء كُتبهم بطرُق "لطيفة"، أو ما يُمْكن تسميته ب"الابتزاز الناعم"، ويحكي علي أنّ بعض الأساتذة يكتفون خلال المحاضرة بشرح مقتضب لفكرة معيّنة، دونَ الاستفاضة في الشرح، ويقولون للطلبة: "التفاصيل توجدُ في الكتاب"، فلا يجدُ الطالب -يضيف علي- بُدّا من التوجّه إلى المكتبة التي يتعامل معها الأستاذ لشراء كتابه حتّى يطّلعَ على الدرس كاملا. ممارساتٌ غير قانونيّة إجبارُ بعْض الأساتذة الجامعيين طلبَتَهُم على اقتناء كُتبهمْ يطرحُ سؤالَ مدى إنْ كانَ هذا الفعل قانونيّا أمْ لا؟ طرحْنا هذا السؤال على وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، الحسن الداودي، فكانَ جوابُه حاسما: "الطالبُ ليْس مُجبرا على أنْ يقتنيَ كتابا تحتَ الضغط"، يقول الوزير الوصيّ على قطاع التعليم العالي، ويضيف: "الطالب له الحقّ أنْ يشتري هذا الكتاب أو ذاك، والأستاذ ينصح بالكتب، لكنْ لا يحقّ له أن يفرض على الطالب أن يقتني كتابا معينا". جواب الوزير الداودي، الذي يعترفُ بأنّ العملية غيْرُ قانونيّة، يُحيلُ على سؤالٍ آخر، حوْلَ الجهة التي من المفروض أنْ تتصدّى لإجبار الأساتذة لطلبتهم على اقتناء كُتبهم، ما دامَ أنَّ ذلك غيرُ قانوني؟ وزيرُ التعليم العالي يَرَى أنَّ هذا الموضوع لا ينبغي تضخيمه، وقالَ "إذا كانَ هناك أستاذ أو اثنان، فلا يُمكن أنْ نقول إنّ كُلّ أساتذة الجامعات المغربية يفرضون على الطلبة اقتناء كتبهم، هذه استثناءات". لكنْ من سيتصدّى لهذه "الاستثناءات"؟ يُجيبُ الداودي في حديثه لهسبريس على السؤال بالقول: "بإمكان العُمداء أن يُعالجوا هذه الإشكالية"، ثمّ يضيف كأنّما يحاولُ النأيَ بنفسه عن أيّ مسؤولية: "هي إشكاليات قليلة ولا يُمكن للوزير أن يُتابعها كل واحدة على حِدة". ولمْ يجد الداودي ما يُدافع به عنِ الطلبة الذين يتعرّضون للضغط لشراء كتُبِ بعض الأساتذة سوى دعوة هؤلاء إلى "أن يَحْجُموا عنْ هذا التعامل لأنّ هذا الأسلوب غير لائق". أمّا الطلبةُ فيتجرّعون مَرارة "الابتزاز" في صمْت، خشية ثأر الأساتذة. يتذكّر عثمانُ أنّ مجموعةً من زُملائه الطلبة بكليّة الحقوق أكدال بالرباط قاموا، قبْل أربع سنوات بالاحتجاج على فرْض أحد الأساتذة عليْهم اقتناء كُتبٍ من فرنسا، فتدخّلت الإدارة وأبْعدت الأستاذَ عن التدريس في سِلْك الماستر. وبالنسبة لُعثمان، فإنّ سببَ صمْت الطلبة عنْ إجبارهم من طرف بعْض الأساتذة على شراء كُتبهم راجعٌ إلى صعوبة إثبات ذلك. "لا يُمكنُ أنْ يأتي طالبٌ ويتهمَ أستاذا بدون دليل"، يقول عثمان باستسلام. الطلبة والمال وفي مُقابل بعْض الأساتذة الساعين إلى كسْب أرباحٍ مادّية بقُوّة سُلطتهم على حساب الطلبة، ثمّة أساتذة آخرونَ يبْذلونَ ما في جُهدهم لأداء مُهمّتهم في شرْح مضامين المقرّرات للطلبة في محاضراتهم، ورُغْم أنّهم ألّفوا كُتبا، إلّا أنّهم لا يفرضون على الطلبة اقتناءها، ويتركون لهمْ حرّية الاختيار بيْن ما هو مُتوفّر من المراجع في المكتبات. "هؤلاء الأساتذة -يقول عثمان- لهم مبادئُ ولا يفرضون على الطلبة أي شيء فوق طاقتهم"، مضيفا أنّ هناك أساتذة يمنحونَ كتبا بالمجان للطلبة أو بثمن رمزي. وبيْنَ السلوك الحميد لهؤلاء الأساتذة وسلوك أولائك الذين يُجبرون الطلبة على اقتناء كُتبهم، يرى علي أنّ هذه الممارسات، التي قال وزير التعليم العالي إنها "نادرة ولا يمكن أن نقول إنها شائعة في الجامعة المغربية"، يجبُ أن يُوضع لها حدّ، متسائلا باستنكار: "مِنْ أيْن سيأتي الطالبُ أو الطالبة بالمال لشراء ثمانية كتب في كل دورة، أي 16 كتابا في السنة، وكل كتاب لا يقل ثمنه عن 80 درهما، خاصّة وأنَّ أغلبَ الطلبة يعتمدون على المنْحة، إنْ وُجدتْ، للعيش؟".