انصب النقاش في اﻻعلام الكندي خلال هذا اﻻسبوع حول مفهوم " اﻻبادة الثقافية" بعد إصدار القاضي الكندي "موراي سانكلير" تقريره بعد سبع سنوات من البحث واﻻفادات والشهادات (( 7650 في اطار "لجنة المصالحة والحقيقة " الكندية, حول ما تعرضت له الشعوب اﻻصلية بكندا من انتهاكات وممارسات غير إنسانية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبالضبط مذ سنة 1870 إلى سنة 1970 ,حيث عمدت السلطات الكندية سابقا وبالمباركة الفعلية والعملية من الكنيسة إلى عملية ممنهجة ﻻجتتاث الشعوب الهندية اﻻصلية ,مع ما واكب ذلك من جراحات غائرة ﻻ زالت لم تندمل بعد.والحكاية التي تدمي هو أن السلطات الكندية آنذاك كانت تزج بأطفال الشعوب اﻻصلية في دور للايواء اومايسمونه ب pensionnat ( 139 دار ايواء ) حيث يستقبل هؤﻻء اﻻطفال بطريقة منحطة وﻻانسانية ويعاملون بوحشية إلى درجة تعرضهم لممارسات جنسية من طرف الساهرين على هذه الدور.وان كان منطوق هذه الحملات انذاك هو تربية أبناء السكان اﻻصليين تربية معاصرة ومعصرنة و تلقينهم أبجديات الحضارة الغربية وتخليصهم من براثن الهمجية واللا تحضر، فإن هذه الممارسات اخذت منعرجات سياسية حيث كان الهدف الغير معلن هو تدجين اﻻجيال القادمة وتطبيعها على حياة المستعمر إلى درجة اﻻجتتاث النهائي للهويات المتعددة والمختلفة لهذه الشعوب. اﻻ ان المسألة الهوياتية للشعوب الهندية "اﻻتوكتونية "بكندا ليست مسألة جديدة على النقاش العمومي في كندا بل الجديد اليوم و الذي أجج هذا النقاش واذكاه هو تضمن التقرير اﻻخير للجنة "المصالحة والحقيقة" الكندية والتي تحمل على عاتقها اماطة اللثام عن واقع لئيم ودام تعرضت له ما يسمى ب( الامة الاولى) وضرورة كشف الحقيقة للراي العام الكندي وخاصة للاجيال الحالية وا لقادمة ,لمفهوم يبدو أنه يؤشر على خطورة الفعل ووحشية الممارسات وعمق اﻻجتتاث، هذا المفهوم الذي ليس متضمنا في عهود ومواثيق اﻻمم المتحدة او اليونيسكو( حيث يتم الحديث عن الجرائم الثقافية ) ؛ وان كان الشق الاول منه يعرف تداولا كبيرا في بداية القرن الواحد والعشرين على المستوى الاعلامي وعلى مستوى المؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية المشتغلة في مراقبة حقوق الانسان في العالم , الا ان الصفة المرتبطة به تبدو اقل تداولا واقل اهتماما من طرف المنابر الاعلامية او شركاء حقوق الانسان , حيث يتعلق الامر بمفهوم "اﻻبادة الثقافية " للشعوب اﻻصلية في اﻻمتداد الترابي الكندي والذي زعزع اركان الجهات الرسمية وخيب توقعاتها من التقرير , لكنه مع ذلك افرز نقاشات ومواقف سياسية وردود فعل , مفعمة احيانا بالدهشة وبالحزن احيانا , وان اختلفت اﻻراء حول المضمون الحقيقي لهذا المفهوم خاصة وأننا ﻻ نملك اﻻ تصورا واحدا و أحاديا عن مضمون " اﻻبادة" هو ارتباطها بالمجازر والتصفيات اﻻثنية سواء في تاريخنا المعاصر اوالمتوسط أو البعيد, حيث ان التاريخ يسجل صورة قاتمة عن هذه اﻻبادات العرقية واﻻ ثنية بدوافع شوفينية غامضة معلنة أو غير معلنة أحيانا ,دينية وأخرى تتعلق بصفاء العرق (رواندا مثال قريب) لكي ﻻ نستحضراﻻ مثاﻻ واحدا. لكن الحديث عن مفهوم "اﻻبادة الثقافية " يحيلنا إلى اختيارات وخلفيات أخرى, مغايرة تتعدى اﻻعتداء الفزيكي والتصفية الجسدية إلى التصفية الثقافية حيث يبدو اﻻمر أكثر هوﻻ ,ﻻن عملية اﻻجتتاث الثقافي هو محاولة محو أثر أمة بكاملها من وجه البسيطة عن طريق غسل دماغ أجيالها القادمة و تدمير كل ممتلكاتها و راسمالها الرمزي . ومن هنا جاءت جرأة هذا التقرير حيث سمى أﻻشياء بمسمايتها مما لعلع النقاش في وسائل اﻻعلام الكندية .وبخلاف المواقف الحكومية الرسمية المتحفظة والمحافظة، ورغم اعترافها الرسمي بهذه "اﻻعتداءات" سنة 1988 ، فإن وسائل اﻻعلام بدأت تتفطن للعبة القذرة لهذه الممارسات في الفترات السابقة ،كما بدأت تعترف وبالعلن بأن الشعوب اﻻصلية مرت من أحلك تاريخها بما تعرضت له من هجوم ومسخ ممنهج ومرسم لهوياتها الثقافية ,ﻻقتلاعها جذريا من تاريخها وأساس وجودها . لذلك أصبح الكل يجمع على ضرورة رد اﻻعتبار المادي والمعنوي لهذه الشعوب عن طريق تدابير استعجالية تضمنتها توصيات التقرير. الا انه لابد لاي مراقب ان يتساءل كيف اضحى مفهوم واحد تم عزله عن محتويات التقريرالذي يتضمن 124 صفحة ,والموسومب " الإبادة الثقافية" (génocide culturel) في كندا الان , مثار اهتمام نقاش عام , ومحرك للحفر في تاريخ انبنى على التصفية بكل امتداداتها, بل اصبح هذا المهفوم يشكل في حد ذاته خطابا معتمدا لتوليد الافكار والتحاليل والمساجلات احيانا ,بل الادهى من ذلك تحول الى مسالة سياسية معقدة , لمقاربتها لا بد للفرق المتنازعة حول المفهوم المشترك للتاريخ الكندي تدبير الحجاج, الذي قد يكشف عن خنوع او شجاعة المواقف حول ملف يعتبر حجرة عثرة منذ سنوات امام مصالحة كندا مع التاريخ , الا ا ن الاهم من كل ذلك , هو فتح نقاش عمومي مثمر, قد يعتمد لاحقا التجربة "المانديلية "او الاسترالية , بالرغم من ان المسالة تبدو اكثر حساسية هنا وستستدعي وقتا أكبر للحسم, فهي احيانا توظف كاوراق للتلويح او للتعتيم , الا انني اريد ان انقل للقارئ المغربي بعض اهتمامات الراي العام الكندي , مع الاشارة الى قوة المرافعات والنقاشات التي اثارتها كلمة واحدة ومعزولة , الا انها تلخص فترة تاريخية متراكمة و حالكة ومرة , كان من المحتمل ان تطوى صفحتها , الا ان ذوي البصائر يستعففون من اغلاق السجل , وانا استحضر طبيعة النقاش العمومي في بلدي عن مفهوم اخر مغايروهو مفهوم "العري" ما هي الخلاصات والاثرالمحتمل لهذا النقاش الوطني على المنظومة الفكرية المغربية…. ??