بعد مهزلة العيون لا شك أن مواطنا مغربيا سيقول لمواطن آخر: (هاد الناس شبعو خبز،كلش عندهم رخيص او محمدينش الله، إلى كانو هما دارو هاد لفضيحة يعلم الله أش خاصنا نديرو حنا) هنا سيجيبه آخر (من الأول جوعونا أو شبعوهم، عرونا أو لبسوهم، أوهادي هي النتيجة) وسيقول آخر:( ها المازوت رخيص، ها الدقيق ولاو تيطرسو به البقاعي فبلاصت الجير حيث ولا غير مزلع، ها السكر ها الزيت ها لحليب كولشي بنص الثمن اوزيد اوزيد ) هنا سيتدخل مواطن آخر في الحوار يبدو أنه على علم ببعض الأمور( علاه نسيتي الغرايم ديال البحر أو لبر او التوظيف المباشر أسيدي، أوراني سمعت الناس تتخلص بلا متخدم ) هنا سيتدخل موطن آخر بشكل غاضب: ( بقاو حضينهم غير هما أوخلاونا حنا، واش هذا ماشي ميز عنصري أعباد الله) وهنا قد يستمر الحوار أو ينتهي لكن المعنى يبدو واضحا جدا. كل هذا ليس كلامي بطبيعة الحال بل هو ما يروج في التجمعات والبيوت والمقاهي هذه الأيام أو أن ذلك هو لسان حال المغاربة منذ عقود حتى الآن . لكنهم لا يستطيعون البوح به علانية، باعتبار أن الصحراء أصبحت مقدسة أكثر من أي شيء مقدس، دون أن يشرح لنا أحد سر هذا التقديس. علما أن كل شيء يحتمل الأخذ والرد والمناقشة...ونتيجة هذا التقديس هاهي كما ترون... هذه هي النتيجة! وقبل أن نتطرق إلى أحداث العيون لا بأس أن نطرح سؤالا وجيها للغاية: لماذا ينعم سكان الصحراء بامتيازات متنوعة ومتعددة، لا يمكننا نحن أن نتمتع ولو بواحدة منها؟ أليسوا مغاربة مثلنا؟ فإذا كنا متأكدين بأن هؤلاء الناس يشاركوننا الوطن والعلم، فعلى الدولة أن تساوي في اختياراتها، وما يسري على سكان الصحراء يجب أن يسري على جميع المغاربة، ومن لم يعجبه الوضع من الصحراويين فليشرب من ماء البحر. هكذا إذن يجب معالجة الأمور بوضوح تام بدل تلك الضبابية التي استمرت بعد المسيرة الخضراء إلى حدود الآن، و التي تولد عنها حقد دفين لدينا على الصحراويين، دون أن ندري أن الدولة وبغبائها في كثير من الأحيان هي التي صنعت هذا الحقد ، عندما تبنت سياسة تقسيم المواطنين إلى درجات : هم من الدرجة الأولى ونحن من الدرجة الثانية، كما يوجد من هم من الدرجة العشرين! وحتى داخل الصحراويين أنفسهم تم تقسيمهم حسب رتب معينة، وذلك على قدر استفادة كل واحد منهم من الإمتيازات، فهناك فئات حصدت كل شيء وتركت للباقين الفتات، هذا الفتات لو أنعموا به علينا لكنا من الحامدين الشاكرين، وما زحفنا بخيامنا وصوانينا وسط الرمال كما هم يفعلون الآن. لنرجع الآن إلى ما وقع بالعيون فهؤلاء الناس وكما نعلم زحفوا بخيامهم كالرحل في إتجاه الصحراء، متخذين مكانا معينا لنصب خيامهم في العراء، في ظل وضع إنساني غير مقبول...أما من يريد أن يعرف أسباب هذا النزوح فهي غير واضحة . فالأخبار الغير الرسمية التي تم تسريبها تقول بأن لهؤلاء النازحين أغراض انفصالية سببها تردي أوضاعهم الاجتماعية، أما الجهات الرسمية فقالت كلاما آخرا، إذ خرج علينا الناطق الرسمي بإسم الحكومة ليبلغنا بما اتفقوا عليه، وهو تلك الأسطوانة المملة التي لن يصدقها إلا معتوه أو مجنون، حيث أكد أن ما يحدث في العيون هو وجه من أوجه الديمقراطية والحداثة التي يشهدها المغرب، حيث خرجت الجموع في جو حضاري للمطالبة بتحسين أوضاعهم الإجتماعية( يا سلام على الحداثة)... هذا ما ردده الجانب الرسمي عند بداية هذه المهزلة، والذي يمكن تصنيفه في إطار الاستخفاف بذكاء الشعب، فمن سيصدق هذا الهراء؟ والدليل على كلامنا هو ذاك الانقلاب الغير مفهوم في الجانب الرسمي الذي عاد ليتحفنا برواية أخرى مفادها أن هذه الأحداث من تنظيم عناصر موالية لمرتزقة البوليساريو. فهل نصدق الدولة عندما أكدت لحد قاطع أن نزوح الصحراويين تعبير حضاري عن مطالب إجتماعية؟ أم نصدقها عندما أقرت بالنوايا الإنفصالية لهِؤلاء النازحين؟ أنا في حقيقة الأمر لا أصدق لا الإحتمال الأول أو الثاني، بل انا متأكد من خيار ثالث لا يساورني فيه أدنى شك، وهو أن الدولة تلعب! نعم تلعب، والمسِؤولين عن هذا الملف لم يكتل نضجهم المعقول حتى يقوموا بتدبير هذه القضية. لنترك الآن الدولة مستمرة في أخطائها ولنحاول أن نفهم ما يقع ...فأي مواطن مغربي بسيط لو سألناه عن أحداث العيون، سيجيبنا بدون تردد، بأن العملية برمتها اعتمدت على التحريض الذي نهجه الموالون للبوليساريو، معتمدين في ذلك على تهييج المطالب الاجتماعية للصحراويين، بناء على الدعم القوي لحكام الجزائر، الذين وبدل أن يسدوا جوع شعبهم الذي يقتات من المزابل، فإنهم مصرين على أن يقضوا كل الوقت في إزعاج المغرب... وهذا أمر أوضح من أن يوضح، ومن يقول غير ذلك سنتهمه بالسفه. وهنا سنعود مرة أخرى للدولة ، إذ كيف نشط هؤلاء الانفصاليون بكل هذه الحرية أثناء عملية التحريض؟ وكيف تجمع هذا الكم الهائل من الناس وبهذه السهولة ؟ لماذا لم يتم ضربهم بعصا من حديد حتى تقبر هذه المهزلة قبل أن تولد؟ أين كانت الدولة من كل هذه الأمور؟ فالمتأمل لهذا الوضع سيفهم أن الدولة كانت في عطلة! بل واستمرت الدولة في سلسلة أخطائها الغير المفهومة، عندما اتخذت قرارا بالاستجابة للمطالب الاجتماعية للنازحين( على سبيل التحزار) وذلك بتوزيع المئات من البقع الأرضية وكذا خلق فرص الشغل للآلاف من المعطلين أو الذين يدعون ذلك، لتستمر سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع مطالب الصحراويين ومطالبنا نحن غير الصحراويين، وليتأكد لنا بالفعل أن المسؤولين جانبهم الصواب في التعامل مع هذه القضية. فليس كل أحمق شده الحنين لمناشدة الرمال وتقليب الشاي في الصحراء، سنلاحقه نحن بامتيازات السكن والعمل، بينما المعطلون و المشردون يتمزقون داخل المغرب دون سائل أو مسؤول. والجميل في الأمر أنه رغم التحزار و التبزار بقيت الخيام منصوبة حتى جاء تدخل الدولة لإنهاء هذه المهزلة...هذا التدخل الذي يعتبر مهزلة أخرى لم تكن في الحسبان، خصوصا عندما نعرف أن المستشفيات كدست برجال الأمن من المصابين والجرحى، بالإضافة لعدد لا يستهان به من القتلى، دون تسجيل ولو قتيل واحد في صفوف الإنفصاليين. مما سيجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول ماهية التعليمات التي أعطيت لرجال الأمن؟ وكيف كان هذا التدخل؟ هل طلبو منهم ألا يزعجوا سكان هذه الخيام حتى لو قتلوهم وعند ذاك مصيرهم الجنة؟ فأنا لا أريد أن أصدق أن مسؤولينا تحولوا إلى شيوخ وعاض، جمعوا رجال الأمن قبل التدخل يحدثونهم عن زوال الدنيا وحسن الثواب في الآخرة، ويحثوهم على الشهادة والرأفة بالعدو! فالدولة بتعاملها الناعم مع هؤلاء الأوباش، لا تريد أن تفهم أننا غير مستعدين لتأبين عدد كبير من الشهداء، من أجل حفنة من المجرمين. فإذا كان المسؤولون قد إسترخصوا دماء أبنائنا من أجل إرضاء غرور بعض الصحراويين فليعلموا أننا لا نقبل ذلك...وإذا كانت الدولة تفتخرفي وسائل الإعلام بأن أحد السفاحين قام بنحر رجل إطفاء كالشاة أمام الملأ، فما عليها إلا إن تفهم أن الشعب لا يفتخر بذلك. فقد ولى زمن التباهي بدور الضحية والآخر هو الجلاد. لذلك فنحن نحترق شوقا لرؤية جثت كل السفاحين من الصحراويين هامدة في شوارع العيون. هكذا يفكر الشعب صفوة القول إذن: الصحراء مغربية بنيناها بدمائنا وأموالنا،ولسنا مستعدين للتنازل ولو عن حفنة من رمالها، والجانب القوي في هذا هو الإجماع الشعبي على مغربية هذه الأرض.إنه الشعب يتكلم...فلا تقتلوا هذا الحماس بتمجيد الصحراويين على حساب أبنائنا. إن الشعب هو الأساس...وهو يقول لكم عاملونا بالمساوات وافتحوا المعابر نحوتندوق حتى من لم يعجبه الوضع فليغادر. لأنه لا أحد سيغادر فلن يجدوا أرحم عليهم من المغرب. [email protected]