منذ تأسيس الدولة "العربية" بالمغرب على يد "ليوطي" في 1912، بدأت فكرة عروبة المغرب والمغاربة، بمعناها العرقي الجاهلي، تنتشر وتتأصل تدريجيا إلى أن أصبحت مع الاستقلال "بديهية" لا تثير نقاشا ولا تطرح أسئلة. وحتى لا تشوّش الأمازيغيةُ على هذه العروبة العرقية، ولتضمن هذه الأخيرة لنفسها الهيمنة السياسية والهوياتية الكاملة، قامت ب"تحييد" الأمازيغية وإبطال مفعولها، السياسي والهوياتي المحتمل، وذلك بالعمل على ربطها بل أسرها بأسطورة "الظهير البربري"، مع ما يعني ذلك من اقتران للأمازيغية والأمازيغيين بالاستعمار والتفرقة والعنصرية، حسب مضمون هذه الأسطورة. وقد كان هذا الربط للأمازيغية بأكذوبة "الظهير البربري" بمثابة إعلان لحرب "مشروعة" على الأمازيغية كان من نتائجها شيطنة هذه الأخيرة وإقصاؤها، لغة وثقافة وهوية وتاريخا وحتى إنسانا. وهكذا ستعيش الأمازيغية النفي والإقصاء داخل موطنها، بعد أن أصبحت كل دعوة إلى الاعتراف بالأمازيغية يعني دعوة إلى التفرقة والانفصال والعنصرية، وحنينا إلى الاستعمار. وهكذا جعلت "الحركة الوطنية" من الأمازيغية شيطانها الذي لا يستحق إلا الرجم واللعنة. وبما أن العروبة العرقية هي التي كانت وراء شيطنة وإقصاء الأمازيغية، كما قلنا، فإن كل مطالب الحركة الأمازيغية، منذ أن ظهرت أوائلَ النصف الثاني من القرن الماضي إلى اليوم (2014)، ستتحدد بالتقابل مع هذه العروبة العرقية التي أقصت وعادت الأمازيغية. وهو ما جعل هذه المطالب تتخذ شكل ردّ فعل على هذه العروبة العرقية، لا أقل ولا أكثر، ولا تتضمّن أي فعل أو مبادرة أو مشروع خارج ما هو ردّ للفعل على إقصاء الأمازيغية من طرف هذه العروبة العرقية. وهكذا نجد أن الحركة الأمازيغية قد انطلقت، في بداياتها، مما هو ثقافي عندما كانت تطالب بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية، بالمعنى الأنتروبولوجي العام لمفهوم الثقافة، الذي يشمل الغناء والموسيقى والرقص والشعر وكل الفنون الشعبية. وقد كان هذا المطلب ردّ فعل إزاء الثقافة العربية، غير المكتوبة، المهيمنة بالمغرب، كما كانت تتجلى مثلا في الغناء والموسيقى والرقص والمسرح والسينما...، والتي كان مصدرها المشرق العربي. فبما أن هناك ثقافة عربية معترفا بها تلقى كل العناية والاحتضان، فيجب إذن، وكردّ فعل، الاعتراف كذلك بالثقافة الأمازيغية والعمل على تنميتها والنهوض بها. ثم ستظهر، مع "ميثاق أكادير" (5 غشت 1991)، مطالب خاصة باللغة الأمازيغية عندما طالبت الجمعيات الموقّعة على هذا "الميثاق" من الدولة الاعترافَ بالأمازيغية كلغة وطنية، وليس رسمية، والبدءَ في إدماجها في التعليم. فبما أن هناك لغة عربية معترفا بها كلغة وطنية، فيجب إذن، وكردّ فعل، الاعتراف كذلك باللغة الأمازيغية كلغة وطنية. وبما أن اللغة الوطنية العربية تدرّس، فكذلك يجب، وكردّ فعل دائما، تدريس اللغة الوطنية الأمازيغية. هذا المطلب اللغوي نفسه سيتطور، مع "البيان الأمازيغي" (فاتح مارس 2000)، إلى مطلب للاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة رسمية. وذلك لأن هناك لغة رسمية هي العربية، فيجب، وكردّ فعل، الاعتراف كذلك بالأمازيغية كلغة رسمية. ومع هذا "البيان الأمازيغي" سيطرح المطلب الهوياتي المتمثل في الاعتراف بأمازيغية المغرب. فبما أن العروبة معترف بها كهوية للمغرب، فيجب، وكردّ فعل، الاعتراف أيضا بالأمازيغية كهوية للمغرب. فكما نلاحظ إذن، كل هذا المطالب، المتعلقة بالثقافة واللغة والهوية، كانت ردّ فعل تجاه العربية كلغة وطنية ورسمية، وتجاه العروبة كهوية للمغرب وللمغاربة، ولا تحتوي على أي مطلب جديد ليس ردّ فعل على ما هو عربي، لغة أو ثقافة أو هوية. إلا أن هذه الردود من الفعل، التي هي عماد المطالب الأمازيغية، كما رأينا، ستتوسع وتتطور لتشمل مطالب جديدة ومتنوعة، لكن أساسها يبقى هو هو، أي ردّ الفعل تجاه ما يعتبر عربيا بالمغرب، كما سنرى في الأمثلة التالية: فبما أن العروبة العرقية تستغل الإسلام لفرض وجودها السياسي والهوياتي بالمغرب، فقد ظهر مطلب العَلمانية لدى العديد من فصائل الحركة الأمازيغية، كردّ فعل على استعمال العروبة العرقية للإسلام لتعريب المغرب والمغاربة. وبما أن العروبة العرقية، وكمكمّل لاستغلالها للإسلام، تدّعي أنها تستمد قوانينها من الشريعة، فقد ظهر لدى الحركة الأمازيغية مطلب الاعتراف بالعرف الأمازيغي كمصر للتشريع والقانون، وذلك كردّ فعل على العروبة العرقية التي تستقوي بالشريعة. وبما أن العروبة العرقية هي المستحوذة على تاريخ المغرب، تتصرف فيه وتؤوله بما يخدم مصالحها العرقية، فقد ظهر لدى الحركة الأمازيغية مطلب إعادة كتابة تاريخ المغرب، كردّ فعل على الزيف والتزوير اللذيْن ألحقتهما به العروبة العرقية. وبما أن من يعتبرون أنفسهم بالمغرب عربا ينتمون إلى العروبة العرقية، يعتقدون أنهم وافدون قدموا إلى المغرب من البلاد العربية في القرون الماضية، فقد ظهر لدى الحركة الأمازيغية مطلب الاعتراف بالأمازيغيين كشعب أصلي، وذلك كردّ فعل على الشعب "العربي" الوافد وغير الأصلي بالمغرب. وبما أن الذين يعتبرون أنفسهم "عربا" بالمغرب يؤسسون عروبتهم العرقية على مفهوم القومية العربية، فقد ظهر لدى الحركة الأمازيغية من يدافع عن مفهوم القومية الأمازيغية، كردّ فعل على القومية العربية. وبما أن العروبة العرقية بالمغرب، تعتبر، على غرار الأنظمة العربية المشرقية، ديكتاتورية تمارس الحكم الفردي الاستبدادي، فقد رفعت الحركة الأمازيغية مطلب الديموقراطية كردّ فعل على استبدادية العروبة العرقية. وبما أن العروبة العرقية بالمغرب تعتمد على الحكم المركزي ذي الطبيعة الاستبدادية، فقد ظهر لدى الحركة الأمازيغية مطلب النظام الفيديرالي الديموقراطي كردّ فعل على النظام المركزي المرتبط بالعروبة العرقية. وبما أن العروبة العرقية ذات مرجعية تراثية وغيبية وإطلاقية، فقد كان ردّ الحركة الأمازيغية هو رفع شعار الحداثة والعقلانية والنسبية. وبما أن العروبة العرقية معروفة بذهنية التشدد والتطرف، فقد تبنّت الحركة الأمازيغية، كردّ فعل، الدفاع عن التسامح وحرية المعتقد. وبما أن العروبة العرقية بالمغرب كانت، إلى عهد قريب، لا تؤمن إلا بلغة واحدة هي العربية، وبثقافة واحدة هي الثقافة العربية، وبهوية واحدة هي الهوية العربية، وبشعب واحد هو الشعب العربي، فقد كان ردّ فعل الحركة الأمازيغية على هذه النزعة الواحدية هو المطالبة بالاعتراف بالتعدد والتنوع، لغة وثقافة وهوية وعرقا، كما يتجلى ذلك في المبدأ المشهور للحركة الأمازيغية، وهو "التنوع في الوحدة". وبما أن غالبية الأحزاب المغربية هي أحزاب عروبية في إيديولوجيتها وبرامجها، فقد ظهرت لدى الحركة الأمازيغية فكرة إنشاء أحزاب أمازيغية، كردّ فعل على الأحزاب العروبية. وبما أن هناك مفهوم "العالم العربي"، فقد خلق بعض النشطاء الأمازيغيين، كردّ فعل، مفهوم "العالم الأمازيغي" المقابل للمفهوم الأول... وهلم جرا... أن تكون هذه المطالب الأمازيغية، كما رأينا، ردّ فعل على القرارات والمواقف الأمازيغوفوبية للعروبة العرقية بالمغرب، فذلك شيء طبيعي ومنطقي. ذلك لأن الفعل (إقصاء الأمازيغية على جميع المستويات من طرف العروبة العرقية) يولّد ردّ الفعل، الذي هو، في هذه الحالة الخاصة بالمطالب الأمازيغية، المطالبة بالنقيض المقابل للعروبة العرقية بالنسبة للمستوى الذي أقصت فيه هذه العروبة العرقية الأمازيغيةَ، كما رأينا أمثلة على ذلك من عدة مستويات، مثل اللغة والهوية والحزب السياسي والقومية والفرق بين الأصلي والوافد... إلخ. إلا أن ما ليس طبيعيا ولا منطقيا هو أن تسجن الحركة الأمازيغية نفسها في ردّ الفعل، كشكل وحيد لنضالها ومطالبها. وهو ما يجعل موقفها سلبيا وضعيفا، لأن: العروبة العرقية هي التي تحدد طبيعة مطالبها وسقف هذه المطالب، ما دامت هذه الأخيرة ردّ فعل تابع، بالتالي، لفعل هذه العروبة العرقية نفسها. وهو ما ينتج عنه أن الدفاع عن الأمازيغية يتخذ الشكل الذي يحدده ويريده ويتحكّم فيه خصوم الأمازيغية أنفسهم من خلال مواقفهم وقراراتهم. النضال بسلاح ردّ الفعل لن يضع أبدا حدّا للإقصاء السياسي، الذي هو المشكل الحقيقي الذي تعاني منه الأمازيغية، كما شرحنا ذلك في مقال سابق (انظر موضوع: "في الإقصاء السياسي للأمازيغية" على رابط هسبريس: http://www.hespress.com/writers/247403.html). أقصى ما يؤدي إليه ردّ الفعل هو "السياسة البربرية الجديدة" التي تنهجها الدولة كصيغة تستجيب بها للمطالب الأمازيغية، لكن مع استمرار الإقصاء السياسي للأمازيغية، ما دام أن الاعتراف بالحقوق الأمازيغية لا يمس الثوابت العروبية للدولة بالمغرب كدولة عربية، تمارس سلطتها السياسية باسم الانتماء العربي، بمعناه العرقي. لكن الغريب، والمثير للتساؤل، هو أنه بالرغم أن مطالب الحركة الأمازيغية تتخذ شكل ردّ فعل تجاه كل أفعال العروبة العرقية، التي (الأفعال) فيها إقصاء للأمازيغية، إلا أن الفعل الأكثر إقصاء للأمازيغية، والذي كان يستوجب، أكثر من غيره، ردّ فعل قوي، سكتت عنه هذه الحركة ولم يثر لديها أي ردّ للفعل. إنه الفعل المتمثل في اعتبار المغرب، منذ 1912، دولة عربية ذات هوية عربية تمارس سلطتها باسم الانتماء العربي. ومع ذلك لم نسمع الحركة الأمازيغية تردّ على وجود الدولة العربية بالمطالبة بدولة أمازيغية، لوضع حدّ للإقصاء السياسي للأمازيغية، حسب ما شرحناه في المقال المشار إليه أعلاه. لماذا، إذن، كانت للحركة الأمازيغية ردود فعل على مواقف العروبة العرقية ذات العلاقة باللغة والثقافة والهوية والحزب والعرق...، ولم يكن لها أي ردّ فعل على الدولة العربية، التي هي السبب الحقيقي للإقصاء السياسي الذي تعيشه الأمازيغية منذ 1912؟ الجواب هو أن الحركة الأمازيغية عندما تطالب، مثلا، بالاعتراف بالتاريخ الأمازيغي واللغة والثقافة والهوية والأعراف الأمازيغية، فإنها تطالب بذلك في إطار التنوع الثقافي واللغوي والهوياتي، الذي يشمل ما هو عربي وما هو أمازيغي كمظهر لهذا التنوع. فليس هناك إذن مشكل أن تكون للمغرب لغتان وثقافتان وتاريخان، ويوجد به عرقان أو أكثر... لكن المشكل هو أن تكون له دولتان، إحداهما عربية والثانية أمازيغية. فسيكون ذلك فتنة وتجزئة لا أحد يريدهما للمغرب، سواء كان أمازيغيا أو يعتبر نفسه عربيا. فحفاظا على وحدة المغرب الوطنية والسياسية (دولة واحدة وسلطة واحدة)، لم تطالب الحركة الأمازيغية بدولة أمازيغية كردّ فعل على الدولة العربية، كما فعلت مثلا في مطالبتها بلغة أمازيغية رسمية لأن هناك لغة عربية رسمية. لكن لماذا تعتقد الحركة الأمازيغية أن المطالبة بدولة أمازيغية سيؤدي إلى وجود دولتين، وليس دولة واحدة، مع ما يعني ذلك من خطر على الوحدة الوطنية؟ الجواب هو أن الحركة الأمازيغية، كما يتجلى ذلك مثلا في "ميثاق أكادير" و"البيان الأمازيغي"، تربط الهوية، وكردّ فعل مرة أخرى على نفس التصور العروبي للهوية، بالعرق والنسب. وبما أنه يوجد بالمغرب، كما تُشيع ذلك العروبةُ العرقية، عرق عربي له دولته العربية، فإن مطالبة العرق الأمازيغي بدولته الأمازيغية، سيجعل المغرب مقسّما إلى دولتين. وهذا التقسيم ترفضه الحركة الأمازيغية الحريصة على وحدة المغرب. لهذا ضحت هذه الحركة بمطلب الدولة الأمازيغية حفاظا على الوحدة الوطنية والسياسية للمغرب. لكن لو تبنّت الحركة الأمازيغية، ومنذ البداية، التصورَ الترابي للهوية، الذي يخص الهوية الجماعية وليس الفردية والوطنية للشعوب والدول مثل الشعب المغربي والدولة المغربية، لما ترددت لحظة في المطالبة بإقامة دولة أمازيغية. لأن ما تتخوف منه من احتمال قيام دولتين عرقيتين، إحداهما عربية والثانية أمازيغية، أمر مستحيل يتنافى مع المفهوم الترابي للهوية، الذي يعني أن أرضا واحدة، مثل الأرض المغربية، لا يمكن، منطقيا وواقعيا، أن يكون شعبها إلا بهوية واحدة، هي نفسها هوية الأرض الواحدة التي ينتمي إليها، كما لا يمكن أن يكون لهذا الشعب إلا دولة بنفس الهوية التي هي هوية أرضه التي ينتمي إليها. وبالتالي، فإن المطالبة بالدولة الأمازيغية لا يعني المطالبة بدولة العرق الأمازيغي، بجانب دولة العرق العربي. فإذا ربطنا الدولة بالعرق، كما تفعل العروبة العرقية، فسوف لن نكون أمام إمكان قيام دولتين فقط بناء على وجود عرق عربي وعرق أمازيغي، بل سنكون أمام إمكان قيام دول متعددة بتعدد أعراق سكان المغرب. ذلك أنه بنفس المنطق العرقي الذي تقوم به دولة عرقية عربية وأخرى عرقية أمازيغية بالمغرب، يمكن أن تقوم دولة يهودية ودولة فينيقية ودولة رومانية ودولة بيزنطية ودولة سنيغالية ودولة أندلسية ودولة إسبانية ودولة فرنسية... إلخ، ما دام أن هذه الأعراق لها حضور، بشكل أو آخر، بالمغرب، ويحق لها أن تطالب بدولتها العرقية على غرار العرق العربي والعرق الأمازيغي. النتيجة أن الدولة الأمازيغية لا تعني دولة عرقية بجانب دولة عرقية أخرى، بل تعني دولة المغرب الواحدة التي تستمد هويتها، كما هو شأن جميع الدول والشعوب، من أرضها المغربية. وبما أن هذه الأرض هي أمازيغية، أي شمال إفريقية، فإن هوية هذه الدولة لا يمكن أن تكون إلا أمازيغية، أي شمال إفريقية، إلا إذا كانت دولة محتلة، فتكون بالتالي هويتها أجنبية. وهذا ليس حال الدولة المغربية التي هي دولة تنتمي، رغم أن مؤسسها "ليوطي" أجنبي، إلى الأرض الأمازيغية الإفريقية، نشأة وموطنا. إذن لا خوف على وحدة المغرب، الوطنية والسياسية، من المطالبة بالدولة الأمازيغية. بل، وعلى العكس من ذلك، إن هذه الدولة الأمازيغية، بمفهومها الترابي الموْطني، هي أكثر ضمانا وصونا للوحدة الوطنية والسياسية للمغرب، لأنها ليست دولة الأعراق والأنساب والقبائل المنحدرة، حقيقة أو افتراضا، من هذا العرق أو ذاك النسب، مما يعطي الحق لكل من ينتسب إلى عرق مختلف أن يطالب بإقامة دولته العرقية، بل هي دولة لا تنتمي إلى أي عرق أو نسب أو قبيلة، لأنها تنتمي إلى الأرض، أي إلى موطنها بشمال إفريقيا. وبالتالي فهي دولة واحدة لجميع الأعراق والأنساب والقبائل، على اختلافها وتنوعها، ما دامت هذه الأخيرة هي نفسها تنتمي إلى نفس الأرض الواحدة والموطن الواحد، بغض النظر عن أصولها العرقية، الحقيقية أو المنتحلة. فكما نلاحظ، إن ما يهدد الوحدة الوطنية والسياسية للمغرب هو التصور العرقي للهوية، المرتبط بالعروبة العرقية. في حين أن التصور الترابي للهوية هو تصور وحدوي يجعل جميع المغاربة، رغم تنوع أصولهم العرقية، الحقيقية أو المفترضة، منتمين إلى نفس الأرض الأمازيغية بشمال إفريقيا، التي تمنحهم هويتهم كشعب وكدولة، وليس كأفراد من حقهم أن يدّعوا أن لهم أصولا عرقية عربية أو يهودية أو فينيقية... وعليه، إذا كانت مطالب الحركة الأمازيغية تشكل ردّ فعل على إقصاء العروبة العرقية للأمازيغية، وهو ما جعل مواقف هذه الحركة سلبية تفتقر إلى المبادرة والفعل لأنها تابعة لفعل العروبة العرقية، فإن انتقال هذه المطالب إلى الفعل لن يتحقق إلا بالمطالبة بالدولة الأمازيغية، بالمعنى الترابي الجغرافي دائما، ليس كردّ فعل على الدولة العربية بالمنطق العرقي، بل كأسمى فعل بالمنطق الهوياتي الترابي، الذي يخص هوية كل الشعب وكل الدولة، وليس هذا الفرد أو ذاك، الذي ينحدر من هذا العرق أو ذاك. فالدولة الأمازيغية، بهذا المعنى وفي هذه الحالة التي تعنينا، هي دولة الوحدة ودولة الجميع، وليست دولة خاصة بالعرق العربي كما هو شأن الدولة العربية بالمغرب، لأنها تستمد عروبتها من العرق العربي، وليس من الأرض العربية التي لا وجود لها بشمال إفريقيا. ومن جهة أخرى، إن مطالبة الحركة الأمازيغية بالدولة الأمازيغية سيضع حدا نهائيا للإقصاء السياسي للأمازيغية والأمازيغيين، لأن السلطة السياسية للدولة الأمازيغية ستمارس وهذا هو معنى الدولة الأمازيغية باسم الانتماء إلى الأرض الأمازيغية بشمال إفريقيا، التي هي موطن الدولة المغربية ذات الهوية الأمازيغية. إذن انتقال المطالب الأمازيغية من ردّ الفعل، السلبي والتابع، إلى الفعل، الإيجابي والمستقل، سيبدأ من المطالبة بالدولة الأمازيغية، بمعناها الترابي الذي شرحناه. وهو ما يمثّل كذلك انتقالا لهذه المطالب من مستواها الثقافي إلى المستوى السياسي، المطابق لطبيعة القضية الأمازيغية كقضية سياسية في لبّها وعمقها، ترتبط بموضوع الدولة والسلطة السياسية.