أرخى الحزنُ بظلاله على مُحيط رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وخيّم عليْه الصمْت منذ الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء. الشارع المتفرّع عن شارع الحسن الثاني في حيّ الليمون، حيثُ يتواجد بيْت رئيسالحكومة، تمّ إإلاقه في وجه السيارات، تحت حراسة ثلاثة رجال أمن. أمامَ بيْت رئيس الحكومة كان عشراتُ المواطنين مصطفّين خلْف طوقٍ بشريّ مُشكّل من مناضلي حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب، توحّدهم صدريّان بلون برتقالي مكتوب عليها في الخلف "جنازة المرحوم عبد الله بها". أمام الباب الرئيسي لبيْت رئيس الحكومة ثمّة صورة كبيرة للراحل، وزير الدولة السابق عبد الله بها؛ صورة بيْضاء ضخمة يظهر فيها الراحل بمُحيّاه الهاديء، وتحت الصورة الآية القرآنية "كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفّوْن أجوركم يوم القيامة"، تليها عبارة "إنا لله وإنا إليه راجعون". داخل البيْت تحلّق المُشيّعون حول نعش الارحل، يُردّدون عبارة "آمين" خلف الشخص الذي كان يُردّد الأدعية. بيْت رئيس الحكومة غاصّا عن آخره، بمواطنين، ووزراء ومسؤولين؛ انتهى الدّعاء وانبعث من داخل البيْت رجاء عبر مكبّر الصوت يدعو الناس إلى مساعدة المنظمين على تيسير عمليّة إخراج النعش. ظهرَ ابن رئيس الحكومة أوّلا، قبل أن يتبعه النعش الملفوف بالعلم الوطنيّ، مغمورا وسط المئات من المشيّعين، وحناجرهم تردّد عبارات التهليل والتكبير. وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية عبد السلام الصديقي كانَ أكثر المُشيّعين تأثرا، الرجل ومنذ أن انطلقت السيارة غرق في بُكاء هستيري، وكان عيْناه تفيض بالدموع، ما جعل الأشخاص الذين كانوا يُهدّؤون من روْعه يغرقون بدورهم في البكاء. أمام الصديقي كان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي. كان هو أيضا يبكي في صمْت وعيْناه مغروْرقتان بالدموع. على أرصفة الشوارع التي مرّ منها موكب الجنازة كان مواطنون واقفين يتابعون مسار الموكب الجنائزي ويوثّقونه بآلات التصوير، وآخرون يتابعون الموكب من شرفات ونوافذ بيوتهم، وكلّما اقترب الموكب من من رجال الأمن المصطفّين على الآرصفة ترتفع أكفّهم نحو الأعلى، لتقديم آخر تحيّة للرحيل. عندما اقترب الموكب الجنازئي من الوصول إلى مسجد الشهداء، حيثُ أقيمتْ صلاة الجنازة على الراحل، اشتدّ الازدحام على السيارة التي أقلّت الجثمان؛ أمام المسجد كان المدير العام للأمن الوطني بوشعيب الرميل يشرف شخصيّا على تنظيم سيْر الأمور، وكان هناك وزراء ومسؤولون ينتظرون وصول النعش. أدْخل النعش من خلال الباب الخلفيّ في المسجد، وتبعه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي كان يرتدي جلبابا أسودَ، وبرفقته إدريس جطو، وضُرب طوق أمنيّ مشكّل من قوات الأمن وعناصر القوات المساعدة على المسجد. السفير السعودي أيضا كان حاضرا، وحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال وضع كل خلافاته السياسية مع حزب العدالة والتنمية جانبا وحضر، واتخذ المئات من المصلين الساحة المقابلة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مكانا للصلاة بعد امتلاء مسجد الشهداء عن آخره، والذي تؤدّى فيه صلاة الجنازة، في انتظار نقل جثمان الراحل لدفنه في مقبرة الشهداء.