سأحاول أن أورد فقرات من كتاب روسي، من الترجمة العربية الجيدة التي تمت وطبعت بالجزائر سنة 2006 والتي قام بها الأستاذ مولود طياب. لأن روسي ينصف التاريخ العربي أفضل من المؤرخين العرب أنفسهم، ويعتبر أن أصل الثقافة البشرية عربي، وأن جذر اللغات بالدنيا هي اللغة العربية، وإلى المستمعين مقتطفات من الكتاب حيث أنني سأطيل فيه نوعا ما: جذور الحضارات: ومع هذا فإن تاريخ الشرق وتاريخ الغرب بأجمعه، إنما تم وجرى تحت سيل نور آسيا أمّ الشعوب وتحت سماء النيل وفي رحابه، وأن مصر وبابل قد جمعتا الإيحاءات الجبارة التي تولدت عنها الحضارة العربية الكبرى التي أذاعت، منذ فجر العصور ، معارفها وأسلوبها في الحياة، في جميع الأقطار الواقعة بين الهندوس والتاج والنيل الأزرق والبلطيق، ولم تكن أثيناوروما إلا صدى وانعكاسا لهذه الحضارة… إن أوروبا ليست هي مركز العالم، ولا هي مرآة الخير الأسمى، إنها بصفتها بنتا للشرق الإفريقي الآسيوي لا تمثل في هذا المحيط من الفضاء والزمان إلا منطقة تعمل فيها طاقات ذات جذب نحو الشرق المذكور. ( ص 9 10 من المقدمة ) إن هذه الأمم المسماة بالسامية زعما وتضليلا هي عربية في الأصل .. إن المشرق بلاد إمبراطوريات قد عاش على وتيرة منسقة وحياة خمس إمبراطوريات هي: الإمبراطورية المصرية، والبابلية، والرومانية، والبيزنطية، والخلافية الإسلامية.. (ص 37 ) . لقد نشأت حضارتنا خلال العصور في مثلث محصور بين البسفور والنيل وسوز عاصمة العيلاميين، وقد أنجبتها شعوب مصر وكنعان والأناضول والأشوري البابلي التي تنتمي إلى أسرة واحدة هي الأسرة العربية.. (ص 38 ) , ولنتأمل خريطة تمثل بلاد المشرق حضارات كبرى تظهر وتمّحي وفقا للمأساة التي ترجع إلى الألف الخامسة قبل الميلاد ، إذ لا يسمح لنا جهلنا بالرجوع إلى أبعد من ذلك، هذه الحواضر التي سطعت أسماؤها أربعة: ممفيس ، وصور، وبابل، وسوز، وقد خلَفتها ستُّ حواضر أخرى هي الإسكندرية، وقرطاج، وروما، وأنطاكيا، وبيزنطة، وسلوقية، وأخيرا ثم اسم يسطع وحده هو بغداد، الحاضرة التي تعتبر خاتمة لانفجار ثقافة جذبت وراءها من قبل أثينا وقرطاج، وسراكوز، وكوم Cumes. ولكن مراكزها الكبرى بقيت في مصر وبلاد ما بين النهرين. وباستثناء هذه المدن المشهورة فإن باقي خريطة المشرق يسود فيها الظلام، فلا نتبين فيها لا تيماء في شمال الحجاز، ولا مأرب في اليمن اللتين تشهدان مع ذلك على أنه كانت توجد في تلك العصور البعيدة وحدة ثقافية تضم سكان الصحراء العربية والممالك النهرية الغنية، أعني بين “الساميين الجنوبيين والساميين الشماليين كما يمكن أن يقول علماؤنا الذين يتخوفون من النطق بكلمة العرب”.. (ص 39 ) . وفقا لتتبع الأديان الأرضية والمنزلة: الأسطورة تقول بأن الإله ممنون ولد في سوريا ، أو الأناضول، أو في مصر العليا، إنه بطل عربي، معروف، وكان له ضريح على الضفة الآسيوية من الدردنيل، ويقال إن أسرابا من الطيور المجسدة لأرواح رفاقه الخالدة تحضر كل سنة وتتفرق إلى جمعين متعارضين لتتقاتل في الختام ، وتطلق بكاء على رفاة ممنون.. (ص 45 ).. إن تفسيرنا لأشياء المشرق سيتحرر من سلطان الأحكام الشائعة، عندما نعدل عن استمداد علم التاريخ من التوراة.. (ص 49) ويتعرض للملك الفارسي الكبير دارا الذي غزا نينوى بابل ، (ومن المعلوم أن الغازي يفرض لغته على المغزو، لكن حدث العكس فقد أخذ اللغة الآرامية لغة أرض الرافدين ورسمها في المنطقة الواسعة التي سيطر عليها: مقدم البحث.)، يقول روسي : “ألم يحرر دارا في الخمسمائة سنة قبل الميلاد القانون المصري بالآرامية لتطبيقة في سائر بلاد الإمبراطوربة ؟” (ص 43 ) .. الآرامية حظيت باستعمال واسع فصارت ابتداء من القرن السابع ق. م ، لغة الحديث المشتركة Koine في سائر البلاد الآسيوية من حدود النيل إلى الهندوس في الفضاء العربي بالتحديد.. إن اليونانية كانت لغة ناقلة، فالمدد الثقافي والعلمي والديني الكبير، إنما جاء من العرب، فلا يجوز على هذا أن نقلب الأدوار، وأن نجعل من اليونان الذين كانوا ورثة فقط، آباء لأسلافهم الروحيين.. إن اليونان كانوا يسمون نجوم [الدب الأصغر] مجموعة فونيكة لأنها هي التي كان يسترشد بها بحارة صور وصيدا.. (ص62 63) . يقول هرقليت اليوناني : “إنه توجد قطعا قوانين صدفة ويضيف الرواقيون Stoiciens أتباع زينون قائلين : إن كل شيء يجري طبقا لإرادة الرب الأعلى ، فهنا كما في مصر اعتقاد بالرب الأبدي المهيمن المجيد ويدعى( إلْ) التسمية التي تطورت بعد ذلك إلى الله، وإلى هِل في اليونانية البدائية وإلى هيلوس في اليونانية الكلاسيكية ، أي الشمس .. (ص 73 74 ). ( في لسان العرب لابن منظور كلمة الإلُّ تعني الله: مقدم البحث ) . كانت إزيس المصرية تقابل عشتار البابلية .. هيرودوت يقول : “بأن الفرس سموا عشتار باسم مثرا” ومعنى هذا أن جميع الآلهة البابلية كانت في المعبد الفارسي فبل عهد سارا ، كما كانت قبل ذلك في المعبد المصري.. (ص77 ).. إن التنقيبات بصدد الانطلاق في شبه الجزيرة العربية ولنراهن على أنها ستؤدي بنا إلى مفاجآت وستكشف لنا العلاقات المتينة المختلفة التي ألفت شبكة العروبة منذ أقدم العصور.. ص 65 . عشتار : الربة النجمة . ص 71 . يرى المؤلف أن الآلهة اليونانية منحدرة من الآلهة العربية: “إيزيس المصرية تقابل عشتار البابلية.. وفينوس وأفروديت التي تسميها الأساطير اليونانية باسمها البابلي وهو سلامبو ص 86، كلها صدى لطبيعة عشتار . الإله الغالي بيليم هو بعل. كلها مستمدة من الإله الأكبر إلْ العربي..إن بعل الكنعاني هو رب سائر الطاقات الأرضية وهو معبود في كل مكان: بعل هرمون، بعل فيقور، بعل ستور، بعل سيدونو، بعل بك، إلخ.. وهو يدعى باسم أدوناي وهو أدونيس العربي ص 86 وهي أسماء عربية كلاسيكية وليست عبرية.. رب البحر زبيل يمّْ [اليم بالعربية بحر: مقدم البحث) المتحالف مع نهار أي النهر.. زيوس تزوج بالفلسطينية سميلة أو شملة بالعربية بنت كدموس ملك صيدا ..( ص 91 ) في الفلسفة: جميع فلاسفة اليونان بدون استثناء ، يعترفون بانتمائهم إلى المشرق، وبكونهم من تلامذته. كلهم تقريبا قد ولدوا بالمشرق أو جالوا فيه مدة طويلة.. ص 119 . إن الفلسفة اليونانية تبينت وتهيكلت ابتداء من القرن السادس ق. م ، خارج حدود شبه جزيرة اليونان، في آسيا في المراكز الفلسطينية بإيطاليا الجنوبية ، وكان فيثاغورس ساموس ، وهرقليت إيفيز وبرمنيد إيلي [ فيلسوفان يونانيان بالقرن الخامس ق. م]، ، هم كبار الممثلين لها.. وعلى كل حال فقد وجدت فلسفة بلغة آرامية لدى اليونان قبل أن تسلك الطريق بلغة اليونان… ص 120 . إن آسيا لم تأخذ شيئا من الهلينية، بل إنها أمدتها بكل شيء ، إن أثينا قد أخصبت روما، لكن لم تخصب لا الإسكندرية، ولا بابل، ولا مكة، ولم يقدم أفلاطون أي شيء إلى العالم العربي، كما لم يفعل أرسطو.. ولكننا نحن الذين جعلنا من اليونان بلادا مصدرة للمعرفة البشرية، لا هم. كان أفلاطون يعترف بكل تواضع بأنه تلميذ مطيع. وقد ذكر في التيمي أن قسا مصريا قال لصولون كأب نصوح: “إنكم أيها اليونان أطفال لا غير” ، فلنقدر الأمور حق قدرها ولا نكن أحرص على سمعة اليونان من اليونان… اليونان هم الذين نشروا أسرار الشرق.. ص 121 . ماذا كان يعلم فيثاغور بالضبط؟ إنه كان يعلم ما كان أهل المشرق يعرفونه منذ رمن طويل: وهو “أن الله ليس له جسم ولا رأس كالبشر، ولكنه عقل مقدس لا يمكن وصفه”.. ص 123 . إن أحسن تفسير لفيثاغور وهرقليت، النصوص المقدسة الفلسطينية والبابلية.. ص 129 . إن حياة أفلاطون أكثر فائدة من غير شك، قصد إلى مصر لاستكمال دراسته، وقد أقام بها مدة طويلة، ثم رحل إلى ليبيا واستقبله في قرنية (برقة) تيودور الفيثاغوري.. ومنها إلى البلدان العربية وإلى البلدان المتأثرة بقوة بالفكر الفلسطيني والسياسة الفلسطينية. وقد بيع كعبد رقٍّ أثناء الحرب بين إيجين وأثينا فاشتراه ليبيّ وأعتقه.. ص 130 . إن أرسطو تلميذ للمشرق.. ولم لا نحاول البحث عن كفلاء أرسطو في آسيا بدل اليونان؟ ومثل هذا السؤال هو السؤال الذي يجب طرحه بدون عناء، على من يريدون أن يحصروا التاريخ في السُّرَّة الأوروبية ويتركون في الخفاء هذه الفضاءات والبلدان التي جادت لآوروبا بنورها.. ص 137 . فخلفاء أرسطو ابرزوا الطبيعة الفيزيائية للفلسفة، بينما أكد آخرون السمة الأخلاقية. وقد عنيت المدرسة العربية في ليبيا بقيادة أنتستان وأرستيب القرني (البرقوي) بإبراز دور الحواس واللذة والألم المحددين للسعادة بأنها التوازن بين الأجزاء المختلفة من جهاز بدننا.. ص 138 . وفي مقابل المدرسة العربية الليبية التي أحيت الفيزياء الذرية، كانت مدرسة عربية أخرى، هي مدرسة الفلسطيني زينون دوستيوم الذي كان حوالي 315 ق.م ، يسيّر في قبرص مؤسسة توريد وتصدير ويعتبر مؤسسا للرواقية Stoisme . ص 139 . إن الفلسفة اليونانية انطلقت من المشرق وآلت إلى المشرق، لتسود في مصر وسوريا وفلسطين. وابتداء من القرن الأول المسيحي أحيا السوريان ليبانيوس ونومينيوس دايامي فلسفة فيثاغور والأفلاطونية، وأذاعاها، بينما اشتهر في مصر أربعة أسماء في أفق الفلسفة العالمية؛ وهي فليون اليهودي، وأمونيوس سيفاس، وفلوطين الأسيوطي في النيل الأوسط، وبرفير . وهذا من غير إدراج أنتدور دوكانا أستاذ الإمبراطور أغوسط ، ودوجين البابلي، وأبو لودور العراقي السلوقي ومن دجلة، وسوسوس الأسكلوني ، إلخ… وأخيرا إن التوراة والإنجيل قد حررا وشرحا باللغة اليونانية، كشاهد على انسجام واستمرار ثقافة كانت عربية في بدايتها، ثم انقلبت عربية إيجية ابتداء من منتصف الألف الثانية ق. م ، وغزت بعد ذلك غربنا أي أوروبا.. إن كل ما هو أساسي في ثقافتنا، إنما نشأ باستمرار في البلاد اليونانية الآرامية لا في غيرها من البلاد، وإن غربنا أي أوروبا المستهلِك الناقل لهذه الثقافة لم يكن هو المبدع لها ( ص 140 141 .) في الفلك: كان اليونان يعترفون دائما. في مجال العلوم بأنهم تلاميذ مصر وبابل، وأفاد أفلافيوس جوزيف “بأن علوم الكلدان انتقلت إلى المصريين بواسطة إبراهبم، ومن المصريين انتقلت إلى اليونان”. وحسب الأساطير إن الاكتشافات الكلدانية الفلكية الأولى ترجع إلى أربعة آلاف وسبعين سنة (4070) قبل الميلاد.. إن سرجون الأول الذي ملك سنة 3800 ق. م ، عمل على تكوين مكتبة فلكية ، وقد عرفت بابل في ساعة مبكرة مبادرة الاعتدالين، ودورات خسوف القمر ، ومكان ااكواكب القارة ، والسنة المؤلفة من 365 يوما وربع اليوم. ونظام الحساب العشري أو الإثني عشر، مجموع الستين، فالدائرة مقسومة إلى 360 درجة، والدرجة مقسومة إلى 60 دقيقة، والدقيقة مقسومة إلى 60 لحظة.. لم يملك اليونان قط مرصدا فلكيا، كما أنه لم يكن لروما مرصد، بينما كانت البلدان العربية من النيل إلى الهندوس مجهزة بها. كانت اليوميات الروزنامات اليونانية الرومانية غير سليمة حتى صححت في عهد قيصر.. وقد كلف سوسيجنس وهو عربي من الإسكندرية بإصلاح التقويم الروماني (المناخ) . فاليومية التي دعيت بيومية جوليان ينبغي أن تسمى يومية الإسكندرية.. ص 143 144 145 . الأرقام العربية التي وصلت لنا من واحد إلى تسعة، وقد كان اليونان قبلها يستعملون الحروف الأربعة والعشرين التي تتألف منها أبجديتهم بترتيبها، وأخذوا عن الفلسطينيين ثلاثة أرقام على الأقل: رقم ستة Episomon والكوبا ، وقيمة تسعون.. الموازين والمكاييل أخذه اليونان عن العرب تدريجيا ولم تكتمل لديهم إلا بعد أن أقام صولون الأثيني بمصر وأحضرها معه.. ص 148 149 . من المضحك أن المستشرقين عندنا أثنوا على العرب وشكروهم على أنهم نقلوا لنا علوم اليونان وتقاليدهم، بعد أن ترجموا لنا نصوصهم الدينية أو الفلسفية. ونراهم على أنه لا بد من فترة جيل لمحو هذا الخطأ من علمائنا.. (ص 153 ) اليونان والعالم الآرامي والآرامية: عمل الإسكندر الأكبر المقدوني على ولنفكر في ذلك جيدا ضمِّ اليونان إلى العالم الآرامي، بعد أن كانت لا تنتمي إليه إلا ثقافيا. كان الإسكندر على هذا مرتبطا مع أغلب المسؤلين المدنيين والعسكريين في الإمبراطورية البالبلية.. كان من حرصه أن زار سائر مقاطعات الولابات المتحدة الآرامية.. كان ينوي أن يتقدم بزياراته إلى ليبيا وقرطاج وإيبيريا لكن الوفاة فاجأته..كانت اللغة الآرامية لغة الإدارة إما بالكتابة المسمارية أو بالحروف الهجائية الفينيقية أو المصرية.. إن الإسكندر بصفته ملكا آراميا، ينتمي إلى التقاليد التاريخية العربية، لكن أغلب المعلقين يتجاهلون ذلك، يرتكب تلامذتنا نفس الخطأ، فالإسكندر تسمية آرامية قديمة اكتسبها اليونان وحولوها إلى ألكسندروس Alexandros ، فإذا كان العرب يسمون الإسكندر فليس ذلك تقليدا لابن فيليب المقدوني، بل إنه هو المدين لهم بذلك .. (ملاحظة من مقدم البحث: يلقب الإسكندر بذي القرنين كما ذكر في القرآن الكريم، واسم القرن في الأمازيغية إسْكْ ) .. ترى النهضة العصرية القائمة اليوم باسم العروبة أو “الأمة العربية” في هذه الوحدة هدفها الأسمى ، فالمفكرون المدافعون عن العروبة ليسوا سوى منفذين لوصايا دارا والإسكندر.. (من ص 176 إلى ص 187 ). العمارة: بعد أن تكلم روسي عن اليونان يفرد فصلا في كتابه عنوانه: (روما المستعمَرة المصرية: لقد بيعت روما للمشرق) . يتكلم عن العمران فيقول: بينما أخذ اليونان من العمارة المشرقية الخط المستقيم الجاري به العمل في العهود الكبيرة ، فإن روما التي لحقت أخيرا بالركب، استوحت النموذج الجديد ونقلت عن العمارة الآرامية الميل إلى الخط المنحني، وأكثرت من القبب والأقواس ذات العقد الكامل، وقلدت حتى القبة نصف الدائرة البابلية في فن العمارة. ولم يكن المسافر القادم من بلاد النيل أو من ضفاف الفرات يجد نفسه غريبا عندما يصل إلى روما.. وقد ثبت أنه كان بروما منذ ساعة مبكرة معماريون عديدون سوريون متخصصين في البناء والتزيين.. إن روما كانت خاضعة للشركات التجارية والمالية التي نعرفها اليوم باسم الشركات المتعددة الجنسيات وكان أصحابها من الفلسطينيين والمصريين واليونان والليبيين يسيطرون على نظامها المحكم. وعلى كل فإن روما تفكر وتعمل وهي متجهة للمشرق مستنيرة بالمشرق مجذوبة إليه. يختم بيير روسي كتابه الرائع بفصل عنوانه: سلام الإسلام: نجاح محمد (صلى الله عليه وسلم) معناه أنه كان منتظرا، وقد تظافرت إلى تلقائية ما نزل عليه من الوحي ما كان يترجاه الشعب الآرامي، فانتصار الإسلام هو على هذا تجاوب محتوم بين دعوة ورجاء.. المهزوم في معركة القادسية هي أسرة الساسانيين، أما الشعب الفارسي فقد استقبل العرب بالأفراح ، فانتصر التضامن الآرامي على العدو البيزنطي.. وابتعث (صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء من جهة أخرى اللغة الآرامية إذ أن القرآن ارتقى بلغة الشعب النيلي البابلي القديم إلى أسمى كمال في مبانيها ومعانيها وقواعدها. وبالفعل إن اللغة العربية هي أول لغة منظمة من لغات بشرية البحر المتوسط قبل لغة هومير، وهي التي منحت لها قوانينها. ذلك أنها منذ دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي ابتعثها لحياة عصرية، انتهضت من عهودها القديمة نقلت أصداءها العجيبة، ففرضت نفسها على ملايين البشر. وباللغة العربية يمكن لنا نحن الأوروبيين ، أن نعيد قراءة كتبنا الدينية وتاريخنا، وسنرى الأشياء على أوضح ما يمكن. إن معرفة اللغة العربية سيعيننا، لا على تجاوز أفق أثيناوروما الضيق فقط ، لكن على المساهمة الواسعة في مستقبل المجتمع الجديد، الذي يخلص من ظروفنا الغامضة. إننا على يقين من ذلك.. إن الغاية الحقيقية من الحملة الصهيونية في المشرق مفهومة بكل يسر، فما هي إلا حرب صليبية جديدة، تستجيب لأهداف استراتيجية واستلائية هيمنية.. لكن كان يهب باستمرار من المشرق تيار منعش يبعث الحياة في الفنون، المختلفة والتأملات الفكرية بأرض الغرب [أوروبا] ، لقد بقينا عربا بإيماننا ، كما بقينا عربا بشكوكنا، ففي الأوروفيوOrféo لمنتفردي التي تسبح فيها ألوهية الشمس ، وفي الغابة الجهنمية التي يجوس فيها فهد دانتي ، كما أن في العلم المعاصر الذي تسود فيه الذرة ، يصعد في خفوت وباستمرار همس منابعنا المشرقية، ويكفي أن نعير الأذن لنعي ذلك.. وبالفعل ومن الصحيح أن المشرق يقترح على ذكائنا الخاطئ الواهي، وعلى النظرات الميكانيكية التي نتقمصها، وعلى صوابنا الحتضر، يقترح علينا الانبعاث وصعوده العسير. ويختم المؤلف كتابه الرائع بهذه الجملة: ( نعم إن الحياة تنتظرنا في بابِلون [بابل] ).( من ص 259 إلى 271 .) في المسرح: المسرح اليوناني كان في بدايته ، وعلى صورته التي بقي عليها رغم التغييرات الخارجية، أعني نشيدا دينيا، ومأساة موسيقية دينية، أي صلوات لديونيسوس، وكل يعرف أن كلمة مأساة [تراجيدي] الذي يسمى بها هذا المسرح تتألف من تراغوس Tragos أي الجدي ، وأودْ أي النشيد ، ويمكن أن تترجم ب [نشيد الجدي] او نشيد للجدي. وهي إشارة إلى الإله الذي عاش مستخفيا في البلاد العربية السعيدة اليمن في صورة جدي.. (ص 93) . سوموتراس المكان المقدس الذي يوجد به معبد الكابير Cabires وهي تسمية عربية خالصة ويوم كيبور العبري هو اليوم الكبير ص 100 . هرقل مستمد من هملقار الاسم الكنعاني ص 85 . مؤلف البحث: اسم هملقار هو حامي القار لكنه حرف في النطق. (21 ) لقد أطلت في تقديم هذا الكتاب، لأنه أولا كاتب أوروبي، فلو قاله كاتب عربي لاتهم بالتعصب، لأن السكان بحصرهم كأعداد من البشر يعتبر تضييقا للمجالات السكانية المحصورة في أضيق نطاق زماني، فما نعرفه عن السكان لا يتعدى زمانه الخمسة آلاف سنة. وأن جذور السكان أو فلسفة السكان إن صح التعبير هو العمق الحضاري فمعالم الحضارة الإنسانية نكتشف في السكان ما خبأه الزمن.. وهذا ما قصدته. الخلاصة: أولا: إن سكان شمال إفريقيا هاجروا من جزيرة العرب قبل آلاف السنين بعد أن ذاب الجليد في شمالي إفريقيا. الهجرات العربية المرصدة تاريخيا هي هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد. وتعتبر الجزيرة العربية خزانا كبيرا بشريا تمت منه هجرات إلى العديد من نواحي العالم. العلماء يثبتون أن الهجرات الحضارية البشرية تمت من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال. ثم حدث تبادل للهجرات غربا شرقا، وشرقا غربا: الهجرات المسجلة، الهجرة الكنعانية المشار إليها للمغرب العربي. ومن الغرب للشرق هجرة الشواش الأمازيغ من الجريد إلى مصر في الألف الثانية قبل الميلاد حيث استقروا في بحيرة قارون بدلتا مصر، وصاروا جنودا فرسانا في الجيوش الفرعونية، بحيث صعد أحد أبنائهم إلى منصب فرعون وهو ششنق الأول، فأسسوا الأسرة الثانية والعشرين، والأسرة الثالثة والعشرين الفرعونيتين . وفي القرن العاشر الميلادي انتقل مائة ألف شاب من قبيلة كتامة الأمازيغية إلى مصر من المغرب العربي كجنود في جيش المعز لدين الله الفاطمي، ففتحوا مصر وساهموا في بناء القاهرة ، وتزوجوا بمصريات وأسسوا المجتمع القاهري. وفي القرن الحادي عشر الميلادي هاجر أربعمائة ألف من بدو الهلاليين من صعيد مصر إلى المغرب العربي ، واستقروا به. ثانيا: سكان شمال إفريقيا يقيمون في حوض حضاري يمتد من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، الأمازيغ هاجروا من جنوب الجزيرة العربية، عبر باب المندب فالحبشة فالسودان فالصحراء، وفي مسار آخر عبر سيناء فمصر. وأهم عنصر بقي عبر التاريخ يؤكد هوية السكان هو اللغة، فاللغة الأمازيغية لغة عروبية، تشير إلى جذور سكان الشمال الإفريقي. فاللغة العربية الأم انتشرت من الجزيرة العربية قبل آلاف السنين وتفرعت إلى لهجات، عمت الوطن العربي، بل وانتشرت في قارات الدنيا: آسيا وأوروبا وإفريقيا، بل واجتازت المحيط الأطلسي إلى أمريكا حيث وصلها الكنعانيون. عمت اللغة الآرامية العروبية الدنيا وصارت هي اللغة الكونية من نهر الهندوس وحتى أوروبا، وقد عرض البحث رأي عالم فرنسي يقر بأن العربية هي أم لغات وثقافات البحر المتوسط الذي يعتبر شمس الحضارة الإنسانية. كما أن الأديان السماوية الثلاثة أنزلت باللغة العربة: التوراة بالكنعانية، والإنجيل بالآرامية، والقرآن الكريم بالعدنانية. الهوامش: [ 1 ] رشيد الناضوري ، المغرب الكبير ، ج1 ، ص 62 ، القاهرة 1966 E.F.Gautier : le passé de l'afrique du nord P23 Paris 1964 [ 2 ] [ 3 ] أحمد سوسة: حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور طبع بغداد 1979] ص 15 16 [ 4 ] المرجع السابق ص 18 [ 5 ] ويليام لانغرWilliam Langer: موسوعة تاريخ العالم، الترجمة العربية، القاهرة 1962 ،ج1 صفحة 25 و 32 [ 6 ] ويل ديورانت WellDiorant : قصة الحضارة الترجمة العربية ج 2 صفحة 43 طبع القاهرة 1961 :Les Berberes P26 Paris 1957 [ 7 Bousquet G.H [ 8 ] ويل ديورانت ، مرجع سابق صفحة 313 [ 9 ] احمد سوسة ، مرجع سابق ص 18 [10 ] Pierre Rossi La Cité D'ISIS : Histoire Vraie des Arabes,Paris 1976 P 12,18,24,29-33 [11 ] Dr Benatia Abderrahmane : Arabe et Indo-Européens , Alger 2008 , P16-18 [ 12 ] عثمان سعدي : الجزائر في التاريخ ، تحت الطبع. [ 13 ] عثمان سعدي : بحث عن اللغة الكنعانية بالمغرب العربي. كتاب مجمع اللغة العربي بليبيا: النقوش العروبية القديمة في المشرق والمغرب، صفحة 247 ، طرابلس 2007 [ 14] H.Basset : Les influences Puniques Chez Les Berberes ,Revue Afriquaine V62 P340 [ 15 ] عثمان سعدي : الجزائر في التاريخ ، تحت الطبع [ 16 ] حولية مجمع اللغة العربية بطرابلس عدد 6 ، صفحة 217 [ 17 ] ويليام لانغر ، مرجع سابق ص 45 [ 18 ] Gabriel Camps : Les Berberes : Mémoire et Identité P11 Paris 1995 [ 19 ] [الجزائر في التاريخ] مرجع سابق [ 20 ] مرجع سابق ، أحمد سوسة ، ص 163 [ 21 ] بيير روسي ، مرجع سابق