دخلت الاستحقاقات الانتخابية للودادية الحسنية للقضاة مراحلها الحاسمة والأخيرة، وذلك بانطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بانتخاب أعضاء المكتب المركزي ورئيس الودادية ونائبه؛ وتأتي هذه المحطة كتتويج لمسار انتخابي انطلق خلال شهر شتنبر الماضي انتهى بتشكيل المكاتب الجهوية للودادية الحسنية للقضاة في مختلف الدوائر الاستئنافية بالمملكة، وقد سبقتها حملة للتواصل مع قضاة المملكة في مختلف المحاكم قادها المكتب المركزي المنتهية ولايته وذلك للإنصات للقضاة والاستماع لانشغالاتهم ومشاكلهم . والواقع أن المتتبع للشأن الداخلي للودادية الحسنية للقضاة سيقف لا مَحالة على الدينامية التي أصبحت تطبع العمل داخل الأجهزة، والرغبة الأكيدة لإعطاء انطلاقة جديدة وقوية لهذه الجمعية التاريخية، في ظل الظروف الجديدة التي أصبح يعيشها المغرب بعد دستور 2011 ومسلسل إصلاح منظومة العدالة الذي يقتضي التعبئة الشاملة وتكاثف جهود كل الفاعلين والمتدخلين لإنجاحه وتنزيله على أرض الواقع تنزيلا صحيحا و ديموقراطيا. وفي هذا الصدد فإنه لا يختلف اثنان على أنَّ الحركيّة التي شهدتها الودادية خلال السنتين الأخيرتين قد ساهم فيها بشكل كبير جيل جديد من القضاة الشباب الذين آمنوا بمبادئ الودادية وأفكارها وأهدافها، و أعربوا عن استعدادهم الكامل لتحمُّل المسؤولية من داخل الاجهزة وحمْل المشعل ومواصلة العمل بكل صدق ووفاء ونُكران ذات. وكترجمة لهذه المبادئ والأفكار والتصورات، فقد كان شباب الودادية في مقدمة المترشحين لعضوية المكتب المركزي في شخص قضاة اجتمعت فيهم صفات الصدق والنبل والوفاء والرغبة في التجديد، وعلى رأسهم ذ/ المعطي الجبوجي وذ/عبد القادر الكورزمي و ذ/عزيز التفاحي و ذ/خليل بوبحي، وهي خطوة لاقت التنويه والترحيب من لّدُن كل قضاة المملكة الذين أيقنوا أن رياح التجديد قد هبت فعلا على الودادية، وأنّ لا مستقبل إلا بالشباب وبسواعد الشباب وأفكارهم ومبادراتهم الخلاقة. ومن حق القضاة الشباب اليوم أن يفخروا أنه ولأول مرة يتقدم مرشح من الشباب للترشح لمنصب نائب رئيس الودادية في شخص الدكتور ذ/محمد الخضراوي، و وتلك أبلغ رسالة على أن قطار التجديد قد انطلق وأن الرغبة باتت أكيدة لتجديد النخب وإعداد الخَلَف والاعتناء بالأطر والكوادر الشابة وتبويئها المكانة اللائقة بها، كل ذلك في تناغم تامِّ مع جيل الرواد والمخضرمين الذين أرسوا دعائم ودادية قوية تتسع لكل القضاة من كل الاجيال . إن التجديد الذي بات الجميع يلحظه قد ظهرت معالمه، أيضا، على مستوى الحملة الانتخابية التي يخوضها حاليا المرشحون الشباب لعضوية المكتب المركزي أو رئاسة الودادية، فلأول مرة أصبحت الغلبة للبرامج والأفكار بدل العلاقات والولاءات والانتماءات الجهوية، ولأول مرة يقدم قضاتنا الشباب برامج واضحة وتصوراتٍ تشخص بشكل دقيق الواقع بإيجابياته وسلبياته، و تقترح الحلول لتجاوز الصِّعاب والمعيقات، ولأول مرة يظهر فيها القضاة الشباب كقوة اقتراحية فعالة في جسم الودادية من شأنها أن تضيف الكثير لعمل الأجهزة . بَيْد أن التجديد الذي ينشده الشباب ليس هو التجديد الذي يقطع مع الماضي ويتنصل من تاريخ الودادية العريق والمجيد، بل هو التجديد المرتبط بالوفاء بالعهد وبالقيَم والمبادئ الراسخة للودادية الحسنية للقضاة، فلا تجديدَ بالثورة على القيم والمبادئ التي قامت عليها الودادية، بل بالوفاء لها والتمسك بها والنهل من رصيدها الحضاري المجيد . إننا في غمرة هذه الحملة الانتخابية نعيش لحظات تاريخية، يمتزج فيها الماضي بالحاضر والمستقبل ويتعايش فيها جيل الشباب مع جيل الرواد والمخضرمين في تناغم وانسجام تاميَّن، وتتدافع فيها الافكار والتصورات والبرامج الهادفة كلها إلى الرقي بمهنة القضاء والسلطة القضائية والدفاع عن استقلاليتها، وتحصينها من كل الشوائب، وكل ذلك يُثبت أن الودادية بشيبها وشبابها منخرطة بكل جدية في دعم مسلسل الإصلاح وإنجاحه وأنها قد استوعبت التطور الفكري والتحولات التي يعرفها المشهد القضائي. ولذلك فهي اليوم ماضية في تجديد هياكلها وأجهزتها التسييرية بطاقات جديدة مستعدة لتحمل المسؤولية بكل وطنية واعتزاز، وذاك كله ترجمة فعلية للرسالة الملكية التاريخية لجلالة الملك نصره الله وأيده التي تليت يوم فاتح مارس 2002 إبان انعقاد دورة المجلس الأعلى للقضاء، حيث قال جلالته "إن التعبئة الشاملة التي يتطلبها الورش الكبير لإصلاح القضاء تستلزم المشاركة الفعالة والواسعة للقضاة فيه، وهنا يبرز الدور المنوط بالودادية الحسنية للقضاة التي ننتظر منها وفي نطاق مهامها وأهدافها أن تواكب هذا الإصلاح و تدعمه بكل فعالية متيحة بذلك لجميع القضاة الإسهام في تجديد الصرح المشترك للعدالة وإضافة قيمة جديدة لبرامج التعاون الدولي والانفتاح على العالم القضائي والتكوين المستمر وتحديث القضاء". ولكي يتأتى ذلك ينبغي لها أن تستيقظ من سباتها العميق وأن تكف عن الحسابات والصراعات المتجاوزة وتقوم بمراجعة وتحيين نظامها الأساسي بما يكفل لها استيعاب التطور الفكري والتحولات التي يعرفها المشهد القضائي وكذا تجديد هيئاتها المسيرة بما يضمن لها تعبئة طاقات جديدة وإناطة المسؤولية بها، وبذلك تسترجع الودادية إشعاعها وتحمل من جديد مشعل استقلال القضاء والدفاع عن حقوق القضاة وتحدد النهج القويم لعملها ." *عضو الودادية الحسنية للقضاة