الصورة قارة ، تكاد تكون مجهولة بدلالاتها، وهي تتعدد بتعدد خصوبة عوالمها المغرية. و كلما حصلت الكثرة و الاختلاف في الدلالة قد يقع التباس و خلط في بعض المعاني. لكن منطق التركيز على عدسة أو زاوية نظر قد يفي بالغرض الهادف الى التمييز بين المجالات الدلالية . حين أطلع على بعض المفاهيم و القراءات الالمانية حول الصورة أتوقف عند الماهية كمفتاح لفهم هذا العالم المدهش و العجيب و الخلاب. في هذه المصادر نكتشف الصورة كرؤية و تصور و تخيل و استعارة. الصورة في اللغة الجرمانية تحيل على ذلك الإنسان الذي يشكل و يعلم و يهذب، فكل هذه الافعال مصدرها هو الفعل الالماني bilden . و العلاقة بالصورة في معناها الالماني das Bild تمنحنا الرغبة في التجوال و السفر عبر المعاني، فنصل إلى التعلم و التهذيب و الآداب. هذا السفر الجميل يرافقنا حتى عندما تبحر أرواحنا في فضاءات مغايرة، و الأمر يتعلق بمعاني الارتقاء إلى مراتب عالية من التعلم، يصبح معها الترحال تثقيفا للإنسان Reise bildet Menschen der. الصورة في اللغة الالمانية لا تتوقف عند هذا الحد من الدلالة، بل تتسع لتشمل خلفيات الإنسان و معانيه المعرفية و الفكرية و الثقافية . نقول هذا الشخص صاحب ثقافة أي نعني الانسان المثقف، ونقول : diese Person ist gebildet ، لذلك فجذر كلمة الصورة و فعلها لا ينفصلان عن صفة المثقف . إن الصورة أداة لإنتاج الثقافة، بل هي ذلك الأسلوب البليغ و الكتابة المجازية. نقول إن هذه اللغة مجازية أو ذات أسلوب بياني bilde Sprache die . و هنا مرة أخرى يبدو للناظر و المدقق اللغوي أن فعل الصورة أضحى كالظل يرافق كل هذه الأفعال و الإبداعات الانسانية التي تقدم في النهاية معنى للكائن البشري. الصورة تطال الخلق و الابداع الانساني ، فالنحات أو النحاتة مثلا في اللغة الالمانية لا تفهم معانيه خارج حضور الصورة ، نقول :der Bildhauer/rin . الصورة هي أساس و رافعة قوية لمجال التربية ، و من خلال الكلمة الالمانية Bildung يتضح لنا أنها تتشكل من كلمة صورة الحاضرة على يسار الكلمة . الصورة إذن هي التربية بامتياز. إنها القدرة على التفكير بالصور و هي ما يمنحنا القدرة على التخيل .. ممارسة ليست إلا توظيفا لملكة المعرفة، و هو تأمل كذلك في صورة الشيء الجسدي، و على التخيل أن يتبع الحساسية بقوة ، كما تتبع حركة الدماغ الجهاز العصبي. الصورة هي إعادة انتاج لموضوع يقع تحت تأثير الظواهر العينية أي كصورة واقعية أو مفترضة . فالحواس الخمس لها صورها، و الصورة فعل و ليس شيئا ، كما يقول جان بول سارتر . الصورة هي كل تمثل عقلي مصادره محسوسة. الانسان لا يمكنه أن يجمع الصور كما يقول "هنري برغسون"، لان الجسد الانساني هو جزء لا يتجزأ من هذه الصور . - كاتب و سينمائي مقيم في برلين.