تعيش الساحة السياسية والاجتماعية في هذه الآونة على إيقاع التوصيات الختامية للجنة الأممية الخاصة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي طالبت المغرب بتقديم جواب حاسم حول الخريطة الإثنية بالمغرب. وليس خافيا على المتابعين أن المنطلق الأساس لهذا التقرير وغيره أن الأمازيغ في المغرب يشكلون أقلية تعاني كل أشكال التمييز السياسي والثقافي واللغوي. فالاعتقاد الذي عملت بعض الجهات المحسوبة على الحركة الأمازيغية ترسيخه وتقديمه عبر لقاءات وتقارير إلى الأممالمتحدة وباقي الهيئات الدولية هو أن الأمازيغي في المغرب يعيش نفس الوضع الذي تعيشه الأقليات المضطهدة في مجموعة من بلدان العالم كالسود في بعض دول أمركا اللاتينية والغجر في بعض الدول الأوربية ، ولذلك مظاهر عديدة أحصاها أحد منظريهم في: الدستور والقضاء والتعليم والإدارة والسياسة الخارجية والتاريخ والسياسة الأمنية والسياسة الاقتصادية والسياسة الاجتماعية. وعندما يتأمل القارئ العرضي والأجنبي في تقارير ما يصطلح عليه بالكونغريس العالمي الأمازيغي وغيره من الهيئات المتناسلة من رحم المساعدات والتوجيهات الخارجية سيخلص إلى أن المغرب يعيش فعلا حربا هوياتية بين فريقين أو إثنيتين : واحدة عربية مسيطرة تاريخيا وجغرافيا وسياسيا تدافع عن مصالحها الطبقية التي منحتها إياها الحركة الوطنية وتجربة الاستقلال باسم العروبة والإسلام، وأخرى أقلية أمازيغية فاقدة للسلطة ولحقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية بالرغم من أصالتها وعروقها المتجذرة في أعماق الماضي. بل يصل الأمر إلى تخوين ورفض كل من سولت له نفسه رفض أطروحاتها ولو كان أمازيغيا ... وللمرحوم عابد الجابري معهم قصص طويلة . إن الرهان على المواثيق الدولية والقرارات الأممية التي لها السبق في تشتيت الأمم والشعوب سيظل وسيلة مثلى لتفتيت الوطن وتثبيت سياسة شد الأطراف ولكنها لن تستطيع أن تبلغ أحدا حقوقه التي يظن أنها مفقودة . فالمغرب حقق قفزات نوعية في التعامل مع الأمازيغية باعتبارها ثقافة وجزءا مكونا من مكونات الهوية المغربية وليس قضية حقوقية أو سياسية . فالتعدد الإثني والاجتماعي الذي عاشه المغرب منذ قرون له مظاهر عديدة تسقط أطروحة الميز العنصري التي يتبناها بعض المنتسبين إلى الحركة الأمازيغية إثنيا وتاريخيا واجتماعيا ودستوريا وسياسيا: 1 إثنيا : في التداخل الإثني المغربي يعسر تحديد حقيقة الانتماء العرقي لكل قبيلة أو شخص . فاللهج بلسان أمازيغي أو عربي لا يثبت في شيء حقيقة الانتماء. والتاريخ يثبت الأمر بجلاء. ونحن نعرف قبائل الشرفاء الأمازيغ في الأطلس وسوس التي تنتمي جذورها البعيدة إلى الدوحة النبوية العربية . كما أن من المتحدثين بالعربية من القبائل الحوزية والزمورية مَن أصوله القريبة جدا أمازيغية قحة . لذا فالرهان على ضبط لائحة الانتماء الإثني لن تكون مجدية وإن حاول البعض القفز على الحقائق وربطها فقط بالجانب اللسني دون غيره . 2 تاريخيا :لو تجولت بين القبائل الأمازيغية التي حافظت على مكوناتها اللسنية والثقافية لن تجد من يحدثك عن هذا التمييز بين العربي والبربري . وحتى في عهد المقاومة لم يكن لهذا الخطاب وجود والجميع مجند في أفق الدفاع عن الوحدة ومواجهة المحتل . وفي طفولتنا الخاصة في حاحا وسوس وزيان لم نكن نواجه من يتكلم العربية أنه خصم إثني أو عرقي بل كانت العلاقات البينية تحدد وفق علاقات التكامل والصراع الاجتماعيين . 3 اجتماعيا : من الدعاوى التي تلوكها بعض الجمعيات الأمازيغية أن الميز طال المناطق ذات الساكنة الأمازيغية . والواقع أن هذا الزعم يحتاج إلى مواجهة حقيقية تثبت أن التهميش الذي عانت منه العديد من المناطق ليس خاصا بالمناطق الأمازيغية إن وجد فعلا وليس لأنها مناطق أمازيغية تتكلم الأمازيغية وإن حاول البعض حبك قصص تاريخية لذلك على لسان بعض قادة الاستقلال، ولكن التهميش المتحدث عنه عانت منه مناطق عديدة من الوطن نظرا لمشاكل وحسابات أطرت التدبير السياسي في المغرب منذ الاستقلال . ويمكن التدليل على ذلك بأمثلة كثيرة. 4 دستوريا : من المطالبات التي تتكرر هو الحديث عن دسترة الأمازيغية . ونحن نقول دوما بأن الدستور هو اختيار وطني قبل أن يكون اختيارا نظاميا . صحيح أن النص الدستوري ليس نصا مقدسا ويمكن إخضاعه لأشكال عديدة من التعديلات كلما اقتضت الضرورة الاجتماعية والسياسية ذلك، لكن إدراج لغة في إطار التشكل والتكوين المختبري سيؤدي حتما إلى تشتت اجتماعي وثقافي ليس أقل من التجزئ السياسي . وسواء وعى هؤلاء الدعاة بالأمر أم لم يعوا فإن منطق التاريخ والسياسة يقر بأن مستقبل هذه الدعوات هي الصراع الإثني والحروب القبلية وفي أحسن الأحوال الانفصال الإقليمي كما هو الحال في التجربة البلجيكية . صحيح أن بعض الأحزاب التي فقدت وجودها الشعبي والتاريخي بدأت تلعب على ورقة الأمازيغية مطالبة بدسترتها ومحاولة للاستفادة من الورقة لكن التاريخ لا يرحم ولاينسى . 5 سياسيا : لعل أبرز أمثلة الاندماج نجده في الحقل السياسي حيث التداخل بين الأمازيغي والعربي حاضر في التمثيلية السياسية . والاختلاف يكون إيديولوجيا وسياسيا وليس قبليا . من خلال هذه العناوين يتبين أن الذين يراهنون على المنتظم الأممي ويستنجدون به لينصفهم ، تحت مزاعم الشعوب الأصيلة والحقوق الثقافية وغيرها، يراهنون على تجزئ الوطن بدل توحيده . وقراءة البيانات المتتالية مثل البيان الأخير "لتَامَايْنُوتْ" سيجد فيه إقرارا بضرورة الضغط على النظام السياسي من قبل الخارج قبل الداخل للوصول إلى مطالبها الخاصة . لأن الواقع أن الحديث عن الميز ضد الأمازيغ أوهام صنعت لتحقيق أغراض تدخل في إطار إعادة بناء الدول في العالم وفق سياسة شد الأطراف . فهل من متعظ؟