يعود المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان المؤقت السابق) إلي واجهة الأحداث المتسارعة في ليبيا بعد إعلان قوات عملية فجر ليبيا، المكونة من مقاتلين من مدينتي مصراتة (وسط) وطرابلس (شمال)، أمس، السيطرة علي كافة المرافق العامة والمعسكرات في العاصمة طرابلس، لا سيما المطار الدولي. وفي مواجهة ذلك، أعلن مجلس النواب عن تسميته لقوات "فجر ليبيا" ومجلس شوري ثوار بنغازي، وهو اتحاد لكتائب ثوار تابعه لرئاسة أركان الجيش مدعوما بمسلحي تنظيم أنصار الشريعة، "جماعات إرهابية"، لتدخل الأزمة الليبية في أفق الانقسام السياسي بين برلمانين، وقوتين متنازعتين علي الأرض. وإذا صحت أنباء أولية حول نية المؤتمر الوطني تشكيل حكومة جديدة، تصبح بالبلاد بحكومتين. جاء تريث مجلس النواب (الذي يعقد جلساته في طبرق/شرق) في إعلان بيانه الأخير وعدم شموله علي قوات الجانب الآخر( الصواعق والقعقاع والمدني وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر) يعكس ميل وتحيز المجلس لطرف ضد الطرف الآخر. وفي خطوة بدت كرد فعل على قرار مجلس النواب، فإن الطرف الذي اتهم ب"الإرهاب" استدعى المؤتمر الوطني ليكون الواجهة السياسية له في الأزمة. ويعزز عودة المؤتمر الوطني ليواصل إدارة البلاد عدم قيام مجلس النواب بتسلم السلطة منه في حفل علني ثم يقوم بإصدار قرار بحله. التصعيد المستمر بين سلطتين كلاهما يزعم الشرعية لا يتوقف عند حد التنافس السياسي والتلاسن الإعلامي، بل سيتعدى إلي استمرار النزاع العسكري، لأن كلا الطرفين يدرك أن السلطة والنفوذ إنما تتحدد بما يصل إليه مدي البنادق. هذا بدوره يعني تحول البلاد إلي ساحة صراع أخرى في المنطقة الملتهبة، إذ سوف يتدخل اللاعبون الإقليميون والدوليون في الصراع لأهداف مختلفة ومتضاربة حسب الأجندة الدولية علي المستوي المرحلي والمتغيرات الإقليمية. لا يبدو في الأفق بصيص ضوء واضح لإعادة البلاد الموشكة علي التفكك إلا في حالتين : الأولي توافق القوي الدولية العظمي علي استمرار ليبيا موحدة وهو احتمال ضعيف لأن حيث تبدو ملامح سياسة الغرب في المنطقة منذ قرابة عقدين هي المزيد من التفكيك والتقسيم وهو ما يشهده بنسب ومعطيات مختلفة العراق وسوريا واليمن، والسودان قبل ذلك بسنوات. الثانية هي اقتراب مجلس النواب من الطرف الثاني في الأزمة الليبية وتقديم تنازلات بعودة المجلس إلي مسار الإعلان الدستوري وتسلم السلطة من المؤتمر والانعقاد في بنغازي، والتأسيس علي أهداف ثورة فبراير/شباط وحث لجنة الستين المنتخبة والمكلفة بإعداد مشروع الدستور علي طرح مسودته الأولي. ولاشك أن الخيار الأخير يشكل قاعدة أساسية للشروع في التوافق وإطلاق حوار وطني شامل لوضع خارطة طريق تتوافق عليها كافة القوي السياسية والعسكرية والأمنية. وإذا لم يسارع مجلس النواب والمؤتمر الوطني في التواصل وتقديم التنازلات المتبادلة بين الطرفين فإن الأزمة السياسية سوف تستمر إلي مداها الأقصى بوصول الصراع إلي منابع الثروة ويصبح التقسيم أمرا واقعا، وتتحول ليبيا إلي دولتين واحدة في الشرق والأخرى في الغرب. يذكر أن بؤرتي الصراع العسكري الرئيسيتين في ليبيا إحداهما شرقية بدأت عندما دشن اللواء المتقاعد خليفة حفتر في 16 مايو/ أيار الماضي عملية عسكرية أسماها "عملية الكرامة" قال إنها ضد "مجلس شورى ثوار بني غازي" و"تنظيم أنصار الشريعة" بعد اتهامه لهما ب"التطرف والإرهاب والوقوف وراء تردي الأوضاع الأمنية وسلسلة الاغتيالات بالمدينة"، وأيدتها عدة وحدات عسكرية، فيما اعتبرت أطراف حكومية تحركات حفتر "انقلابا على شرعية الدولة". والثانية التي تدور رحى معاركها منذ أكثر من شهر، بين قوات "فجر ليبيا" ضد مقاتلين من كتائب "القعقاع" و"الصواعق" في محاول للسيطرة على مطار العاصمة (أعلنت قوات فجر ليبيا أمس السيطرة فعليا عليه) ومواقع عسكرية، وتدور هذه المعارك بدون أوامر مباشرة من رئاسة أركان الجيش التي ينتمي لها الطرفان المتقاتلان. ويتوازى مع ذلك صراع سياسي بين فريقين أحدهم يمثله المؤتمر الوطني العام والحكومة التي ينوي الإعلان عنها مدعوما بالإعلان الدستوري، وآخر يتخذ من طبرق مقرا له هو مجلس النواب الذي ينوى هو أيضا في غضون عشرة أيام تغيير حكومة عبدالله الثني الحالية. *وكالة أنباء الأناضول