المهاجرون في إسبانيا: من أصل بالانتماء إلى التماس المشاركة في التنمية رغم الشدائد كابوس مرعب ارتبط حلم الهجرة إلى إسبانيا ب"الفردوس المفقود" وسيطر على عقول وسلوك نسبة مهمة من الشباب المغربي، فغامروا بحياتهم في سبيل تحقيق الحلم والفوز بفرصة عمل كانت توفرها السوق الاقتصادية الإسبانية في البناء والفلاحة والسياحة والنقل والصيد البحري وغيرها. وهي الفرص النادرة أو غير المتاحة في وطنهم أو لمجرد بخس في الأجر المقابل للعمل، أو لرغبة شخصية في مسايرة لتيار الرغبة في الهروب فقط. ومهما يكن من أمور وأسباب دفعت بهم الى اختيار الهجرة لتحقيق الحلم، فإن هول الأزمة الاقتصادية التي حولت رخاء الحياة في إسبانيا الى سحاب، وعجلت بانهيار وتهاوي من أعلى أرقام نموها، كل ذلك حول إسبانيا ومعها الشباب المغربي وغيرهم من حلم جميل الى كابوس من سنوات عجاف مرعبة، أتت على كل ما وفره خلال سنوات السخاء. وقد حاولت إسبانيا علاج أوجاع داء الأزمة المزمنة بمسكنات، عبارة عن إعانات مختلفة في طبيعتها ومتنوعة في مصدرها ومتباينة في مدتها وفي قيمتها، لكنها متحدة في عدم فعاليتها وعدم كفايتها و في عدم نجاعتها. دون أن تفلح في تلك السياسة، لأنها لا تضمن أداء قسط قرض البيت المضاعف مرات لارتفاع نسبة الفائدة، ولا سومة الكراء المرتفعة ولا أعباء الحياة الغالية ولا تكاليف تمدرس الأبناء المكلفة ولا تذكرة التنقلات المتعددة ولا قيمة فاتورات الماء والكهرباء الملتهبة ولا ثمن البنزين والمحروقات غير المستقرة والمتصاعدة. هموم وقضايا المهاجرين إلا أن أمد الأزمة وتوجه إسبانيا الى اسلوب التقشف في النفقات العمومية والاجتماعية لتوفير السيولة والتخفيف من العجز والمديونية العمومية عن طريق نهج سياسات تصحيح المالية العمومية منشدة في ذلك استقرار ميزانيتها وحصر ارتفاع المديونية، التي بلغت حاليا بليون، وتقلص عجز الميزانية من 10،6٪ إلى 7،2٪. بعد سنوات من الصرامة في منح الإعانات للأجانب، منها شرط عدم مغادرة إقليم إسبانيا نحو الخارج خلال مدة الاستفاذة إلا بترخيص مسبق ولمدة وجيزة، تحت طائلة توقيعها ذعائر وعقوبات مالية خيالية على المخالفين. وهي نفس الشروط المفروضة بمقتضى قانون حريات الأجانب واندماجهم الاجتماعي، إذ يفرض على الأجنبي عدم مكوثه أكثر من ستة أشهر خارج اسبانيا و إثباته المساهمة لفائدة الضمان الاجتماعي مدة عمل سنوية لا تقل عن ستة أشهر لضمان قبول تجديد رخصة العمل والإقامة. وهو الشرط الذي عجزت نسبة مهمة من المهاجرين المغاربة من الحصول عليه بفعل البطالة، دون أن تراعي إسبانيا الظرف القاهر بانعدام فرص العمل، الذي لم يسلم منها الوطني والأجنبي على حد سواء. وبالرغم من اعتراف إسبانيا بأرقام العاطلين التي بلغت رقما قياسيا، حيث بلغت سنة 2013 معدل 26،4٪. فإن ذلك لم يشفع للأجانب أثنا نظر مكاتب الأجانب في مختلف الحكومات المستقلة في طلبات تجديد رخص وسندات إقامتهم وعملهم للربط الاعتباطي بين التجديد والعمل والإقامة، كما أن تحسن العلاقات بين المغرب وإسبانيا، الذي تجسده الزيارات الرسمية لملكيها خوان كارلوس قبل تنازله لفائدة فليبي دي بوركون السادس، وكذا المواظبة على عقد اللقاءات الدورية رفيعة المستوى بين البلدين، وكذا توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب من أجل تسهيل حركية الأفراد، الذي شمل إسبانيا ومجموعة من دول الاتحاد ألأوروبي لم يخفف من شدة الشروط وقسوتها، الأسباب التي جعلت عدد المغاربة ينخفض ب0.9 نقطة. وهو ما جعل الريبة تتسرب إلى جدية جدول تلك الأعمال وما إذا كانت مشاكلهم يتم تناولها خارج مواضيع الصيد البحري ومحاربة الهجرة غير النظامية والتعاون الأمني لمحاربة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة والصحراء. حماس كبير دون تأثير وفر جوار المغرب من إسبانيا فرصة كبيرة لعبور المغاربة كما الأفارقة الى إسبانيا، إذ بلغ العدد الرسمي للمقيمين بوضعية إدارية قانونية إلى غاية 31/دجنبر/2013 عدد 785180، يضاف إليه نفس العدد أو يزيد أو يقل بقليل، من الذين ينتظرون تسوية تلك الوضعية بالاضافة إلى 34738 من مواطني الاتحاد الاوروبي من أصول مغربية، وهو ما بوأ المغاربة المرتبة الثانية ب15،89٪ من العدد الإجمالي للمهاجرين بإسبانيا، بعد رومانيا، التي اقترب عدد مواطنيها بإسبانيا من المليون، وبالضبط928217، وبالرغم من هذه الكتلة الكبيرة المعول عليها اقتصاديا كمصدر للعملة الصعبة، وهي النظرة التقليدية للدولة والمجتمع إزاء المهاجرين بشكل عام. فإنها تعتبر رأسمالا بشريا مؤهلا تسلح بالتكوين والمعرفة والتقنية، التي اكتسبها طيلة سنوات الإقامته من خلال العمل والدراسة بإسبانيا، وقادر على المساهمة في إنجاح أوراش التنمية لو توفرت الخطط الوطنية لاستقبال وتشجيع العائد منهم وإدماجه في النسيج الاقتصادي الوطني وتوريطه في الفعل السياسي. تأجيل المشاركة السياسية الا ان الهواجس الأمنية ابطأت أو أجلت الإرادة الملكية التي كانت متجهة منذ 2006 نحو تفعيل المشاركة السياسية لمغاربة العالم والمهجر، وهو ما يدل عليه عدم تفعيل مشاركتها في انتخابات موعد السابع من شتنبر 2007، الموعد الذي كان محددا في خطاب الملك بتاريخ السادس من نونبر 2006 لتفعيل تلك المشاركة، وهو ما يؤكده أيضا عقم وشلل وموت وانتهاء صلاحية المجلس الاستشاري للجالية المغربية بالخارج على مستوى تحقيق وتنفيذ الأهداف. إذ عجز عن التعريف بنفسه، فبالأحرى إنتاج معرفة أو تقديم استشارة أو رأي لصالح حماية مصالح فئة المهاجرين أو العمل على الضغط لاستحضار ظروفهم وخصوصياتهم أثناء سن وتشريع القوانين أو إعداد وتنفيذ السياسات العمومية. ولا المهاجرون ضمنوا نفس الحق فيما بعد. وبالضبط خلال الانتخابات المبكرة للخامس والعشرين من نونبر 2012، غداة المصادقة على دستور الفاتح من يوليوز 2011، الذي تضمن قواعد قانونية تضمن تلك المشاركة، ولا ظهر في أفق العمل الحكومي الحالي ولا في عمل الوزارات المهتمة والمتدخلة، كالخارجية ووزارة الجالية المغربية بالخارج ما يوحي ببداية رسمية وفعلية للاهتمام بهذه الفئة خارج العمل القنصلي التقليدي، مثل تسليم بطاقات الهوية وجوازات السفر ومهام الحالة المدنية وجزء من العمل القضائي لا يتعدى توثيق عقود الزواج. انعدام حس المسؤولية لقد شجع سلوك غياب الجدية لدى المؤسسات الرسمية على نهج أسلوب التزلف نفسه لدى مغاربة العالم، فتناسلت مجموعة من الجمعيات الاسمية والأسرية، تفطن رؤساؤها الى كونهم يحسبون فقط كأدوات تلميع وأواني لتأثيث عمل القناصلة والديبلوماسيين المغاربة او أشخاص شكليين لملء عضوية بعض المؤسسات الوطنية المهتمة بالهجرة مثل مجلس الجالية المغربية بالخارج، وإن حالفها الحظ ونسجت علاقات مع دول الاستقبال فقد تستغل لنفس الغايات في دول الاستقبال، ولا سبيل لذكر جمعيات نال رؤساؤها عضوية بمجلس الجالية ونالت جمعيتهم عضوية بمؤسسات تعنى بالهجرة بدول الاستقبال بسبب أنها "الأكثر تمثيلية". فنهج رؤساء الجمعيات المغربية بالمهجر بصفة عامة أسلوب المنفعة والاغتناء وقضاء مآربهم الشخصية على حساب المصالح العامة للمهاجرين، وتم تمييع العمل الجمعوي بصفة عامة، لم يسلم الجاد منه من همس الاشاعة وبأس المؤامرة، وشكل ذلك مناسبة ملائمة لتوغل وتجذر جمعيات إسلامية في عقول شباب الجالية المغربية، انطلاقا من أماكن العبادة، وعبر خطاب العداء والتكفير، وعن طريق أسلوب كسب علاقات شخصية تتوسع كنسيج العنكبوت. وفي مقابل ضعف وعدم فعالية المجتمع المدني المغربي بإسبانيا وفي الخارج بشكل عام، مبادرة لفائدة قضايا المهاجرين وهمومهم وانتظاراتهم في المهجر كما في المغرب، وهي لا تلام في ذلك أمام نفس الضعف والهوان الذي أصاب المؤسسات الوطنية المهتمة بهذه الكتلة وهمومها بالرغم من تعددها وتنوعها. أو حتى من أجل تغيير صورة المغرب والمغاربة وقضاياه منها قضية الوحدة الترابية. فإن جزء كبيرا من الرأي العام الوطني الإسباني ينظر إلى المغاربة بسبب الأزمة نظرة المريب الخائف والحاقد والعنصري. وينظر إلى المغرب كمساهم في تدفق المهاجرين الأفارقة إليه، ويتعاطف نفس الرأي العام الوطني الاسباني مع أعداء الوحدة الترابية حد النصرة والمدافع والمساند والمساعد والمؤازرة والمأوى لهم. أكيد أنه لو تزاوج العمل الرسمي بالمدني المغربيين في إسبانيا لظفر المغرب بساحة وميدان أهميته الحيوية والإستراتيجية والسياسية لا تحتاج إلي تحليل أو دليل أو استنتاج ومناقشة. مؤهلات المهاجرين لتحقيق التنمية فماذا أعد المغرب من خطة وخطاب يوجهه للمهاجرين في غشت من كل سنة، هل تغير الخطاب ؟ هل تم تفعيل خطاب السنة الماضية وغيرها من خطب السنوات الماضية؟ وكيف يمكن للمغرب ان يستفيد من فئة المهاجرين لإنجاح ورش التنمية المعول عليه ليلتحق المغرب بركب الدول الكبرى ليعود المغاربة الى وطنهم بعد رحلة عمر طويلة؟ أم أن المغرب سيتخلف عن الموعد الموعود به ويضطر المهاجرون للبقاء في حالة الهجرة إلى تاريخ مؤجل ويؤجل معها حلم العودة ؟. وإلى ان يتغير الخطاب وتتغير نظرة الدولة المغربية والمجتمع المغربي إزاء المهاجرين، فإن المهاجر لا يملك حلا ولا توفر لديه بديلا يغنيه من حالة الهجرة، وسيبقى مستأنسا ومتعايشا بالوعود لعلها تأتي صحيحة يوما ما....وإلى ذلكم الموعد الذي نرجوه قريبا ..!!. *محام وخبير في القانون الدولي للهجرة