في الوقت الذي أكد فيه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران نيته في دعم الفئات الفقيرة بشكل مباشر من الأموال التي ترصدها الدولة لدعم عدد من المواد الأساسية من طرف صندوق المقاصة، خرج إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ليعلن صعوبة مقترح الحكومة، الذي جر عليها انتقادات واسعة حول رغبتها في استغلاله انتخابيا. وبعدما أوصى جطو، الذي كان يتحدث اليوم خلال مناقشة لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب للتقرير الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات حول موضوع منظومة المقاصة بالمغرب، بضرورة استهداف الفئات الفقيرة لدعم قدرتها الشرائية، اعتبر أن "هناك صعوبة كبيرة بخصوص كيفية اختيار من يستحق الدعم، ومن لا يستحق، ومن هو الجهاز الذي يسهر عن ذلك"، قبل أن يبدي تخوفه من كون كلفة الجهاز المشرف على الفئات المستحقة سيكون أكبر من الدعم نفسه. رئيس المجلس الأعلى للحسابات، وبعدما أشار أنه "في انتظار إيجاد آلية فعالة وآمنة للدعم"، أوصى حكومة عبد الإله بنكيران بإبقاء الدعم على المستوى الاجتماعي على الدقيق، والسكر، وغاز البوتان للاستعمال المنزلي، لأن 40 في المائة من غاز البوتان تذهب للفلاحة. وفي هذا السياق، طالب جطو برفع الدعم تدريجيا على المواد البترولية السائلة، مؤكدا ضرورة توجيه الأموال الموفرة إلى الاستثمار في الأوراش المهيكلة للاقتصاد الوطني، "لأن رفع الدعم لا يكفي إذا لم يصاحب باستراتيجية طاقية فاعلة"، على حد تعبير جطو. جطو قال إن التقييم الذي قام به مجلسه لصندوق المقاصة، والذي جاء بطلب من مجلس النواب، اعتمد في منهجية عملها على الاطلاع على أهم الدراسات التي أنجزت في هذا المجال، منها البنك الدولي ووزارة المالية، وصندوق المقاصة، ومجلس المنافسة، والمندوبية السامية للتخطيط. وأفاد جطو أن منهجية العمل قادت إلى طرح أسئلة حول من هم المستفيدون من الدعم، وما هي المخاطر التي يمكن أن تنتج عن استمرار النظام الحالي على توازن الميزانية العمومية، مما سيترتب عنه عجز الميزانية، وهو ما يطرح سؤال حول كيفية نمو العجز، ومن ثم ارتفاع المديونية والضغط على الاقتصاد الوطني. وكشف تقرير المجلس عن أرقام وُصفت بالصادمة حول صندوق المقاصة، منها أنه "لا يتجاوز استفادة الأسر المغربية التي لا تملك سيارة من صندوق المقاصة ما مجموعه 156 درهم شهريا، منها 70 في المائة لغاز البوطان". وتستفيد الأسر التي تتوفر على سيارة وتبلغ 1.8 مليون من مواد الصندوق بمعدل 328 درهم شهريا خلال سنة 2013، منها 110 درهم في غاز البوطان، و24 درهم للدقيق والسكر 22 درهم والغزوال والبنزين ما مجموعه 172 درهم شهريا. وأوضح جطو أن الأسر الفقيرة التي جاء الصندوق من أجلها، والتي تصل إلى 6.8 مليون، لم تستفد خلال سنة 2013، من سوى 16.5 مليار درهم أي 36 في المائة، بينما جزءها الأهم تستهلكه الأسر الميسورة "لأنها تستهلك أكثر، بالإضافة إلى عدم احترام الأثمنة المستهدفة والوسطاء". ويعد غاز البوطان، حسب تقرير جطو، من المحروقات الأكثر استهلاكا من لدن الأسر، بنسبة 59 في المائة، يليها قطاع الفلاحة بنسبة 39 في المائة، مبرزا أنه "يستعمل في المجال الفلاحي بشكل أساسي في ضخ المياه والتدفئة، وفي ميدان تربية الدواجن والزراعات المغطاة". التقرير أفاد أن صندوق المقاصة أصبحت له كلفة تمثل إشكالية كبرى بالنسبة لتوازن المالية العمومية، مبرزا أنها تمثل إشكالية كبرى بالنسبة تتجسد في تقليص الهامش المتاح في الاستثمارات العمومية، ويؤدي إلى بطء وتيرة تنفيذ الأوراش الاقتصادية". وتطور صندوق المقاصة خلال العشرية الأخيرة بشكل لافت، حيث ارتفعت مخصصاته من 4 مليار إلى 12 مليار 2009 لتصل إلى 56 سنة 2012، لتنخفض إلى 44 مليار سنة 2013، في حين بلغت خلال الخمس سنوات ما مجموعه 194.8 مليار درهم.