الحلقة الرابعة: شعور الإنسان بأنه محبوب من قبل إنسان آخر لا يُعادله أيّ شعور، والبوجادية تشْعُر ُ بذلك هذه الأيام وتشعر أكثر بحبّ رقيق، ناعم كوردة حديثة التفتح. صحيح أنّ خطيبها " عيّانْ و تالفْ" في أشياء أخرى، لكنه في مُبادلتها العواطف والأحاسيس هو كالنهر الجارفْ، ولا يتوقّف عن الهمس في أذنيها "وَلّيتْ تنموتْ عليكْ " وقبضة يده المتعرقة ليدها تأكد لها أنه أصبح " مزْعوطْ فيها مزيانْ" ممّا يُشعرها بأحاسيسْ تلقائية اتجاهه كلّها حُبْ وحنانْ وهيامْ كلما جاء لأخذها من بيتهم للخروج مع بعضْ تهيّأ لحفل الزفاف. شيء واحد فقط هو الذي يحطّم هذه المشاعر بينهم، حين ترافقهم حماتها، وتبدأ "الفقصة" بكلمة، والكلمة تجرّ كلمة والبوجادية تبقى صامتة وموجوعة لا تستطيع أنْ تردّ بحرف لأنّ كلمة حماتها هي المسموعة. وأثناء لحظات كهذه تستحضر البوجادية كلام والدتها "باشْ تبرّدْ على رأسها "، وتتذكّر نصائحها بأنْ تضبط نفسها مع حماتها لتكسب تعاطفها ،ودّها وحبّها حتّى إن لزم الأمر الإنسحاق أمامها ونسيان أيّ نوع من الإساءة ولو على حساب كرامتها التي تتعمّد هذه الأخيرة إهدارها على مرأى ومسمع من إبنها الذي يضغط على يد البوجادية في إشارة منه لتمرير تصرفات والدته " بَجْغيمَة دْيالْ الماء". وهذا ما حدث حين بدأت حماتها أثناء تجولهم بالتعليق على أزياء البوجادية التي تُشبه أزياء فتيات البادية مضيفة بنبرة شديدة اللّهجة : " واياّكْ تحشْميني أمام عائلتي وأصدقائي يوم العرس وتلبسي شي حاجة لم اخترْها أنا لكِ"، وحذرتها من عواقب ذلك، ثمّ استمرّت في التبضّع واقتناء لوازم العروس دون حتى استشارة البوجادية أو أخذ رأيها فيما تقتنيه لها، إذ كانت هي من يختار الملابس الداخلية والخارجية وألوانها وأثوابها بينما المسكينة يدها في يد عريسها يُبحلقان في بعضهما البعض "كالأطرش في الزّفة". طالت بهم الساعات وهم على هذا الحال، فطلب البوجادي من والدته أن ينتظراها على شرفة أحد المقاهي حتّى تنتهي من التبضع وتلتحق بهم . قبلتْ هذه الأخيرة "غا بَزّزْ" ، وركضت البوجادية من الفرح لأنها أخيرا ستنفرد بعريسها "الدْريويشْ" وترتاح من "العَافية الكَحْلة دْيالْ ماماهْ" ولو لبعض الوقت، وترتاح أيضا من عجرفتها "وتفلعيصها" وتكلّمها أغلب الوقت باللغة الفرنسية لأنها مشكلتها الأخرى مع حماتها . فالبوجادية في الفرنسية أمّية أمّيةً كاملة، مَازالْ العربية "تتقشبلْ فيها شْويّة وْمَا كتفهمْ إلاّ الدّارجة دْيالنا وطبعا أصبحتْ تتطيرْ في المكسيكيّة والتركية بفضل ألفريدو ومهنّد وزيدْ وزيدْ......... المهم وبفضل سعة صدر البوجادية "دازْ النهارْ بيخير"، ولولا حياءها وصبرها ورزانتها وحُسن خلُقها لكانت قدْ "نوّضتها" مع حماتها، لأن هذه الأخيرة "زادتْ فيه وبزّافْ"، فهي لا تتأخر في تذكيرها بأصلها وفصلها بمناسبة وبغيرها رغم أنّها هي أيضا أصلها "مَشي حتّى لْهيهْ"، وهذا ما ستكتشفه البوجادية مْع الوقْتْ. (يتبع......). للتواصل مع الكاتبة [email protected]