" عرف القرن العشرين تحولات سياسية وثقافية واقتصادية وعلى الفرنكفونية أن تتكيف مع هذه التحولات" ميثاق الفرنكفونية 20/3/1987 "الفرنكفونية ليست مجرد لغة بل إنها حضارة قادرة على ضمان الإزدهار في العالم" وزير فرنسي سابق في السبعينات. ينبغي قبل أن يحابي البعض لغة مجرمي الأمس ويرطن بها - وهي الأقل انتشارا في العالم والأقل تأثيرا من لغات أخرى منها العربية نفسها رابعة اللغات الرسمية الست لدى منظمة الأممالمتحدة- ويتمسح بالعامية ويأتيها بزي الإخلاص والوفاء كمن يأتي للدنيا بزي الآخرة أن يفهم ما اللغة ، أن يفهم أنها حضارة وتراث وتاريخ وهوية، أن يعي أن اللغة باصطلاحاتها ترسم ظلالا فكرية وأن المفاهيم هي حصان طروادة لغزو الشعوب والتأثير فيها، أن يفهم باختصار أن اللغة هي الحاملة لمشروع حضاري له محتوى ثقافي حسب مجال تداولي معين ، واللغة العربية لها علم الإشتقاق الذي تفضل به اللغات الأوربية كما قالت المستشرقة الألمانية "ريجرد هونكه"، ولها مجالها التداولي حيث تفاعلها النفسي والحضاري.إن كل حضارة مطبوعة بخصوصيات معينة وعليها تنبني منجزاتها و منتوجاتها المصبوغة بقيم وأفكار معينة ! وأي مفهوم أو مصطلح له إطاره الفكري والفلسفي وبيئته الحضارية وملابساته الفلسفية والعقدية التي أنتج فيها فهو حامل لرسائل فكرية معينة. فإذن الذين يدعون إلى إهمال العربية والتحدث بالعامية مكانها إنما يسعون لتعبيد الطريق لينصبغ المغاربة بالكلية بثقافة غيرهم وهي الفرنكفونية التي عجزت عن محو العربية ومعلوم أن البعثات الفرنسية بالمغرب تخرج أفواجا من الذين لا يعرفون العربية ولا حتى العامية الدارجة والأمازيغية وهؤلاء هم الذين تعطى لهم الأولوية في تقلد المناصب في الدولة بعد أن أتيحت لهم الفرصة للدارسة في الخارج ! وهؤلاء هم الذين يتمترسون أمام كل خصوصية ثقافية وطنية نتحدث مثلا عن حركة مالي وعن الصيحات المنادية بهجران العربية إلى العامية وهم الذين لا يرطنون إلا بالفرنسية بل هم أشد فرنسة من الفرنسيين أنفسهم ! ولسنا ضد الفرنسية أو حتى العبرية ولكن ضد الإنصباغ بثقافة الغير وإذا كان تعلم اللغات شيئا رائعا تفرضه العولمة فمن الأحسن أن يتعلم المغاربة اللغة الأكثر انتشار وتأثيرا في العالم وهي الإنجليزية أو الصينية لأن الصين هي التي ستهيمن في المستقبل، بيد أن المغاربة لايتحدثون إلا الفرنسية فليست المسألة متعلقة بالمعرفة أو العلم ونحو ذلك بقدر ما تتعلق بمشروع كولونيالي ابتلعته ثلة من البلداء والسذج بتحريض من العملاء وتفرج من حكومة وعدت في تصريحها بالحفاظ على اللغة العربية وإعادة الإعتبار لها ! إن الفرنكفونية لها أهداف سياسية واقتصادية وثقافية، ولما تفطنت الفرنكفونية إلى أن المغرب بدأ ينفلت من قبضتها طرح ساركوزي المشروع المتوسطي خصوصا بعد أن توضح توغل الولاياتالمتحدة في المغرب الذي عليه أن يقدم تنازلات سياسية لها وأولاها التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب ! إن أولئك المغاربة المتفرنسين – أكثر من الفرنسيين أنفسهم- لا يدركون الفرق بين العامية والفصحى، وأن التواصل بالعامية هو المستوى الأدنى من مستويات التواصل إذ يتم بين معظم الناس بصرف النظر عن مستواهم الثقافي،وأن العامية خليط بين ألفاظ من الفصحى وألفاظ دخيلة من لغات أخرى أو مخترعة دون أي قاعدة أو ضابط. أما الفصحى فلها مستويات التفاعل النفسي والمعرفي ولها مفاهيم ومصطلحات قد تتغير مدلولاتها حسب الشعبة المعرفية أو المجال التخصصي أو المذهب الديني أو الفكري، إنها الحاملة للأفكار الحضارية والقادرة على حفظ التراث والهوية والتاريخ والثقافة بصفة عامة، لذلك فإن الدعوة إلى هجران الفصحى هي دعوة إلى قطع الشطر الأهم والأخطر في النسق اللغوي ومن ثم الإرتماء حتما بين أحضان بيئة حضارية أخرى وهو الذي حدث لهؤلاء المغاربة المتفرنسين ، بماذا هم مغاربة ؟ لا تكفي الجنسية والبطاقة الوطنية لإثبات الإنتماء الحضاري لأمة معينة.إن من ارتمى في أصل الغير ولم يأبه لأصله لا أصل له ! إن الموضوع ذو شجون وحتى لا أطيل أختم بما قاله الدكتور عبد الإله بلقزيز " لستُ في معرض الدفاع، لكني في معرض التنبيه إلى أن مشكلة المغاربة ليست مع العربية والأمازيغية، وإنما مع لغة أجنبية فُرضت على بلادنا في عهد الاستضعاف بالقوة والإكراه. ولستُ أعترض على هذه اللغة الأجنبية، وأنا من المدمنين على ثقافتها وآدابها، وإنما أعترض على سيطرتها غير المشروعة على حاضرنا ومستقبلنا، وخاصة في زمن لم تعد تتمتع فيه بأية قيمة في العالم بعد أن تغيرت خريطة القوى وانحدرتْ مرتبيَّتُها إلى لغة قليلة الشأن في الاقتصاد والثقافة والعلاقات الدولية" ! [email protected] http://elmeskaouy.maktoobblog.com face book : hafid elmeskaouy