كثيرٌ من الجدل أُثير بسبب قرار إعفاء الجنرال ستانلي ماكريستال من منصبه، بين مُعارضٍ ومؤيد، فبعضهم قال إنه ضعيف وخاطئ بينما وصفه آخرون بالحاسم، إلا أنهم جميعًا اتفقوا على أمر واحد أن أفغانستان تظلُّ العقبة الكَأْدَاء التي تؤرِّق الأمريكيين، حكومةً وشعبًا، وهو ما يبيِّنُه الكاتب الأمريكي بوب هيربرت في مقاله الذي نشرتْه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تحت عنوان (أسوأ من كابوس)، وهذه ترجمة المقال: يمكن التصفيق لأوباما من أجل قرارِه الحاسم بإقالة المتمرِّد الأزلي "ستانلي ماكريستال"، لكننا ما زلنا نواجه كارثةً تتمثل في حرب أفغانستان، التي لا يمكن تحقيق النصر فيها، فضلًا عن أنها لا تحظى بدعم الجميع. لا أحد في واشنطن الرسمية يخبر الشعب بحقيقة ما يحدث في الواقع، نسمع كثيرًا عن مكافحة التمرُّد، لكن لا يوجد أي دليل على أن ذلك سيحرز تقدُّمًا في أفغانستان، فهي لا تحرز الآن أي تقدم، وحتى إذا تمكَّنا من تجميع قطع الأحجية، فإن مؤيدي مكافحة التمرد الشرسين في صفوف الجيش، سيقولون لك إن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى 10-15 عامًا من الجهد الشاق حتى تؤتي ثمارَها. أيُّ ثمار يتحدثون عنها ونحن نحارب بالفعل في أفغانستان قرابة العقد من الزمن، وهي واحدة من أكثر الأماكن فسادًا على وجه الأرض، ومركز الإنتاج العالمي للأفيون؟ في حين أن حليفنا، الرئيس حامد كرزاي، لديه قناعةٌ بأن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن يكون لها الغلبة في الحرب، وبرغم تخلِّي الشعب الأمريكي عن فكرة الحروب منذ وقت طويل، فليس من الواضح على الإطلاق أن الرئيس أوباما كذلك. ويبدو أن هؤلاء المفتونين بما يسمى بمكافحة التمرُّد، بدايةً من قائدهم الجديد، الجنرال ديفيد بتريوس، غاب عنهم أحد أهم الجوانب الأساسية للحرب: ألا تذهب إلى حرب تقدم قدمًا وتؤخر أخرى، بل تذهب إلى الحرب لسحق العدو، وأن تفعل ذلك بشراسة وبأسرع وقت ممكن، إذا لم تكن تريد فعل ذلك، أو كانت لديك هواجس حوله، أو لا تعرف كيفية القيام به، فلا تذهب إلى الحرب. إننا نمارس في أفغانستان لعبةً خطِرَة، تعوزها الحماسة، يتشدق بها أوباما للشعب الأمريكي بضرورة هذه الحرب وأنه سيقوم بكل ما هو ضروري لإحراز النجاح فيها، ومن جهة أخرى وفور خروج زفيره التالي، يتغنى مؤكدًا بهدوء أن انسحاب القوات الأمريكية سيبدأ في الموعد المحدَّد، بعد عام من الآن... وكلاهما بالطبع لا يمكن أن يكون صحيحًا. الحقيقة أننا لا نقاتل بأقصى ما نستطيع في الوقت الحالي، حيث تزعم قوات مكافحة التمرُّد أنها تجد صعوبة بالغة في القضاء على طالبان بسبب خوفهم غير المبرَّر من أن سقوط العديد من الضحايا المدنيين سيقوِّض معركة "القلوب والعقول"، أو خوف العديد من الجنود من عدم تلبية القيادة لاحتياجاتهم من التغطية الجوية والمدفعية. وقد نقلت الصحيفة هذا الأسبوع عن جندي أمريكي في جنوبأفغانستان، كان غير راضٍ عما تقوم به قوات مكافحة التمرد، قوله: "أتمنى لو أن الجنرالات في هذه الحرب يتذكرون ما كانوا عليه عندما كانوا ينزلون إلى ساحة القتال.. إما أنهم لم يشاركوا في قتال حقيقي، أو أنهم نسوا كيف تكون الحروب" وقال ضابط سابق في القوات الخاصة، من قدامى المقاتلين في العراق وأفغانستان: "إن قواعد ماكريستال في الاشتباك كانت تُعرِّض حياة الجنود لخطر أكبر، وذات الشيء سيخبركم به كل جندي حقيقي". وفي الوقت الذي نغرق فيه أكثر وأكثر في المستنقع الأفغاني كريه الرائحة، والذي لا يملك الجنرال بترايوس ولا أوباما نفسه ولا أي شخص آخر أدنى فكرة عن كيفية الخروج منه، يريد المتحمِّسون في الجيش لمكافحة ما يسمونه "التمرُّد" إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، ويطالبون أوباما بالتخلي تمامًا عن خطته الهشة بالانسحاب الفعلي حسب الجدول الزمني الذي يبدأ في يوليو 2011. حالنا هذا، نحن الأمريكيون، يشبه مقامرًا مجبَرًا على أن يغرق في الديون أكثر من أجل الرهان على لعبة مزوَّرة في أفغانستان لا يلوح بالأفق سوى الحزن، ولا ملامح للانتصار، فنحن ننفق مليارات الدولارات لا نهاية لها، على هذه الحرب البائسة ولكننا لا يمكننا تمديد فترة إعانات البطالة للأمريكيين الذين يعانون من الاقتصاد المنكوب هنا في الوطن، إن الفرق بين الحرب على أفغانستان وأي كابوس، هو أن الأخير ينتهي بمجرد استيقاظك من النوم، أما هذه الحرب فلا، وهذه حقيقة مأساوية للغاية. *ترجمة موقع "الإسلام اليوم"