اقترن اسم قلعة مكونة لسنوات بالسجن سيء الذكر، وكثيرا ما غطت ذكريات مُعتقل سِرّي وآهات المعتقلين عن الوجه المشرق لقلعة مكونة، باعتبارها معقل الورد والجمال، ومكانا يُنظم فيه موسم للورود منذ 1962. في الطريق إلى هذه البلدة البعيدة، تمر عبر الحقول التي تحيط بوادي امكون، أول ما ستلاحظه أن شتلات الورد هي لغة الفصل بين الحقول، إذ يتخذها الفلاحون حدودا بين ضيعة وأخرى.. عربون محبة وحسن جوار بين الفلاح وجاره، بدل الأشواك والعداوات وحيطان القطيعة. الورد أكبر غائب في مهرجان الورد ويُقام موسم الورد في القلعة بداية شهر ماي كل سنة تزامنا مع بداية الجني، لكن هذه السنة تمت إزاحته إلى 22 ماي، الأمر الذي أدى إلى تفاوت بين فترة الجني وفترة المهرجان بحسب المتتبعين، دون أن نغفل انخفاض الإنتاج هذه السنة بسبب قلة التساقطات المطرية. وأوضح مسيّر التعاونية الفلاحية، الصوفي، في تصريح لهسبريس، أن " الضيعات المتاخمة لوادي مكون عرفت انخفضت في الإنتاج ب20 في المائة، بينما وصلت نسبة انخفاض الإنتاج بأماكن أخرى إلى 70 في المائة"، مضيفا أن "هذا ما أثر أيضا على الأثمنة، بحكم الطلب الذي يفوق العرض". فلاح آخر أرجع تناقص الورد وغلاء ثمنه هذا الموسم إلى احتفاظ الفلاحين الصغار بمحصولهم من الإنتاج هذه السنة، في انتظار بيعه في فترة مقبلة كورد جاف ب 150 درهم للكيلوغرام الواحد بدل بيعه أخضرَ ب 15 درهما للكيلوغرام، علما أن 4.5 كيلوغراما تقريبا من الورد الأخضر تعطي كيلوغراما وحيدا جافّا. لا فنادق في القلعة.. نجح المهرجان في جلب الزوار إلى قلعة مكونة، أزيد من 100 ألف زائر بحسب تقديرات المنظمين في اليوم الثاني. زوار من البلدات والمدن المجاورة ومن دول أخرى أيضا، لكن لا فنادق يأوي إليها السائح المتعب من فقرات المهرجان وأيامه الكثيرة، لا أماكن للاستقبال ولا وحدات للمبيت. الفندقان الشهيران بقلعة، مكونة واللذان يمثلان متنفسا لضيوف الورود، أغلقتهما السلطات لأسباب ما بضعة شهور، وليس أمام كل سائح غريب عن البلدة سوى العودة نحو ورزازات أو تنغير لتدبير ليلته حتى لا يقضيها متسكعا تحت رحمة السماء. "لم أجد فندقا للمبيت هنا، حتى وجبة الغداء تناولتها رفقة أصدقائي في إماسين، على بعد 40 كيلومتر تقريبا من هنا، لأعود لمتابعة المهرجان، وحضور فقراته"، يقول يوسف أخجام، أحد زوار المهرجان. ملكة جمال الورد.. "حتى زين ماخطاتو لولا" واختارت لجنة التحكيم المكلفة باختيار ملكة جمال الورد هذه السنة، سكينة الوكيلي، الطالبة الجامعية بمسلك الأمازيغية بابن زهر وابنة قلعة مكونة. اصطفاء ملكة جمال الورد ووصيفاتها بقلعة مكونة، تقليد سنوي يقام منذ 52 سنة، القلعة تخرج عن بكرة أبيها لرؤية موكب الملكة، وهي تعبر الشارع الرئيسي رفقة وصيفاتها. "وقع الاختيار هذه السنة على فتاة مثقفة وذات مستوى دراسي، ومشهود لها بالأخلاق الحميدة، وكذلك الشأن بالنسبة للدورات القليلة الأخيرة، من أجل تصحيح نظرة المجتمع إلى هذه المسابقة، وكذلك لتشجيع الفتيات مستقبلا على المشاركة"، يقول أحد أعضاء لجنة التحكيم في تصريحات لهسبريس. وأردف المتحدث أن "هناك دورات في الثمانينات والتسعينات أساءت لملكات جمال الورد، مما أورث هذه الفقرة المهمة بعض الشبهات، لكن نسعى لتصحيح هذه النظرة، باختيار المشهود لهن بالأخلاق والجمال والثقافة والسلوك الجيد". وتوجد شريحة أخرى تعارض إدراج فقرة ملكة جمال الورد في أطوار المهرجان، رغم مرور أزيد من نصف قرن على هذه "السُّنة"، فالسيد محمد أيت احساين، أستاذ بثانوية تاصويت الإعدادية يشبه فقرة اختيار ملكة الجمال في حديثه لهسبريس ب"المأتم الجماعي، ذلك أن حفل اختيارها شنيع على كرامة المرأة والفتاة، ونكران لجمالها الحقيقي المتمثل في دورها في الحياة، ومحاولة لإخفاء ما تعانيه من جهل وأمية، وما تكابده من مشاق في سبيل تربية أبنائها". هذا الرأي لا يتفق معه يوسف لحسن عبو الذي يرى " أن هذه الفقرة تمثل العمود الفقري للمهرجان، نظرا لأنها تحطم الرقم القياسي في المتابعة من طرف سكان القلعة، حيث فقط على لجنة التنظيم أن تُحسن الاختيار وتراعي الجمال الظاهر والأخلاق وحسن السمعة". بوقسيم: المهرجان ورش لتكوين المجتمع المدني تبلغ الميزانية المرصودة لمهرجان الورد في دورته ال52 بقلعة مكونة 450 مليون سنتيم، بحسب ما أفاد به ناصر بُوقسيم، مدير المهرجان لهسبريس، قبل أن يردف أن كلمة مهرجان قليلة في حق الحدث، فهو " تظاهرة كبيرة، فيها شق تنموي وثقافي وفني وسياحي يعتمد في التنظيم مقاربة تشاركية للتسيير، من إيجابياتها تأطير وتكوين المجتمع المدني". نفس المتحدث تابع أن "أهم المكاسب هذا الإشعاع الذي يتركه المهرجان وطنيا ودوليا، إضافة إلى الرواج الذي تعرفه المنطقة أيام المهرجان، ثم احتكاك المجتمع المدني بتجارب تدبير وتسيير مثل هذه التظاهرات، لأن المجتمع المدني يشارك في تنظيم المهرجان بأفكاره، واقتراحاته ومشاريعه ومبادراته. وهذا يدخل في إطار تكوين الأطر المحلية، لأنها من يقرر ويسيّر الميزانية وينظم الأنشطة ". واستطرد "هناك مؤشر كبير على تقدم المهرجان، ففي الدورة السابقة كنا نعاني من أزمة اقتراحات، لكن هذه الدورة توصلنا بأزيد من 50 مشروع جمعوي، فتم اختيار الملائم منها، والأمر طبعا لا يخلو من انتقادات عديدة، خاصة من الذين لم تختر اللجنة مشاريعهم." ماذا يترك المهرجان للساكنة؟ حاولت هسبريس استقاء آراء مجموعة من سكان قلعة مكونة على اختلاف مستوياتهم، وطرحت عليهم نفس السؤال: ماذا يترك لكم موسم الورود؟ كثير منهم أجاب دون أدنى تفكير: "الأزبال.. حشاك.." فرشيد من بومالن دادس يرى أنه "مهرجان من أجل المهرجان، خاصة هذه السنة إذ لم يُنظم حتى فات موسم الورد. قد تستفيد بعض الفئات القليلة من المهرجان، لكن منافعه لا تصل إلى الجميع، والغالبية العظمى لم يصلها من المهرجان غير الضجيج والأزبال". لكن هناك من يرى في المهرجان "قفزة نوعية من الموسم إلى المهرجان العصري المنظم وفق مقاربة تشاركية.. تترك بعد مرور المهرجان حسا جمعويا ودما جديدا في شرايين الجسم الجمعوي المحلي" كما عبّر عن ذلك الناشط محمد بنتزى، الكاتب المحلي لحزب العدالة والتنمية بقلعة مكونة. وأردف بنتزى أنه "بالفعل كان في السابق يترك الأزبال فقط، لكن الآن أصبحت الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني تقوم بحملة نظافة كبيرة بعد انتهاء المهرجان، وكل واحد يستفيد من موقعه بشكل إيجابي". فالمهرجان لم يغفل الجانب الثقافي أيضا، "إذ يطبع الكتب للكتاب المحليين، وقد طبع هذه السنة 12 كتابا لكتاب محليّين واختار 7 مشاريع مقاولات لتقديم التمويل لأصحابها" يقول أحد الذين طبع المهرجان كتابه الأول. "هذه السنة ترك لنا المهرجان أكبر خنجر في شمال إفريقيا، في ساحة قلعة مكونة ووردتين من البلاستيك ولو كانت كل دورة تترك لنا ولو شيئا بسيطا هكذا لكان لنا في قلعة مكونة 52 شيئا إيجابيا" يعلق سائق سيارة أجرة. ومع ذلك فإن هذه السنة تم توقيع 9 اتفاقيات في افتتاح المهرجان بحضور وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، ورئيس الجهة وعامل إقليم تنغير ونواب برلمانيين ورؤساء المصالح. ومن أهم هذه الاتفاقيات "اتفاقية لبناء قنطرة على واد امكون بالجماعة الحضرية قلعة امكونة"، و"اتفاقية لتعبيد طريق اوزيغيمت لفك العزلة عن جماعة اغيل نومكون بين وزارة التجهيز، واتفاقية لبناء مركز تصفية الدم بقلعة امكون، ثم اتفاقية بناء مدرسة قرآنية وتجهيزها...