داخل إحدى الوكالات البنكية ينتظر قليل من الناس أن يتمّ إصلاح الشباك الأوتوماتيكي حتى يتسنى لهم سحب النقود، غير أن أحد عناصر الدرك عندما دخل حاملا بطاقته البنكية في يده لم يضطر للانتظار مع بقية الناس بعدما أعفاه أحد موظفي البنك من ذلك وقدم له المبلغ الذي يريد في انتظار أن يسحبه من رصيده. زعما دارها لوجه الله؟ لاواه الريح! وإلى أحد المقاهي، يدخل سائق تاكسي صغير، رفقة أحد عناصر الشرطة، يجلسان ويلتحق بهما اثنان آخران من عناصر الشرطة دائما. بعد انتهاء الجلسة، يقوم الجميع، كل واحد يضع يده في جيبه كي يدفع ثمن المشروبات، لكن سائق التاكسي منعهم من الدفع، وأصرّ على دفع الحساب لوحده. في مكان آخر، يتحدث مواطن عادي مع عنصر من القوات المساعدة )مْخازني)، وينتهي الحديث بأن طلب المواطن من "المخازني" أن يطلب أي نوع من العصير من لدن صاحب المجبنة التي كانا واقفين بالقرب منها، وهو يتكلف بدفع ثمن العصير. مثل هذه العادات بين المغاربة معروفة، حيث يصل الأمر في أحيان كثيرة، خصوصا بين النساء، إلى حدّ أن تُقسم إحداهن بأنها هي من ستدفع، وتقسم الثانية، وتحنث إحداهما في الأخير، في مشاهد أعتبرها شخصيا متخلفة وغير لائقة. لكن، عندما يتعلق الأمر بمواطن عادي، وعناصر من "السلطة"، فإن القضية تحوطها أكثر من علامة استفهام، وتصير فيها أكثر من "إنّ"! 2- التودّد والتقرب والتزلف لكل من بيده سلطة ما من طرف المواطنين "العاديين" مرض يستشري في أطراف المغرب كالسرطان، حتى أن كل من يستطيع أن يربط علاقة "صداقة" مع شرطي أو دركي وغيرهما من أصحاب السلطة، يضع أنفه في السماء، ويحسب نفسه هو أيضا صاحب سلطة! أصحاب سيارات الأجرة مثلا، الذين تربطهم علاقات خاصة مع عناصر الشرطة ومسؤولي الأمن، يحسبون أنفسهم "واهْلي ما نْعرف آشنو"، حتى أنني سمعت أحدهم، له علاقة مع مسؤول في ولاية الأمن، يفتخر بأنه استطاع أن يستعيد رخصة سياقته بعد أن تمّ سحبها منه، وذلك عن طريق مكالمة هاتفية واحدة مع المسؤول الأمني الذي تربطه بع علاقة معرفة. آسيدي بالزعط! 3- مثل هذه العلاقات المريضة بين المواطنين ورجال السلطة هي التي جعلت الإدارة المغربية تتحول إلى مجمّع متميّز للعنصرية. إذا كانت لديك معرفة مسبقة مع أحد الموظفين، تصير حوائجك مقضية بيسر وسلاسة، وتكون في الغالب الأعمّ من الأولين، وإذا لم تكن لديك معارف، فلم ينفعك في هذه الحالة إلا جيبك. وعلى كل حال فلا فرق بين من يقضي حوائجه الإدارية مستعينا بعلاقاته الخاصة، وبين من يقضيها عن طريق "ادهن السير يسير". گالّك الوساطة والمعرفة، هادي راه سميتها الرشوة بطريقة غير مباشرة آمولاي! 4- إن الذين يفتخرون بربط علاقات صداقة مع أصحاب السلطة إنما يشجعون هؤلاء على ممارسة مزيد من الطغيان والاستبداد وهضم حقوق المواطنين. فعندما تضطر للاستعانة بالوساطة من أجل نيل حقوقك المشروعة التي يكفلها لك القانون فهذا معناه بكل بساطة أنك مظلوم، واللجوء إلى الوساطة معناه أنك تسمح لهذا الوسيط وتشجعه كي يدوس على كرامتك ويزيدك ظلما على ظلم! وبما أن المظلوم في هذا البلد لا حول له ولا قوة ولا خيار أمامه سوى رفع الشكاوى إلى الله تعالى، ورفع دعوات بالمقلوب على كل هؤلاء الظالمين والمعتدين، فيجدر بالإنسان على الأقل، ومن باب الرأفة بضميره، أن يعترف فقط، ولو بينه وبين نفسه، بأن قضاء أي حاجة من حوائج الإدارة عن طريق الوساطة والعلاقات الشخصية، حتى ولو لم يدفع درهما واحدا، هو في حد ذاته رشوة واضحة! 5- أنا لست ضد ربط علاقات الصداقة مع أصحاب السلطة، فهؤلاء على كل حال مواطنون كباقي المواطنين، ولا نستطيع أن نعزلهم في عالم خاص بهم، أو ننعزل عنهم، لكن الذي أعارضه هو أن تتحول هذه العلاقات إلى منبع للعنصرية وتفضيل مواطنين على آخرين. علاقة المواطن برجل السلطة يجب أن تفقد خصوصيتها وينتهي مفعولها على عتبة باب الإدارة العمومية حتى تعمّ المساواة بين الجميع. مثل هذه العلاقات المريضة هي التي تجعل هؤلاء المسؤولين التافهين يحسبون أنفسهم فراعنة، حتى أنني أرى كل يوم جمعة تقريبا أحدهم، تربطه علاقة صداقة مع إمام أحد المساجد، يخصص له مكان خاص أمام المحراب، ولا يدخل من أبواب المسجد العادية حيث يدخل الناس، بل يدخل من باب خاص، وبمجرد أن يدخل قبيل صعود الإمام على المنبر بقليل، ينتفض القيّم على المسجد من مكانه ويفرش له سجادة خاصة وكأن سعادة رجل السلطة ليس كبقية خلق الله. إيوا بْالسيف الراجل يْحسب راسو بحال فرعون! 6- مثل هذه السلوكيات المقرفة التي تصيب بالضغط الدموي لا توجد مع الأسف إلا في "نادي الدول المتخلفة" الذي لا رائحة فيه لشيء اسمه الديمقراطية، والذي يعتبر المغرب واحدا من بين أعضائه البارزين! مثل هذه السلوكيات المستهجنة التي تحطّ من كرامة المواطن المغربي، وتُشعره بكونه مجرد إنسان، أو بالأحرى مجرد كائن بلا قيمة، هي التي تجعل كثيرا من المغاربة، يرفعون دعاء واحدا كل يوم، لعل الله تعالى يستجيب، وهو: الله يعفو علينا من هاد البلاد! [email protected]