"يحسبون كل صيحة عليهم"..لعل هذه الآية القرآنية الكريمة نزلت في حق فئة المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث دعاه الله إلى توخي الحذر منهم، غير أنها تعني من بين ما تعنيه أيضا كل شخص متوجس يظن أن كل سؤال أو انتقاد هو موجه ضده بالأساس. قد تكون هذه حالة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي بادر أخيرا في تصرف غير مسبوق من لدن وزراء ومسؤولين حكوميين مغاربة إلى استعداء منابر إعلامية بالجملة، حيث كال إليها تهما وقال فيها "ما لم يقله مالك في الخمر"، حيث اعتبرها جميعا "متآمرة عليه" و"مشوشة على حكومته". لجوء بنكيران إلى الهجوم على منابر إعلامية حكومية ومستقلة على السواء، دون تقديم دلائل على ما ارتكبته أيديها من زلات وكبائر، وما اقترفته أقلامها وصحفيوها من آثام في حق الحكومة، دفع بالكثيرين إلى استنهاض سؤال طبيعة الخطاب السياسي الذي بات متداولا في البلاد منذ أشهر قليلة. الدكتور أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، قال بهذا الصدد إن المشهد السياسي بالمغرب أضحى يعرف استعمالا مكثفا للعديد من المصطلحات التي لا علاقة لها بحقل العلوم السياسية، والتي تكشف عن طبيعة ومستوى الممارسة السياسية بالمغرب". وتابع مفيد، في تصريحات لهسبريس، بأن السياسة بدأت تفقد معناها كقيمة حقيقية للتفكير، واقتراح الحلول التي ترد في صيغة سياسات عمومية قادرة على التجاوب مع التطلعات المشروعة للمواطنات والمواطنين، وقادرة على رفع التحديات في مجال التنمية البشرية والمجالية". وسجل مفيد أن "العديد من قادة الأحزاب السياسية يمدحون الصحافة حينما تروج لما يقولونه، ولكنهم ينتقدونها بمجرد الكشف عن ثغرات وتناقضات بعض الخطابات السياسية التي يتفوهون بها، أو حينما ينتقدون بعض القرارات والتصرفات التي يقومون بها". وبخصوص استعداء الصحافة، أفاد مفيد أنه يعتبر مخالفا للتوجه الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب، لأن حرية الصحافة من مظاهر حرية الرأي والتعبير التي يقرها الدستور، ويدافع عنها الحقوقيات والحقوقيون، وهي من شروط الديمقراطية والتعددية التي نتوخى أن تترسخ على مستوى الممارسة بالمغرب". وزاد المحلل ذاته بأن "المسؤولين السياسيين يعتبرون شخصيات عمومية، ينبغي أن يتقبلوا النقد الموجه لقراراتهم وتصرفاتهم، شريطة أن يكون النقد موضوعيا وبأسلوب لا يمس بكرامة الأشخاص المعنيين، ولا ينتهك حياتهم الخاصة". وأكد الأستاذ الجامعي بفاس أن "التاريخ يثبت بما لا يدع مجالا للشك على أن حماية حرية الصحافة يعد من دعامات الديمقراطية الحقة، ولهذا ينبغي عدم تخوينها أو تهديدها أو توجيه اتهامات غير مبررة لها" وفق تعبيره. ولفت إلى أن "الصحافي بدوره ينبغي أن يتحرى الدقة والموضوعية والمصداقية في الخبر، ويلتزم بأخلاقيات المهنة، ويحترم التعددية في الرأي بالشكل الذي يعكس حقيقة الواقع"، مضيفا أن "التعليق ينبغي أن يكون حرا شريطة أن يكون بأسلوب لائق لا يتضمن عبارات ذات حمولة قد تسيء لهذا الشخص أو ذاك".