لاتنساو الأصالة والحداثة ..عطيوها الشآن والهمة خلف الألبوم الأخير للفنان الشعبي "ميلود العرباوي"، أخ المطرب الشعبي "عبد العزيز الستاتي"، المُعنون ب " لا تنساو الأصالة"، والصادر منتصف الشهر الماضي، موجة من ردود الفعل المُتفاوتة داخل الساحتين الفنية والسياسية، لما تحمله كلماته – حسب ذات الردود - من دعاية مُبطنة ل" حزب الأصالة والمعاصرة" ولمُؤسسه الوزير السابق المنتدب في الداخلية "فؤاد عالي الهمة"، حيث اعتبرته بعض الفعاليات السياسية- أي الألبوم- وجها آخر من أوجه الدعاية للحزب الجديد، وشكلا من أشكال الترويج الذي بات ينهجه "حزب الهمة" في مواجهة خصومه السياسيين. في نفس السياق، اعتبرت ذات الفعاليات أن كلمات أغنية "العرباوي"، تحمل عناوين عريضة تنُم من جهة، عن تحامُل علني وواضح تُجاه التعددية السياسية بالمملكة، حسب المقطع (راكم كثرتو "الصباغة" ..وليتو "شلا لوان"...)، ومن جهة أخرى، عن اتهام صارخ لبعض الشخصيات السياسية من الأحزاب التي تداولت على تدبير شؤون البلاد حسب المقطع (بعض الرهوط ..وقفو السفينة..) في الوقت نفسه لوحت - أي الفعاليات - أن حزب "الهمة" بعد هيمنته الواسعة على المشهد الحزبي المغربي، ونجاحه الكاسح في تنفيذ مُخططه السياسي، وبسط سُلطانه على العديد من البيوت الحزبية بالمملكة ( في تلميح منها لأحزاب / التجمع الوطني للأحرار/ الإتحاد الدستوري/ الحزب الوطني الديمقراطي/ وحزب العهد و..و...)، يُباشر مُخططه المُعادي لخُصومه السياسيين، لكن هذه المرة عن طريق الفن والفنانين، مُدشنا أجندته الجديدة بفرسان الأغنية الشعبية. هكذا، تناسلت خيوط القراءات حول (ما تُعلنه وما تُخفيه) معاني أغنية "العرباوي"، وأيضا حول ما ترمز إليه من وراء سطورها، واختلفت كذلك التأويلات بين الحساسيات الحزبية المغربية. وسط زحمة التأويلات وتشابك خيوط القراءات، ارتفعت الأسئلة بنفس الحماس الذي تحمله الإيقاعات الحماسية لألبوم المطرب الشعبي "ميلود العرباوي"، فهل هو عزف سياسي على أوتار آلات الفن الشعبي، أم تُراه مُجرد إبداعات فنية أبعد ما تكون عن مرمى السياسة والسياسيين؟؟ قد أوقعت ب"العرباوي" في هذا الفخ السياسي بين "الهمة" وخصومه...؟ للوقوف على حقيقة ما يحمله الشريط موضوع الرجة من تلميحات سياسية، ربطنا الإتصال بالفنان " ميلود العرباوي" فكان معه الحوار التالي : - أثار شريطكم الغنائي الأخير والمُعنون ب (لا تنساو الأصالة)، ردود فعل متفاوتة داخل الأوساط الحزبية المغربية، لدرجة أن بعضهم اعتبر ذات الشريط بمثابة حملة دعائية ل"حزب الهمة"، كيف يمكنكم الرد على ذلك؟ * أود في البداية أن أوضح للمغاربة عامة، وللطبقة السياسية على وجه الخصوص، أن الإبداع هواء مُشاع يتنفسُه الجميع، وأن الفنان ليس حكراً على أحد إنما هو ملك للجميع، ولا يمكنه بأية حال أن ينحاز لأية جهة، أو لأي جزء من هذا الكل. تأسيسا على ما سبق فإن شريطي الغنائي الأخير (لا تنساو الأصالة)، لا يمكن وضعه في خانة الحملة الدعائية لحزب "الأصالة والمعاصرة".. فهو يحمل في جوهره إشارات قوية للتذكير بضرورة الحفاظ على الهوية المغربية المرتبطة بالأصل المتمثل في (العروبة - الإسلام - الثقافة والثرات والخصوصية المغربية)، كما يدعو في الوقت ذاته إلى أهمية الانفتاح على التطورات التي يعرفها العالم المعاصر. إضافة إلى أن أي حديث عن الأصالة في علاقتها بالحداثة أو المعاصرة، لا يعني بالضرورة الحديث عن "حزب الهمة"، كما أن أي حديث عن الاستقلال والوطنية لا يعني بالضرورة الحديث عن "حزب الاستقلال". - لا يخلو شريطكم موضوع الرجة من تلميحات سياسية، فهل من تفسير لما تحمله الإشارات السياسية التي تملأ فضاء الشريط ؟ * إن مُجرد الحديث عن الأصالة والدعوة لانسجامها مع ما تحمله رياح المُعاصرة، يُؤشر على أنها تلميحات لا تخلو من سياسة، لكن الذي تجدر الإشارة إليه وتأكيده في هذا الباب، أن الحمولة التي شُحنت بها كلمات شريط (لا تنساو الأصالة)، يُمكن ربطها بارتفاع درجات الحس الوطني في مقاصدها الكبرى، أكثر من ربطها بالسياسة والسياسيين، فهي في العمق دعوة صريحة وواضحة للتحلي بالروح الوطنية العالية، التي من شأنها تأهيل البلاد إلى المراتب التي تستحقها في مصاف دول العالم، ولمسايرة الركب الحضاري والتطور السريع الذي يعرفه الزمن الرقمي المعاصر. - يقول مقطع من الأغنية ( أعوذ بالله يا سيدي من بعض الرهوط .. وقفو السفينة أو قالو الرياح كتسوط) وهو ما فسره البعض على أنه تجريح عن طريق التلميح في حق بعض القادة السياسيين من الأحزاب التي تداولت على حكم البلاد، فهل من توضيح؟ * تعددت القراءات لهذا المقطع بالتحديد، كما أن تأويلات جمة تناسلت حوله، علما أن الجواب عنه واضح تماما في المقطع الغنائي الذي سبقه حيث يقول ( أجيو نخدمو بلادنا .. ونزيدو القدام..تبان الشمش ضاوية.. وانساو أيام الظلام)، مما يعني أن التجارب السياسية التي تداولت على تدبير شؤون البلاد، لم تفلح في تحقيق رغبات هذا الشعب المُكافح، كما أنها لم تتوفق في تغيير ملامح العديد من الواجهات بهذا الوطن، هذا بالنسبة للأغنية مُجرد تذكير بالتجارب السابقة، لأن أي شيء يجب أن يأخذ من سابقاته ليُؤثر في لاحقاته، وأن الجوهر بالنسبة للأغنية هو الدعوة المُلحة إلى مُضاعفة جُهود جميع مُكونات المشهد السياسي الوطني ومُؤسساته، للتقدم بهذا الوطن على الواجهات ( السياسية – الاقتصادية - الثقافية – الاجتماعية وهلم جرى...). - يقول مطلع الأغنية ( لاتنساو الأصالة والحداثة ..عطيوها الشآن والهمة) فهل تعني بالهمة "فؤاد عالي الهمة" أم الأهمية ؟ * (يضحك) يا أخي أنا فنان بالدرجة الأولى، لست سياسيا أو نقابيا، والقصد الذي أرمي إليه هو الاهتمام بشؤون هذه البلاد لأنها أُمنا جميعا، أما إذا كان "فؤاد عالي الهمة" يحمل مشروعا وطنيا طموحا، يهدف إلى المساهمة الفعلية في التنمية الشاملة للمملكة، فما العيب في أن نسانده وندعمه، نفس الشيء ينطبق على باقي الشخصيات السياسية والحزبية بالبلاد، لذلك فنحن كمغاربة في المقام الأول، وكفنانين في المقام الثاني، ندعم كل النوايا الحسنة التي تملك القدرة على بلورة مشاريع تنموية لصالح البلاد والعباد. - نفهم من أجوبتكم السابقة أنكم تنتقدون الوضع السياسي القائم في البلاد، من خلال مقاطعكم الغنائية؟ * أجل، فالفنان والمُثقف وجهان لعملة نقدية واحدة، لذلك أقول بأن وظيفة الفنان لا تقف عند الترويح عن الناس وإمتاعهم، إنما هو مُطالب أيضا بالمساهمة عن طريق منتوجه الفني في تشريح الوضع القائم في البلاد، وانتقاد هذا الأخير بما يدفع في اتجاه تقويم الاعوجاجات التي قد تشوبه. إضافة إلى أن الفن والثقافة هما المرآة الوحيدة التي تعكس الواقع الحقيقي للشعوب، ومن ثم فإن الفنان والمثقف مُطالبين بالقيام بهذه الوظيفة الوطنية على الوجه الأحسن.