ظمت أسرة إذاعة فاس الجهوية، نهاية الأسبوع، حفلا فنيا تكريميا احتفاء بالذكرى 53 لتأسيس هذه الإذاعة (18 أبريل 1961)، وذلك تحت شعار "إذاعة فاس الجهوية تاريخ من الوفاء ومستقبل واعد بالعطاء". وعكس هذا الحفل، الذي نظم بشراكة مع منتدى أطر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بفضاء (جنان السبيل) بفاس، المسار المشع لهذه المنارة الإعلامية على مدار خمسة عقود ونيف من الزمن وما راكمته من تجارب ورصيد إعلامي أضحى يشكل ذاكرة حية للمدينة في مختلف المجالات. وتميز هذا الحفل، الذي تخللته وصلات موسيقية أبرع في أدائها جوق إذاعة فاس الجهوية بمعية عدد من الفنانين في مجال الأغنية العصرية والملحون والطقطوقة الجبلية، بتكريم مجموعة من الأسماء التي ساهمت في إشعاع هذا المنبر الإعلامي ومنهم قضاة ومفكرون وعلماء وشعراء وأساتذة جامعيون. كما وقف المشاركون في هذا الحفل، الذي حضره إعلاميون ومهتمون وباحثون لحظة وفاء لروح عدد من الإعلاميين الكبار الذين بصموا المسار الإعلامي لإذاعة فاس والإعلام الوطني وانتقلوا إلى دار البقاء، كالمرحومين أحمد الأزمي ومولاي المهدي العلوي والشاعر الزجال المرحوم محمد الراشق، بالإضافة إلى الفنان رائد الطقطوقة الجبلية المرحوم محمد العروسي. ويأتي تنظيم هذا الحفل، الذي أدى خلاله جوق إذاعة فاس الجهوية ثلاث قطع جديدة خاصة بمناسبة ذكرى تأسيس الإذاعة، تتويجا لمجموعة من التظاهرات والأنشطة المخلدة للحدث انخرطت فيها إذاعة فاس الجهوية على مدار الأسبوع الماضي. وقدمت خلال هذه التظاهرات شهادات لفاعلين محليين من مختلف المشارب والقطاعات أبرزت القيمة التاريخية لهذه الإذاعة الجهوية ودورها الإعلامي الوظيفي كبوابة للتواصل ونهج سياسة إعلام القرب من المواطن والانفتاح على قضاياه. يشار إلى أن إذاعة فاس الجهوية، التي تأسست يوم 18 أبريل 1961 وأشرف على تدشينها جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، شكلت محطة بارزة في تاريخ الإعلام الوطني باعتبارها كانت انطلاقة رائدة لشرارة إعلامية ساهمت في توهج وإشعاع الإذاعة الوطنية على مدار ثلاثة وخمسين سنة. ومنذ ذلك التاريخ، انطلقت مسيرة العطاء الإعلامي لهذه الإذاعة والتي تواصلت بدون انقطاع حتى الزمن الحاضر في مواكبة مستمرة ودائمة لمختلف الأحداث والتظاهرات والوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وكانت إذاعة فاس الجهوية قد سجلت خلال انطلاق المسيرة الخضراء نفسها كأول إذاعة تنطلق في تغطية ومواكبة هذا الحدث وسط حشود المتطوعين كما ظلت منارة إعلامية وقيمة صوتية توثيقية تاريخية داخل الحاضرة الادريسية وهي توثق لوقائع وأحداث تشكل اليوم مرجعا للباحثين والدارسين في مجالات معرفية متعددة كالتاريخ والسياسة والثقافة والفن وغيرها. كما تتوفر هذه الإذاعة على تسجيلات صوتية لخطب ملوك ورؤساء مجموعة من الدول العربية والإفريقية كالرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع تسجيلات كاملة لوقائع مؤتمرات عالمية احتضنتها مدينة فاس كالمؤتمر التأسيسي للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) والمناظرة الدولية الثانية للمدن المصنفة تراثا عالميا وغيرها. وتعتبر إذاعة فاس الجهوية أيضا مشتلا فنيا عريقا من خلال انتاجاتها الغزيرة للأغنية العصرية منذ ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى فن الطرب الأندلسي والملحون والطقطوقة الجبلية مما جعلها مكون أساسي في إثراء الخزانة الوطنية المسموعة بإنتاجات فنية متنوعة ومتميزة لعمالقة الأغنية المغربية وللطرب الشرقي والطرب الأندلسي. ودون أن تنسلخ عن هويتها، التي تتماشى وخصوصية العاصمة الروحية للمملكة، انخرطت إذاعة فاس الجهوية مع حلول الألفية الثالثة في حراك إعلامي أخذ منحا متجددا راهنت خلاله على تجسيد مبدأ القرب والعدالة المجالية ونهج سياسة القرب من المواطن والانفتاح على قضاياه.